ماذا يراد بالأعراف ؟

: الشيخ ليث العتابي

     الأعراف من المفاهيم القرآنية المرتبطة بالمعاد، وتطلق على مكان يقع بين أهل الجنة وأهل النار. وقد استعملت هذه الكلمة مرّتين في القرآن الكريم، وبالتحديد في سورة الأعراف، الآيات 46 و48. ويفهم من هذه الآيات أن على الأعراف رجالاً من المقرّبين، يشفعون بإذن الله تعالى .

      الأعراف لغة:

      الأعراف في اللغة: جمع عرف بمعنى المحل والموضع المرتفع، وعُرْفُ الديك لحمة مستطيلة في أعلى رأسه يشبه به بظر الجارية، وعُرْفُ الدابة الشعر النابت في محدب رقبتها(1).

       الأعراف اصطلاحاً:

       الأعراف: هو حجاب مرتفع بين الجنة والنار يشرف عليهما، وعليه رجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار معرفة تامة. قال تعالى: ((وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم)).

وقد اختلفت كلمة الأعلام في خصوص المراد من الأعراف في القرآن الكريم، فذكرالمفسّرون آراء مختلفة في ذلك(2)، يشترك أكثرها في معنى واحد، وهو جدار بين أهل الجنة وأهل النار(3).

      ويرى السيد العلامة الطباطبائي، أن المراد بالأعراف أعالي الحجاب الذي بين الجنة والنار، وهو المحل المشرف على الفريقين أهل الجنة وأهل النار جميعاً، فأصحاب الأعراف هناك مطلون على أهل الجنة وأهل النار معاً(4)، وبما أن ظهر الأرض في القيامة مستوٍ، فيكون المراد من الإرتفاع - بطبيعة الحال – مقام الأفراد المرتفع، وهو مقام الشفاعة.

      وعن مجاهد وهو من مفسّري التابعين، أن الأعراف سور كالذي يحيط بالمدن القديمة، وله أبواب. وفي صعيد هذا التفسير يرى بعض العلماء المتأخرين أن الأعراف هو نفس الحائل المذكور في سورة الحديد(5)، الذي يجعله الله سبحانه بين المؤمنين والمنافقين في الآخرة، وله باب تشرف من الباطن على الجنة، ومن الظاهر على النار.

       نقل عن الحسن البصري والزجاج بأنهما فسّرا الأعراف بالمعرفة، أي يوجد في يوم القيامة رجال مطلعون على حال الناس، ويعرفون أهل الجنة والنار من خلال سيمائِهم(6)، وهذا ما ذهب إليه صدر المتألهين، متخذاً من قوله تعالى: ((يَعْرِفُونَ كُلاً بِسيماهُمْ))(7)، شاهداً على هذا المعنى(8).

      من هم أصحاب الأعراف:

      اختلف المفسّرون في أصحاب الأعراف، وتعددت الآراء حتى بلغت أقوالهم إلى أربعة عشر قولاً(9)، وأغلب من تكلّم في الأعراف تطرّق إلى هذه الآراء، و الأقوال ترجع هذه الآراء جميعها إلى ثلاثة، وهي:

1ـ إنهم مجموعة من المقربين عند الله، كالأنبياء والأئمة والشهداء على أعمال الناس.

2ـ إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.

3ـ إنهم ملائكة واقفون على الأعراف، يعرفون كلاً بسيماهم(10). 

      رأي أهل السنة:

      اختار أغلب علماء ومفسري أهل السنة القول الثاني(11)، فعن ابن العربي في وصف يوم القيامة: وتأتي الملائكة الثمانية تحمل ذلك العرش، فيضعونه في تلك الأرض، والجنة عن يمين العرش، والنار من الجانب الآخر، وقد علت الهيبة الإلهية، وغلبت على قلوب أهل الموقف، ويأمرهم داعي الحق عن أمر الله بالسجود لله، فلا يبقى أحد سجد لله خالصاً على أي دين كان إلا سجد السجود المعهد، ومن سجد اتقاء ورياء خرّ على قفاه، وبهذه السجدة يرجح ميزان أصحاب الأعراف، لأنها سجدة تكليف، فيسعدون ويدخلون الجنة(12)، وقد اختار من علماء الشيعة صدر الدين الشيرازي هذا الرأي في كتابه الشواهد الربوبية(13).

