تسعى المقالة للبحث عن الأصل التأريخي الذي بلور بشكل واضح لإشكالية صراع العلم والدين وماذا إذا كانت هذه الصياغة التي تقحم الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدباطلاق صحيحة؟ وهل للإسلام علاقة من قريب أو بعيد بنشوء مثل هذه الإشكاليات؟! وهل هي بين العلم والدين أم بينه وبين اللاهوت والكنيسة؟
تنطوي الإشكالية على مفردات ثلاث يلزم توضيحها: (العلم والدين والتعارض) فالعلم هنا هو المعني بدراسة الطبيعة بمنهج التجربة والملاحظة، والدين في محوره الأهم الإيمان بالله تعالى الواحد الأزلي الحكيم، وبالحياة بعد الموت وبرسله وما ثبت عنهم بالقطع واليقين ومن الطبيعي أن يشمل هذا الإطلاق للدين كل من: اليهودية والمسيحية والإسلام.
والتعارض الذي يلزم تصوره في هذه الإشكالية هو ما يذكر في المنطق بعنوان: التناقض الذي يرسم له حدود ويوضع له شرائط والتعرض لتفاصيله يخرجنا عن هدف المقال وسياقه وبإيجاز التناقض هو: اختلاف في القضيتين يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والاخرى كاذبة ([1]) مثل: الأرض ساكنة، والأرض غير ساكنة.
فيما يخص الإسلام الإسلام لغة:
للإسلام في اللغة عدة معانٍ منها:
1ـ اعتناق الدين الإسلامي والدخول فيه.
2ـ الانقياد والطاعة.
3ـ الصلح والسلام.
المزيدلم يوجد حتى اللحظة حقيقة علمية ثابتة تناقضه بل هو فرض مستحيل التحقق فالحقائق لا تتناقض ولكن، تأريخياً تبلور هذا التعارض بين المسيحية والعلم وأرتبط بواقعتين لا يصح أن يتخطاهما كل من تناول أو يريد تناول الموضوع:
تشير الواقعتان إلى مسألتين ومجالين نشب فيهما ما عبر عنه لاحقاً بصراع العلم والدين: مسألة جيولوجية تمثلت في أنّ الأرض هل هي ثابتة وتمثل محور الكون أم لا؟ والمسألة الأخرى بايلوجية وتحديداً: نظرية التطور، وفي كلتاهما كان اللاهوت المسيحي ورجال الكنيسة طرفاً:
1ـ جاليلو والكنيسة – الثورة الكوبرنيكية
تبنت الكنيسة المسيحية رؤية عالم الفلك اليوناني بَطْلَيموس (87 – 150 م) صاحب كتاب: (المجسطي) عن الكون والعالم التي تقوم على أساس سكون الأرض ومحوريتها لسائر الكواكب الأخرى، والسر في قبول فرضية الجيوسنترية هذه يعود إلى أمرين مهمين :
أـ تقاربها مع الرؤيا الدينية المسيحية آنذاك فـ" راقت هذه النظرية البلطمية الخاطئة للكنيسة الكاثوليكية وساقتها كدليل على تكريم الله للإنسان بأن جعله وجعل الأرض التي يعيش عليها مركزاً للكون " (عوض - الإلحاد في الغرب)
ب ـ مضافاً إلى تطابقها مع المشاهدة الحسية، حيث عدم الإحساس بحركة الأرض مع مشاهدة دوران الشمس حول الارض نهاراً والقمر حولها ليلاً كل يوم، فقد " ظل العقل الإنساني عاكفا على تأييدها لأنها أقرب النظريات انطباقاً على حركات الأجرام السماية الظاهرة للعين المجردة " (وايت - بين الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدوالعلم )
بيد أنّ هذه النظرة للكون والأنسان تبدلت مع كوبرنيكوس وغاليلو اللذَين بشّرا بالنظرية الهليوسنترية وأنّ الأرض وكل الكواكب تدور حول الشمس ومن ثمّ فالشمس هي مركز الكون سمي هذا التبدل لاحقاً بـ "الثورة الكوبرنيكية" نسبة لمؤسس علم الفلك الحديث والراهب المسيحي نيكولاس كوبرنيكوس (توفي سنة: 1543 م) رائد هذه نظرية ومدونها في كتابه: (دوران الأجرام السماوية )، كان ذلك في القرن السابع عشر في ايطاليا يوم كانت الكنيسة الكاثوليكة تحكم قبضتها على المعرفة وكان السائد الموافق للفلكيين والكنيسة والكتاب المقدس ان الارض هي مركز النظام الشمسي لكن اكتشف أبو العلم الحديث الفلكي الإيطالي الشهير غاليليو غاليلو(توفي سنة :1642 م) عبر المشاهدة بتلسكوبه أنّ الأقمار تتحرك حول كوكب المشتري ليس كل شيء يدور حول الارض فقد لا يكون كوكبنا مركزا للنظام الشمسي فاتهمته الكنيسة بالهرطقة وحصل بينهما ما هو معروف في كتب التأريخ مما اضطر بعدها لإعلان توبته عن ذنبه أمام الكنيسة وهو جاثٍ على ركبتيه!
