تَصَوُّرُ أزَلِيَّةِ الخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

إِنَّ مَسْأَلَةً تَصَوُّرِ أَنَّ اللهَ الأزَلِيَّ يَخْلُقُ عَالَمًا لِزَمَنٍ مَحْدُودٍ يَعِيشُ فِيهِ عَدَدٌ مَحْدُودٌ مِنْ البَشَرِ ثُمَّ يَمُوتُونَ وَيُبْعَثُونَ لِلْجَنَّةِ أَوْ لِلجَحِيمِ لَا يَتَلَائَمُ مَعَ أزَلِيَّةِ الخَالِقِ، فَهَلْ يُمْكِنُ القَوْلُ بأزَلِيَّةِ العَالَمِ وَأزَلِيَّةِ الخَالِقِ؟

: اللجنة العلمية

      إِنَّ الأزَلِيَّةَ وَصْفٌ، وَهِيَ تَعْنِي أَنَّ المَوْصُوفَ بِهَا لَمْ تُعْرَفْ بِدَايَةُ وُجُودِهِ، كَمَا أَنَّ الأَبَدِيَّ وَصْفٌ، ومَوْصُوفُهُ هُوَ الَّذِي لَا تُعْلَمُ نِهَايَتُهُ.

      وَبِحَسَبِ الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ الدَّالِ عَلَى أَنَّ الخَالِقَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَأْنُهُ هُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ الأزَلِيُّ فَقَطْ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِدَايَتُهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ وُجُودٍ، لِأَنَّ زَمَانَ مَعْرِفَةِ بِدَايَتِهِ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ الآنَ هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ مُمْكِنٌ لَا وَاجِبٌ.

      وَالأَبَدِيُّ هُوَ مُمْكِنُ الوُجُودِ الَّذِي عُرِفَتْ بِدَايَتُهُ لَكِنْ لَا تُعْرَفُ نِهَايَتُهُ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّشْأَةَ إِنْ انْتَهَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلإِنْسَانِ فَإِنَّ الأَدِلَّةَ دَلَّتْ عَلَى انْتِقَالِهِ إِلَى عَالَمٍ آخَرَ هَذَا العَالَمُ لَا تُعْلِّمُ لَهُ نِهَايَةٌ، فَقَصْرُ النَّظَرِ عَلَى هَذِهِ النَّشْأَةِ لَا مُوجِبَ لَهُ.

      وَكُلُّ مَا مَوْجُودٌ فِي هَذَا العَالَمِ هُوَ مُمْكِنُ الوُجُودِ وَهُوَ أَبَدِيٌّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا، لِأَنَّ بِدَايَتَهُ مَعْلُومَةٌ، والأزَلِيُّ لَا تُعْرَفُ بِدَايَتُهُ.

      وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلعَالَمِ مَحْدُودِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ.

      وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى بَقَاءِ الإِنْسَانِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ هَذِهِ النَّشْأَةِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِنْسَانٌ بِرُوحِهِ لَا بِبَدَنِهِ، وَأنَّ الرُّوحَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ المَادَّةِ فَهِيَ لَا تَتَّصِفُ بِالفَسَادِ - الإنْتِهَاء - لِأَنَّ الفَسَادَ مِنْ خَصَائِصِ المَادَّةِ وَالمَادِّيَّاتِ.

      وَالخُلَاصَةُ: أَنَّ مَحْدُودِيَّةَ العَالَمِ - بِنَاءً عَلَى تَمَامِيَّةِ هَذَا القَوْلِ - لَا تُنَافِي اتِّصَافَ الخَالِقِ بِالأزَلِيَّةِ، لِأَنَّ الحَيَاةَ لَا تَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ هَذِهِ النَّشْأَةِ، بَلْ إِنَّ هُنَاكَ نَشْأَةً أُخْرَى وَهِيَ عَالَمُ مَا بَعْدَ المَوْتِ.