مَا فَائِدَةُ عِلْمِ المَعْصُومِ مَعَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالعَمَلِ بِالظَّاهِرِ فَقَطْ؟!!

كُمَيْلٌ الأَنْصَارِيُّ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.      مَا هِيَ فَائِدَةُ عِلْمِ المَعْصُومِ مَعَ عَدَمِ الحُكْمِ بِهِ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالعَمَلِ بِالظَّاهِرِ فَقَطْ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ كُمَيْلٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     وَظَائِفُ المَعْصُومِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مُتَعَدِّدَةٌ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى بَيَانِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَى تَعَامُلِهِ الظَّاهِرِيِّ مَعَ النَّاسِ فَقَطْ، فَهُوَ فِي مَوْرِدِ بَيَانِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ وَيَتَعَامَلُ كَإِنْسَانٍ عُرْفِيٍّ وَبِحَسَبِ الظَّوَاهِرِ، وَلَكِنْ هُنَاكَ مَوَارِدُ تَتَعَلَّقُ بِإِثْبَاتِ إِمَامَتِهِ لِلآخَرِينَ مَثَلًا، فَهُنَا يَكُونُ لِعِلْمِهِ الخَاصِّ شَأْنُهُ فِي إِثْبَاتِ الإِمَامَةِ، كَمَا حَصَلَ فِي بَعْضِ المَوَارِدِ كَانَتِ الشِّيعَةُ لَا تَعْرِفُ مَنْ هُوَ الإِمَامُ المَعْصُومُ اللَّاحِقُ بَعْدَ مَوْتِ السَّابِقِ، بِسَبَبِ ظُرُوفِ التَّضْيِيقِ وَالتَّقِيَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي كَانَ يَعِيشُهَا الأَئِمَّةُ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، فَكَانَ لِعِلْمِ الإِمَامِ الخَاصِّ وَإِظْهَارِ هَذَا العِلْمِ لِبَعْضِهِمْ سَبَبٌ فِي هِدَايَتِهِمْ لإِمَامَتِهِ، وَسَنَنْقُلُ مَوْرِدًا وَاحِدًا فَقَطْ.

     رَوَى الشَّيْخُ الكُلَيْنيُّ فِي "الكَافِي" بِسَنَدِهِ عَنْ هُشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: كُنَّا بِالمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَا وَصَاحِبُ الطَّاقِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ [وَهُوَ عَبْدُ اللهِ الأَفْطَحُ الَّذِي ادَّعَى الإِمَامَةَ بَعْدَ أَبِيهِ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)] أَنَّهُ صَاحِبُ الأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَصَاحِبُ الطَّاقِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الأَمْرَ فِي الكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ عَمَّا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهُ أَبَاهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ؟ فَقَالَ: فِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ، فَقُلْنَا: فَفِي مِائَةٍ؟ فَقَالَ: دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. فَقُلْنَا: وَاللهِ مَا تَقُولُ المُرْجِئَةُ هَذَا. قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ المُرْجِئَةُ. قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلّالًا لَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ الأَحْوَلُ، فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ المَدِينَةِ بَاكِينَ حَيَارَى لَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ وَلَا مَنْ نَقْصِدُ؟ وَنَقُولُ: إِلَى المُرْجِئَةِ؟ إِلَى القَدَرِيَّةِ؟ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ؟ إِلَى المُعْتَزِلَةِ؟ إِلَى الخَوَارِجِ؟ فَنَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلًا شَيْخًا لَا أَعْرِفُهُ، يُوْمِي إِلَيَّ بِيَدِهِ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُورِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ يَنْظُرُونَ إِلَى مَنِ اتَّفَقَتْ شِيعَةُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَيْهِ، فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ فَقُلْتُ للأَحْوَلِ: تَنَحَّ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُنِي لَا يُرِيدُكَ، فَتَنَحَّ عَنِّي لَا تَهْلَكُ وَتُعِينُ عَلَى نَفْسِكِ، فَتَنَحَّى غَيْرَ بَعِيدٍ وَتَبِعْتُ الشَّيْخَ وَذَلِكَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى المَوْتِ حَتَّى وَرَدَ بِي عَلَى بَابِ أَبِي الحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ خَلَّانِي وَمَضَى، فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ فَقَالَ لِي: ادْخُلْ رَحِمَكَ اللهُ. فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَبُو الحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ لِي ابْتِدَاءً مِنْهُ: لَا إِلَى المُرْجِئَةِ، وَلَا إِلَى القَدَرِيَّةِ، وَلَا إِلَى الزَّيْدِيَّةِ، وَلَا إِلَى المُعْتَزِلَةِ، وَلَا إِلَى الخَوَارِجِ، إِلَيَّ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَضَى أَبُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: مَضَى مَوْتًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ، قَالَ: يُرِيدُ عَبْدُ اللهِ أَنْ لَا يُعْبَدَ اللهُ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: لَا، مَا أَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ المَسْأَلَةِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ عَلَيْكَ إِمَامٌ؟ قَالَ: لَا. فَدَاخَلَنِي شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ إِلَّا اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِعْظَامًا لَهُ وَهَيْبَةً أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحُلُّ بِي مِنْ أَبِيهِ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَسْأَلُكَ عَمَّا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ؟ فَقَالَ: سَلْ تُخْبَرْ وَلَا تُذِعْ، فَإِنْ أَذَعْتَ فَهُوَ الذَّبْحُ، فَسَأَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لَا يَنْزِفُ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ شِيعَتُكَ وَشِيعَةُ أَبِيكَ ضُلّالٌ فَأَلْقي إِلَيْهِمْ وَأَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ وَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ الكِتْمَانَ؟ قَالَ: مَنْ آنَسْتَ مِنْهُ رُشْدًا فَأَلْقِ إِلَيْهِ وَخُذْ عَلَيْهِ الكِتْمَانَ، فَإِنْ أَذَاعُوا فَهُوَ الذَّبْحُ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ - قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَحْوَلَ فَقَالَ لِي: مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ: الهُدَى، فَحَدَّثْتُهُ بِالقِصَّةِ قَالَ: ثُمَّ لَقِينَا الفُضَيْلَ وَأَبَا بَصِيرٍ فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَسَمِعَا كَلَامَهُ وَسَاءَلَاهُ وَقَطَعَا عَلَيْهِ بالإِمَامَةِ، ثُمَّ لَقِينَا النَّاسَ أَفْوَاجًا فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ إِلَّا طَائِفَةَ عَمَّارٍ وَأَصْحَابِهِ، وَبَقِيَ عَبْدُ اللهِ لَا يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: مَا حَالُ النَّاسِ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّ هُشَامًا صَدَّ عَنْكَ النَّاسَ، قَالَ هُشَامٌ: فَأَقْعَدَ لِي بِالمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ لِيَضْرِبُونِي. انْتَهَى [الكَافِي 1: 351]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.