2ـ هكسلي والأسقف ويلبرفورس - نظرية التطور
بعد سنة تقريباً من نشر كتاب عالم الأحياء الشهير: تشارلز دارون كتاب (أصل الأنواع) وقعتْ واحدة من أشهر المناظرات في تاريخ المواجهة بين العلم والدين في سنة (١٨٦٠م) في متحف التاريخ الطبيعي بجامعة أوكسفورد، وقعت المناظرة بين مؤيد للتطور وهو عالم الاحياء الشاب: توماس هكسلي (توفي :1895م) الذي كان يرفض تدخل الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدفي العلم، ويقف بالضد منه ومن التطور اسقف اكسفورد: سامويل ويلبرفورس (توفي:1873م) الذي أعلن مراراً إدانته لدارون ونظريته، وفي اجتماع الجمعية البريطانية لتقدم العلوم دخل الأسقف وعرّض أيضاً بدارون ملقياً خطبة تفاخر فيها أنّه غير منحدر من قرد، وحينها رد عليه هكسلي بالقول: لو خيّرتُ لفضلتُ أن أكون من نساء قرد دنيء النسب على أن يكون أبي رجلاً من البشر يستخدم قوته الخطابية في تحقير أولئك الذين يفنون أعمارهم في سبيل البحث عن الحقيقة "([2])
وإذن فنحن أمام قضيتين وقع الاختلاف فيهما بين الكنيسة ورجالها من جهة وبين العلماء من جهة أخرى، يراد بهما التأصيل لتعارض حتمي وتناقض واقعي بين الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدوالعلم، وقد قيل عنهما في بلوغهما مرتبة الحقيقة: إنّ التطور بايولوجياً يوازي دوران الأرض حول الشمس فلكياً، لكنها مبالغة واضحة يراد بها تسويق نظرية التطور بأي ثمن فهل يساوى علمياً بين ما تم رصده مباشرة مع ما لا تجري فيه التجربة؟! وأيا كان فدوران الأرض ومحوريتها لا شيء وحياني يشير إلى ما يتناولها اصلاً فضلا عن عدم وجود ما يناقضها.
وأما نظرية التطور وهي حجر الزاوية في الموضوع ولفرط الاعتقاد بمناقضتها للدين اعتبرت دليلاً لصالح الإلحاد، ولأنّنا في مقال موجز علينا التعجيل بإجابة سؤالين: ماهي نظرية التطور؟ وهل تناقض الدين؟
درس تشارلز دارون (توفي سنة: 1882م) الكائنات الحية ونشر دراسته في كتابه المعروف (أصل الأنواع وتطورها عبر الانتخاب الطبيعي) الذي خلص فيه إلى نتيجة مفادها أنّ بين جميع الكائنات الحية صلة وقرابة وسلف مشترك (وحيد الخلية) منه تطورت سائر الكائنات الحية وإليه ترجع، ومنه نشأت، وهذا يشمل الإنسان أيضاً لكنه خصه بمؤلف آخر (ظهور الإنسان).
لا تتناول النظرية أصل نشوء الحياة في هذا السلف المشترك الذي يمثل أصلاً لسائر الكائنات الحية، فهو يرى أنّ الله هو الذي نفخ الحياة في الخلية الأولى، وحيث أنّ هذا لا يروق للتطوريين بعده من الملاحدة قالوا: إنّ نشوء الحياة وقع صدفة، والمهم تدرجت هذه الكائنات بحسب دارون وترقت وظهرت الأنواع بفعل طفرات عشوائية في شفرتها الوراثية وعبر الانتخاب الطبيعي وقانون البقاء للأصلح تبقى وتنتقل الجينات النافعة وتفنى منها ما كان ضاراً، فترافق مع نظرية التطور كل من الصدفة في أصل الحياة والعشوائية في ظهور الأنواع وبديهي أنّ كلاً من الصدفة والعشوائية لا تلتئمان مع الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدالقائم على الإيمان بوجود إله خالق له حكيم له غاية في الخلق .
