هل الإسلام يشجع على زواج القاصرات؟ كما في زواج الرسول (ص) من عائشة أو زواج الإمام علي (ع) من فاطمة الزهراء
أبو محمد الكرعاوي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبوركتم جهودكم س/هنالك شبهة مفادها بأن الإسلام يشجع على زواج القاصرات وهذا يعد ظلما للمرأة حسب تعبير اليوم وذلك من خلال زواج الرسول ص واله من عائشة أو زواج الإمام علي ع من فاطمة الزهراء علما بأن أحد الباحثين المصريين سارع لنفي هذه الشبهة عن زواج النبي ص واله من عائشة وذلك من خلال النصوص التاريخية ومقارنة عمرها بعمر أختها أسماء فثبت بأنه ص واله تزوجها وهي في سن ١٨عام وليس في التاسعة وقد بارك بحثه هذا جمع من علماء الشيعة فماذا أنتم تقولون عن زواج الزهراء ع وهي في سن التاسعة أو العاشرة؟.
السلام عليكم ورحمة الله
لابُدَّ أن نُفرّقَ أوّلاً بينَ التّشجيعِ على الفعلِ وبينَ إباحتِه، وثانياً لابُدَّ منَ التّفريقِ بينَ الحُكمِ الشّرعيّ وبينَ موضوعاتِه.
في النُّقطةِ الأولى: نجدُ أنَّ الإسلامَ أباحَ زواجَ البنتِ إذا وصلَت سنَّ البلوغِ، ويعني ذلكَ صحّةَ زواجِها شرعاً في حالِ وقوعِه، ولَم يجعَل ذلكَ على نحوِ الوجوبِ والإلزامِ أو حتّى على نحوِ الأولويّةِ أو الإشادةِ بهِ على نحوِ التّشجيعِ والتّحفيزِ.
النُّقطةُ الثّانية: مهمّةُ الشّارعِ المُقدّسِ بيانُ الأحكامِ الشّرعيّةِ مثل الوجوبِ والحُرمةِ والكراهةِ والإستحبابِ، بينَما تنحصرُ مُهمّةُ المُكلّفِ في تحديدِ الموضوعاتِ، فالشّارعُ يحكمُ مثلاً بحُرمةِ أكلِ لحمِ الخنزير، ولكِن لا يُبيّنُ لنا ما هوَ وكيفَ هوَ شكلُه؟، لأنَّ تلكَ هيَ وظيفةُ المُكلّفِ بحسبِ ما يحكمُ بهِ العُرفُ، وعليه عندَما يحكمُ الشّارعُ بجوازِ زواجِ البنتِ عندَ بلوغِها لا يُحدّدُ لنا مواصفاتِ البنتِ البالغةِ وكيفَ يكونُ شكلُها وما هيَ علاماتُها وإنّما يجعلُ تحديدَ ذلكَ للعُرفِ، والقولُ أنَّ البلوغَ يكونُ في سنِّ التّاسعةِ ليسَ على إطلاقِه فهوَ مُختلفٌ مِن زمانٍ إلى زمان ومِن بيئةٍ إلى بيئة، ويتأثّرُ بكثيرٍ منَ العواملِ مثلَ الجيناتِ الوراثيّةِ ونوعيّةِ التّغذيةِ والسّلامةِ منَ الأمراضِ وغيرِ ذلكَ، وعليهِ المُعوّلُ في تحديدِ البلوغِ ليسَ السّنُّ وإنّما العلاماتُ التي يُحدّدُها العُرفُ، وبناءً على أنَّ العُرفَ لهُ دخلٌ في تحديدِ الموضوعاتِ يمكنُ توسيعُ دائرتِه في تحديدِ البنتِ البالغِ التي يُناسبُها الزّواجُ والبنتِ البالغِ التي لا يُناسبُها ذلكَ، ولا يُستبعَدُ إستشارةُ أهلِ الإختصاصِ في ذلكَ منَ الأطبّاءِ وعُلماءِ النّفسِ وعُلماءِ التّربيةِ وعُلماءِ الإجتماعِ، والمُحصّلةُ في ذلكَ أنَّ الإسلامَ وضعَ الحدَّ الأدنى الذي يصحُّ فيهِ زواجُ الفتاةِ، ولَم يجعَل ذلكَ على سبيلِ الإلزامِ أو النّدبِ. كما يقودُنا هذا الكلامُ إلى أنَّ كلمةَ (قاصرة) خاضعةٌ أيضاً للتّحديدِ العُرفيّ، وليسَ بالضّرورةِ أن تكونَ القاصرةُ محكومةً بعددِ السّنواتِ دائِماً، فقَد تكونُ البنتُ في زمنٍ ما، أو مكانٍ ما، أو ضمنَ ظرفٍ ما، عمرُها تسعةُ سنواتٍ وليسَت قاصرةً، في حينِ تكونُ البنتُ الأخرى عمرُها ثمانيةَ عشرَ عاماً وهيَ قاصرةٌ.
وعليهِ لا وجودَ لقاعدةٍ أو عُمرٍ مُحدّدٍ للبلوغِ كما لا وجودَ لعُمرٍ مُحدّدٍ للقاصرةِ، ومِن هُنا كلُّ حالةٍ تُدرَسُ ضمنَ ظرفِها التّاريخيّ ولا تُعمّمُ لتكونَ قاعدةً ماضيةً في الأزمانِ، فزواجُ الإمامِ عليّ منَ السّيّدةِ الزّهراءِ (سلامُ اللهِ عليهما) ليسَ فيه إنتهاكٌ لحقوقِ المرأةِ ولا تعدٍّ على عُمرِها طالما تحقّقَ شرطُ الزّواجِ الشّرعيّ الذي يُراعي نُضجَ المرأةِ وقُدرتَها على تحمُّلِ أعباءِ الزّواجِ، وهذا ما يُثبتُه تاريخُ تلكَ الأسرةِ المُباركةِ التي خصّها اللهُ بالفضلِ والكرامةِ وامتدحَها في كتابِه وأشارَ إلى عظيمِ مكانتِها، قالَ تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا).
ومُضافاً إلى نفي أصلِ الإشكالِ يُمكِنُنا القولُ إنَّ الرّواياتِ في تحديدِ عُمرِ الزّهراءِ (سلامُ اللهِ عليها) وقتَ زواجِها لَم يكُن موردَ إجماعِ المُؤرّخينَ، حيثُ قيلَ: عشرُ سنين، وقيلَ: إحدى عشرةَ سنةً، وقيلَ: ثلاثَ عشرةَ سنةً، وقيلَ: أربعَ عشرةَ سنةَ، وقيلَ: خمسَ عشرةَ سنةً وخمسةَ أشهُرٍ، وقيلَ: ثمانِ عشرةَ سنة، معَ أنَّ مشهوَر الشّيعةِ تسعةُ سنوات.
اترك تعليق