      رأي الشيعة:

      يرى أكثر علماء الشيعة بعد استعراضهم للوجوه والآراء المذكورة في تفسير الأعراف، وانطلاقاً من الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) أن أهل الأعراف هم الأنبياء والأئمة الطاهرون (ع)(14)، وبعد أن استعرض الملا صدرا في الأسفار الأربعة(15) تلك الكلمات، ومنها كلام ابن عربي، خلص إلى اختيار القول المشهور لدى الشيعة أيضاً. وقد أكدت هذا المعنى الكثير من الروايات الواردة في مصادر الحديث الشيعية مثل كتاب بصائرالدرجات للصفار، والكافي للكليني، ومعاني الأخبار للصدوق، ومسار الشيعة للشيخ المفيد.

      الجمع بين الرأيين:

      هناك آراء أخرى ذكرتها جملة من المصادر الروائية الشيعية والسنية(16)، تشير إلى غير تلك الوجوه الثلاثة المذكورة، والتي هي وسط بين الآراء المذكورة. وحاصل الجمع بين الإثنين بأن كل مجموعة من هاتين المجموعتين من الروايات مبيّنة لحال بعض رجال الأعراف؛ وذلك بمعنى أن الأعراف يحوي أفراداً تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، فلا يستحقون الجنة ولا النار، وكذلك يوجد فيه الأنبياء والأئمة(ع) الذين جاءوا ليشفعوا لهم. والذي يؤيد هذا الرأي أن الآيات الأربعة المذكورة آنفاً ذكرت صفتين من الصفات المختلفة والمتضادة لأصحاب الأعراف؛ ففي الآيتين الأولى والثانية وصفت أصحاب الأعراف بأنهم يتمنون دخول الجنة، ولكن ثمة موانع تحول دون ذلك، وعندما ينظرون إلى أهل النار، يستوحشون مما آلوا إليه من المصير، ويتعوذون بالله من ذلك المصير، ومن أن يكونوا منهم.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم تهذيب اللغة، ج3، ص2404، لسان العرب، ج9، ص241.

(2) الميزان، ج8، ص126.

(3) تصحيح الاعتقادات، المفيد، ص223، المفردات، الأصفهاني، ص332.

(4) الميزان، ج8، ص121.

(5) سورة الحديد، الآية (13).

(6) التفسير الكبير، الرازي، ج14، ص87، جامع البيان، الطبري، ج5، ص241.

(7) سورة الأعراف، الآية (46).

(8) العرشية، صدر الدين الشيرازي، ج1، ص90.

(9) الميزان، ج8، ص126، التفسير الكبير، ج14، ص90، روض الجنان وروح الجنان، أبو الفتوح الرازي، ج8، ص204.

(10) البحار، ج8، ص332، والميزان، ج8، ص129.

(11) البدور السافرة في أحوال الآخرة، جلال الدين السيوطي، ص399، روح المعاني، الألوسي، ج8، ص128، جامع أحكام القرآن، القرطبي، ج7، ص212، البعث والنشور، البيهقي، ص109.

(12) الفتوحات المكية، ابن عربي، ج4، ص475.

(13) شواهد الربوبية، صدر الدين الشيرازي، ج1، ص384.

(14) الاعتقادات، الصدوق، ص70، الأسفار الأربعة، صدر الدين الشيرازي، ج9، ص318.

(15) الأسفار الأربعة، الشيرازي، ج9، ص318.

(16) أصول الكافي، ج1، ص184.