إزاء ذلك أنقسم المؤمنون:
بين خلقيين يؤمنون بالخلق الخاص وبأنّ الكائنات الحية بأنواعها وتنوعها وجدتْ بتصميم ذكي لا بانتخاب طبيعي، ومن ثمّ يرفضون التطور الدارويني، ذلك أنّ كل الأشياء بمضنها الكائنات الحية قد صممت بنحو دقيق ومنظم ومتسق ولها هدف وغاية وليس تصميمها ناتج عن الانتخاب الطبيعي كما تقضي الداروينية، فالرأي عند هؤلاء يدور بين أمرين: إما تصميم ذكي ومصمم عظيم أو انتخاب طبيعي دارويني خاضع للصدفة والعشوائية وهما في الحقيقة ليسا من العلم في شيء .
وبين من يجمع بينهما في رؤية موحدة تجمع بين القبول بأصل التطور وبين الإيمان بالله والدين وسك لتلك الرؤية وعبر عنها بالعديد من المصطلحات مصطلح: اختصار و إجمال لقضية أو لعلم ما جاء موافقاً لسياقات التعبير اللغوي و موافقة التأويل المراد .
أما الاصطلاح فهو عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما يُنقل عن موضعه الأول , و إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما . و قيل : الاصطلاح : اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى . و قيل : الاصطلاح : إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى آخر , لبيان المراد . و قيل : الاصطلاح : لفظ معين بين قوم معينين .
أما علم المصطلح فهو علم حديث يعتبر من العلوم التي ظهرت في القرن العشرين , هدفه تحقيق الهدف المطلوب من مواكبة التطور العلمي و التقني الذي يشهده العالم , و تحقيق الفهم الصحيح لكل وافدٍ جديد بما يلائم اللغة و عقل المتلقي .
المزيدكـ "التطور الموجه" كما يعبر الدكتور هاني خليل رزق في كتابه " أصل الإنسان – التفسير الدارويني في ضوء المكتشفات الحديثة " أو " التطوير بدلاً من التطور " كما يعبر الدكتور مصطفى محمود، أو " التطور التوحيدي " كما هو عند عالم الجينات الأمريكي المعاصر رئيس المشروع الدولي للجينوم البشري فرانسيس كولنز، يلخص ذلك كله في كتابه الشهير " لغة الإله إله لغة:
الألوهية هي مصدر أله يأله، قال الجوهري: (أله – بالفتح – إلاهة، أي عبد عبادة، ومنه قرأ: ((وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ))(1)، بكسر الهمزة قال وعبادتك وكان يقول: إن فرعون كان يعبد في الأرض ومنه قولنا: (الله) وأصله: (إله) على فعال بمعنى مفعول أي معبود، كقولنا: إمام فعال: لأنه مفعول أي مؤتم به).
المزيد" :
الله غير المحدود بزمان أو مان هو الذي خلق الكون، وهو الذي وضع القوانين التي تحكمه وفي سعيه لملأ هذا الكون الأجرد بكائنات حية، أختار الله آلية التطور لخلق ميكروبات ونباتات وحيوانات من كل الأنواع، ولكن المثير للملاحظة هو أنّ الله أختار نفس الآلية لخلق كائن متميز يمتلك الذكاء ويمتلك القدرة على تمييز الخير من الشر " ([3])
ختاماً:
أثر ذلك استنتج المفكرون أنّ الصراع في جوهره هو بين اللاهوت والعلم وإلا لو كان بين العلم والدين فكيف بقي قائماً بينهما خمسة وعشرين قرناً من الزمان ولم ينته بأنّ يصرع أحدهما الآخر؟ يضيف في كتابه: (بين الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدوالعلم) البروفيسور الأمريكي في التأريخ والأدب أندرو ديكسون وايت (توفي سنة 1981م) : الحقيقة أنّ الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدوالعلم كل منهما يستمد من ناحية من نواحي التكوين الفكري للإنسان، لهذا ظل الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدباقياً وظل العلم ثابتاً لأنّ كلاً منهما مظهر من مظاهر الفكر الإنساني.
([1]) المظفر – المنطق ج1 ص195
([2])وايت – بين الدين الدين لغـة:
قال ابن فارس: (الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون)(1).
المزيدوالعلم – تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى ص186 .
([3]) فرانسيس كولنز - لغة الإله إله لغة:
الألوهية هي مصدر أله يأله، قال الجوهري: (أله – بالفتح – إلاهة، أي عبد عبادة، ومنه قرأ: ((وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ))(1)، بكسر الهمزة قال وعبادتك وكان يقول: إن فرعون كان يعبد في الأرض ومنه قولنا: (الله) وأصله: (إله) على فعال بمعنى مفعول أي معبود، كقولنا: إمام فعال: لأنه مفعول أي مؤتم به).
المزيدص219، الطبعة الأولى: 1437هـ - 2016 م، الكويت، ترجمة: د.صلاح الفضلي
صراع العلم مع الدين ام مع اللاهوت المسيحي..؟ قراءة في الجذور التاريخية للصراع
السيد علي الحسيني 2020-10-11
التعليقات