السرُّ في كون عاشوراء أعظم مصيبة من يوم رسول الله!

: السيد علي الحسيني

كان المقرّر أن أتناول الموضوع بصورة مختلفة تماماً عمّا هي عليه الآن، وأطرح السؤال على نحو مغاير لكن تبقى المادة نفسها، و تظلّ روح الإجابة واحدة. كنت أودّ البدء بالسؤال عن معنى قول الحوراء زينب في كربلاء سنة(61هـ): اليوم مات جدّي رسول الله(ص)..!! والأصل في الكلام الحقيقة، وهي هنا ممتنعة فيما يظهر بدواً! لكنّي ولدواعٍ فنيّة لا أكثر؛ قلبتُ شكل المقال، وغيّرتُ صيغة السؤال.. إلى السؤال عن تعظيم الشيعة ليوم الإمام الحسين(عليه السلام) وتفجعهم على مصيبته أكثر من سائر الأئمة المعصومين ولو كانوا أفضل منه كجدّه النبي، وأبيه الوصي، وأخيه الحسن الزكي(عليهم السلام) فيميّزن يوم عاشوراء كمّاً ونوعاً، وهذا أمرٌ بادٍ للعيان لا يناقش فيه إلا مكابر!، ومن الطبيعي أن يثير هذا التمييز التساؤل !

إلا أنّ التساؤل له وجهان: فتارة يسأل عن الأساس الشرعي للتفجّع أكثر في يوم عاشوراء.. وغالباً ما يطرحه المخالفون وعندها يجاب بما يعرفه الشيعة-العوام منهم والخواص- من أنّ ذلك يأتي تأسياً بالنبي، واقتداءً بأهل البيت!!وهذا المطلب واضح لا غموض فيه، لكنّ هذا السؤال ليس هو المقصود في المقام، وإنّما المقصود هو الوجه الآخر منه، وهو التساؤل عن حكمة هذا التعظيم، وفلسفة هذا التمييز، فعظم مصيبته(عليه السلام) أمرٌ معلوم: "مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام، وفي جميع السماوات والأرض.." حتى أنّ الإمام الحسن(ع) قال فيما روي عنه: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.. هكذا بـ(لا) النافيّة للجنس، وأمّا سرُّ ذلك وسببه وفلسفته فغير معلوم!

ومثل هذا السؤال ليس بالضرورة أن يطرحه المخالفون بغرض التشكيك، فقد استفهم به بعض أصحاب الأئمة -وحُقّ لهم أن يستفهموا- على ما رواه الصدوق في (علل الشرائع) باسناد متصل عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) واليوم الذي ماتت فيه فاطمة( عليها السلام) واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين(عليه السلام) واليوم الذي قتل فيه الحسن( عليه السلام) بالسمّ؟!!

فقال: إنّ يوم الحسين( عليه السلام) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام؛ وذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة، فلمّا مضى عنهم النبي (ص) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فكان فيهم للنّاس عزاء وسلوة، فلمّا مضتْ فاطمة( ع) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للنّاس عزاء وسلوة، فلمّا مضى منهم أمير المؤمنين(ع) كان للنّاس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلمّا مضى الحسن (ع) كان للنّاس في الحسين( ع) عزاء وسلوة فلمّا قتل الحسين(ع) لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للنّاس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم؛ فلذلك صار يومه أعظم مصيبة.." (علل الشرائع،ج1،ص225).

 والحديث طويل وله تتمّة مهمّة جدّاً، لكنّا اكتفينا بنقل محل الشاهد منه، وهو مثلما تلاحظ، في غاية الإحكام، ومنتهى المتانة، ولا غضاضة فيه ولا حرج، فهذا من الخصوصيّات الزمانيّة لأبي عبد الله(عليه السلام) كما أنّ من خصوصيّاته المكانيّة أن جعل الشفاء في تربته، كلّ ذلك من خصوصيّاته التي لا تقتضي تفضيلاً على جدّه وأبيه، وأوضح منه أنّ أبويه (صلوات الله عليهما) خير من أبوي أبويه، بل ومن أبوي جدّه المصطفى(صلى الله عليه وآله) الذي يعود إليه كلّ كمال وجمال.

 وأياّ يكن فإنّ روح الجواب التي انطوى عليها الحديث صريحاً مبثوثة في أدب الطف وفي ثقافة آل محمد، أمّا الأدب فدونك صالح القزويني مثالاً، يقول في قصيدته المعروفة( شجر الأراك أراك تزهو):

فحياة أصحاب الكساء حياته، وبيوم مصرعه جميعاً صرّعوا

وقد أقتنص الشاعر العظيم هذا المعنى عن ثقافة آل محمد، فيروي ابن قولويه مثلاً في كامل الزيارات، أنّه لما همّ الحسين بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة فمشى فيهن الحسين فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله، فقالت له نساء عبد المطلب: فـلِمَ نستبق النياحة والبكاء؟! فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله، وعلي، وفاطمة ..(كامل الزيارات،ص195).

إضف إليه، ما أشرتُ إليه في مقدمة المقال، أعني ما نقله أبو الفرج الأصفهاني(ت 356هـ) من أنّ الحوراء زينب خاطبت أخاها الحسين(ع) حين سمعته يرتجز وينعى نفسه قائلةً: .. يا حسيناه يا سيداه، يا بقية أهل بيتاه..؛ اليوم مات جدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأمي فاطمة الزهراء، وأبي علي وأخي الحسن، يا بقية الماضين، وثمال الباقين.(مقاتل الطالبيين،ص113). ليعرف مما مضى سرده أنّ مقالتها(عليها السلام)  تحمل على الحقيقة !