تعرف على أربعة أدلة لجواز البكاء على الميت

: السيد علي الحسيني

في هذا المطلب تضيق دائرة البحث، فالمطلب السابق كان يهتم بظاهرة البكاء بشكل عام بصـرف النظر عن أسبابه وموارده ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يأخذ وجهة نظر فئة محددة من الناس، أما في هذا المطلب فتخصص الموضوع أكثر وتضيق لأمرين:فأولاً: نفس الموضوع المبحوث عنه، فبعد أن كان البكاء تكون البكاء على الميت لا عموم البكاء.وثانياً: أخذ منظور جماعة محددة من البشـر أعني موقف خصوص المسلمين من البكاء على الميت.وبذلك يكون السؤال الذي يسعى هذا المطلب لجوابه هو: ما موقف المسلمين من البكاء على الميت؟أـ موقف المذاهب الاربعةاتفق العامة بمذاهبهم الفقهية الأربعة على جواز البكاء على الميت لكن دون صوت فيما اختلفوا فيما كان بصوت فذهبت المالكية والحنفية للتحريم بينما ذهبت الشافعية والحنابلة للتحليل.في مبحث البكاء على الميت، يقول الجزيري (المتوفى: 1360هـ): "يحرم البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية، وقال الشافعية، والحنابلة: إنه مباح، أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباح باتفاق".وكذلك لا يجوز الندب؛ وهو عد محاسن الميت بنحو قوله: واجملاه، واسنداه، ونحو ذلك، ومنه ما تفعله النائحة "المعددة" كما لا يجوز صبغ الوجوه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري؛ ومسلم.هذا ولا يعذب الميت ببكاء أهله المحرم عليه، إلا إذا أوصى به، وإذا علم أنه أهله سيبكون عليه بعد الموت، وظن أنهم لو أوصاهم بتركه امتثلوا ونفذوا وصيته، وجب عليه أن يوصيهم بتركه، وإذا لم يوص عذب ببكائهم عليه بعد الموت"([1]).ب ـ موقف اهل البيتما قاله الشافعية والحنابلة وإن كان هو الاقرب لرأي اهل البيت: اذا ما قيس برأي المالكية والحنفية من جهة الحكم بالإباحة بيد أنّهم يحرمون ما زاد على البكاء من نياحة او صياح وما اشبه الأمر الذي لا دليل على حرمته، بل الدليل ناهض على إباحته، وإليك أدلة الإباحة:أدلة جواز البكاء على الميتالأول: الأصل فإن كل ما لم يقم دليل على حرمته في الشـريعة المقدسة فهو محكوم بالحلية ولم يدلنا دليل على حرمة البكاء على الميت.الثاني: السيرة المستمرة المتصلة بزمان المعصومين: ولم يردعوا عنها بوجه فلو كان البكاء على الميت محرما لانتشـرت حرمته ووصلت إلينا متواترة لكثرة الابتلاء بالأموات والبكاء عليهم.الثالث: الأخبار الواردة في أن النبي صلى الله عليه وآله بكى على إبراهيم وقال "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب" وبكي أيضا على جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة.وكذلك بكت الصديقة عليها السلام على رقية بنت رسول الله وعلى أبيها - صلوات الله عليه وآله - وبكى علي بن الحسين عليه السلام على شهداء الطف مدة مديدة بل عدت الصديقة الطاهرة وزين العابدين عليهما السلام من البكائين الخمسة لكثرة بكائهما.بل ورد الأمر بالبكاء عند وجدان الوجد على الميت في رواية الصيقل فراجع.نعم: ورد في حسنة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام "كل الجزع والبكاء مكروه ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام". إلا أنه في مقابل السيرة والأخبار لا بد من تأويل الكراهة فيها بحملها على كون البكاء مكروها عرفيا لعدم مناسبته مع الوقار والعظمة والمنزلة ومن ثمة لم ير بعض الأعاظم (قده) باكيا على ولده المقتول لدى الناس وقالوا: إنه كان يبكي عليه في الخلوات في داره لا أنه مكروه شرعي أو يحمل على أن مجموع الجزع والبكاء مكروه فإن الجزع غير مرغوب فيه شرعا إلا على أبي عبد الله الحسين عليه السلام([2]).تنبيهات:الروايات المشار لها في الدليل الثالث متواترة تواتراً معنوياً، قال في الجواهر: "لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا وفتوى للأصل، والأخبار التي لا تقصـر عن التواتر معنى".([3]).ويضاف للأدلة: الإجماع، فقد نص عليه غير واحد من الأعلام، منهم صاحب الحدائق، قال: الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في جواز البكاء على الميت قبل الدفن وبعده ([4]).رواية الصيقل المشار لها أعلاه هي ما رواه الكليني باسناده عن مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَجْداً وَجَدْتُهُ عَلَى ابْنٍ لِي هَلَكَ حَتَّى خِفْتُ عَلَى عَقْلِي فَقَالَ إِذَا أَصَابَكَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ فَأَفِضْ مِنْ دُمُوعِكَ فَإِنَّهُ يَسْكُنُ عَنْكَ"([5]).والخلاصة:إنّ الأدلة على جواز البكاء على الميت أربعة:1ـ أصالة الإباحة.2ـ الاجماع.3ـ والروايات المتواترة.4ـ السيرة المتصلة بالأئمة.الهوامش: ([1])الجزيري - الفقه على المذاهب الأربعة، ج1 ص 484، ط: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.([2]) الخوئي – التنقيح في شرح العروة الوثقى- كتاب الطهارة: ج  9/ ص 342.([3]) الجواهري – جواهر الكلام ج 4 :ص 365 ([4])البحراني - الحدائق الناضرة ، ج ٤ ص ١٦٢([5]) الكليني –  الكافي ج: 3 ص: 250، باب النوادر، ح 3.

المرفقات