دَعْوَى وُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي (نَهْجِ البَلَاغَةِ) حَوْلَ مَدْحِ وَذَمِّ بَعْضِ الأَشْخَاصِ.

سَعِيدٌ اللَّامِيُّ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. تُوجَدُ رِوَايَاتٌ مُتَنَاقِضَةٌ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ، فَمِنْ جِهَةٍ يَقُولُ الإِمَامُ عَلِيٌّ (عَ) فِي حَقِّ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ: (زَرَعُوا الفُجُورَ وَسَقَوْهُ بِالغُرُورِ وَحَصَدُوا الثُّبُورَ) وَيَقُولُ أَيْضًا فِي الخُطْبَةِ الشَّقْشَقِيَّةِ: (صَبَرْتُ عَلَى طُولِ المِحْنَةِ وَشِدَّةِ البَلَاءِ..... إلَخ) ثُمَّ نَجِدُهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنَ النَّهْجِ يَقُولُ (عَ) لِعُثْمَانَ: (أَنْتَ أَوْلَى مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي عَمَلِ الحَقِّ وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا........) وَيَقُولُ: (للهِ دَرُّ عُمَرَ قَوَّمَ الأَودَ دَاوَى العَمْدَ....... إِلَخ) لِمَاذَا هَذَا التَّنَاقُضُ؟ وَهَلْ تُوجَدُ رِوَايَاتٌ مُخْتَلَقَةٌ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ؟ وَكَيْفَ تَمَّ وَضْعُهَا؟ وَشُكْرًا.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ سَعِيدٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     لَا تَنَاقُضَ فِيمَا وَرَدَ مِنْ كَلِمَاتِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فِي "نَهْجِ البَلَاغَةِ" بِحَقِّ بَعْضِ النَّاسِ وَالأَشْخَاصِ، وَإِلَيْكَ البَيَانُ:

     أَمَّا كَلَامُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ)، فَهُوَ كَلَامٌ عَامٌّ لِكُلِّ مُنَاوِئِي أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَمُغْتَصِبي حُقُوقِهِمْ، لِأَنَّ مُغْتَصِبَ حُقُوقِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا وَمُؤْمِنًا أَبَدًا، وَإِنَّمَا هُوَ اغْتَصَبَ هَذِهِ الحُقُوقَ لِأَجْلِ دُنْيَا يُرِيدُهَا لَا أَكْثَرَ، وَهُوَ مَا شَهِدَ بِهِ الإِمَامُ الغَزَّالِيُّ، أَحَدُ كِبَارِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، حِينَ قَالَ فِي كِتَابِهِ "سِرِّ العَالَمِينَ": (لَكِنْ أَسْفَرَتِ الحُجَّةُ وَجْهَهَا، وَأَجْمَعَ الجَمَاهِيرُ عَلَى مَتْنِ الحَدِيثِ، مِنْ خُطْبَتِهِ فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ، بِاتِّفَاقِ الجَمِيعِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ يَا أَبَا الحَسَنِ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. فَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضًى وَتَحْكِيمٌ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَبَ الهَوَى لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَحَمْلِ عَمُودِ الخِلَافَةِ، وَعُقُودِ البُنُودِ، وَخَفَقَانِ الهَوَى فِي قَعْقَعَةِ الرَّايَاتِ، وَاشْتِبَاكِ ازْدِحَامِ الخُيُولِ، وَفَتْحِ الأَمْصَارِ; سَقَاهُمْ كَأْسُ الهَوَى، فَعَادُوا إِلَى الخِلَافِ الأَوَّلِ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا). انْتَهَى [مَجْمُوعَةُ رَسَائِلِ الإِمَامِ الغَزَّالِيِّ، كِتَابِ سِرِّ العَالِمِينَ: 483].

     وَأَمَّا كَلَامُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الآخَرُ لِعُثْمَانَ، فَهُوَ قَالَهُ لَهُ عِنْدَمَا اشْتَكَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَطَلَبُوا مِنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ يَنْظُرَ عُثْمَانُ فِي مَظَالِمِهِمْ، وَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِطَرِيقَةٍ قِيَاسِيَّةٍ، أَيْ بِالمُقَايَسَةِ لِمَنْ تَقَدَّمَ عُثْمَانَ بِالخِلَافَةِ، حَتَّى يُشَجِّعَهُ عَلَى الإِصْلَاحِ، وَهَذَا نَصُّ مَا وَرَدَ فِي "نَهْجِ البَلَاغَةِ":     

     (وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَشَكَوْا مَا نَقَمُوهُ عَلَى عُثْمَانَ وَسَأَلُوهُ مُخَاطَبَتَهُ عَنْهُمْ وَاسْتِعْتَابَهُ لَهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدْ اسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ ، مَا أَعْرِفُ شَيْئًا تَجْهَلُهُ، وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ، مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ، وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنُبَلِّغُكَهُ. 

     وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَمَا صَحِبْنَا، وَمَا ابْنُ أَبِي قَحَافَةَ وَلَا ابْنُ الخَطَّابِ أَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا، فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ وَاللهِ مَا تُبْصِرُ مِنْ عَمًى، وَلَا تَعْلَمُ مِنْ جَهْلٍ، وَإِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ، وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لِقَائِمَةٌ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً.

     وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ البِدَعَ لِظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضَلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: "يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالإِمَامِ الجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا".

     وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ أَنْ لَا تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الأُمَّةِ المَقْتُولَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا القَتْلَ وَالقِتَالَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيُلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا، وَيَبُثُّ الفِتَنَ عَلَيْهَا، فَلَا يُبْصِرُونَ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجًا، وَيَمْرَجُونَ فِيهَا مَرْجًا، فَلَا تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سِيقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ وَتَقَضِّي العُمُرِ). انْتَهَى.

     فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي كَلَامِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هِيَ طَرِيقَةٌ تَرْغِيبِيَّةٌ لِلحَثِّ عَلَى الإِصْلَاحِ لَا أَكْثَرَ، فَهُوَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَرَادَ الإِحْتِجَاجَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، بِمَعْنَى إِذَا كُنْتَ تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا عَلَى حَقٍّ فِي تَصَرُّفَاتِهِمَا، فَأَنْتَ أَوْلَى بِالحَقِّ مِنْهُمَا لِقَرَابَتِكَ رَحِمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) مِنْهُمَا; لِأَنَّ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي أُمِيَّةَ وَيَلْتَقِي مَعَ النَّبِيِّ (ص) بِالجَدِّ الرَّابِعِ، فَعَبْدُ شَمْسٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ جَدِّ النَّبِيِّ (ص)، وَلِمُصَاهَرَتِكَ، أَيْ لِمَحَلِّ تَزَوُّجِكَ مِنْ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ (ص) رُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلْثُومَ [هَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُمَا بَنَاتُ رَسُولِ اللهِ وَلَيْسَ بَنَاتِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ أُخْتِ خَدِيجَةَ كَمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ البَعْضُ، فَتُحْمَلُ المُصَاهَرَةُ هُنَا عَلَى المَعْنَى العُرْفِيِّ لَا الحَقِيقِيِّ]. وَلَا يُوجَدُ فِي كَلِمَاتِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَيُّ إِقْرَارٍ لِعُثْمَانَ بِأَنَّهُ عَلَى حَقٍّ فِي خِلَافَتِهِ، أَوْ أَنَّ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا عَلَيْهِ كَانُوا عَلَى حَقٍّ فِي اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الخِلَافَةِ.

     وَلَوْ تَمَعَّنْتَ النَّظَرَ فِي كَلِمَاتِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ اسْتِشْهَادِهِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): (يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالإِمَامِ الجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا)، ثُمَّ مُنَاشَدَتُهُ لَهُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الإِمَامَ المَقْتُولَ، مَعَ تَنْبِئَتِهِ بِوُجُودِ إِمَامٍ يُقْتَلُ وَيَفْتَحُ عَلَى الأُمَّةِ القَتْلَ وَالقِتَالَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بَعْدَ عُثْمَانَ بِالضَّبْطِ، حَيْثُ تَوَالَتِ الحُرُوبُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ بِسَبَبِهِ فِي الجَمَلِ وَصِفِّينَ ثُمَّ النَّهْرَوَانِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ نَتَائِجِ حَرْبِ صِفِّينَ، لَعَرَفْتَ تَعْرِيضَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الوَاضِحَ بِهِ، رُغْمَ أَنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَ يَحُثُّهُ عَلَى الصَّلَاحِ مَا اسْتَطَاعَ!!

     وَأَمَّا الكَلَامُ الآخَرُ المُدَّعَى أَنَّهُ جَاءَ فِي مَدْحِ عُمَرَ، فَالوَارِدُ فِي النَّهْجِ هُوَ هَذَا النَّصُّ: (للهِ بَلَاءُ فُلَانٍ فَقَدْ قَوَّمَ الأَودَ وَدَاوَى العَمْدَ)، وَدَعْوَى أَنَّ المَقْصُودَ بِ (فُلَانٍ) أَنَّهُ عُمَرُ، فَهَذَا مِنْ تَفْسِيرَاتِ الشُّرَّاحِ وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِ كَلَامِ الإِمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَكَلَامُ الشُّرَّاحِ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ الحُجَّةَ هُوَ لِلأَلْفَاظِ الوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ وَظَوَاهِرِهَا، وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا القَبِيلِ، لَا فِي اللَّفْظِ وَلَا فِي الظَّاهِرِ، بَلْ الوَارِدُ خِلَافُهُ فِي "نَهْجِ البَلَاغَةِ"، مِنْهَا مَا ذَكَرْتَهُ فِي سُؤَالِكَ عَنْ الخُطْبَةِ الشَّقْشَقِيَّةِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا بِصَرِيحِ العِبَارَةِ: (فَيَا عَجَبًا!! بَيْنَمَا هُوَ يَسْتَقِي لَهَا فِي حَيَاتِهِ - يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ - إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا! فَسَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلَامُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ فِيهَا، وَالإِعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ - لَعَمْرِ اللهِ - بِخَبْطٍ وَشَماسٍ وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ...). انْتَهَى. 

     فَهَلْ تَرَاهُ يَسْتَقِيمُ هَذَا النَّصُّ مِنْ كَلَامِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي ذَمِّ مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ مِنْ ضَيَاعِ النَّاسِ فِيهَا مَعَ النَّصِّ السَّابِقِ القَائِلِ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ "قَوَّمَ الأَودَ"، أَيْ الإِعْوِجَاجَ؟!!

     مَعَ مُلَاحَظَةِ بِأَنَّ النَّصَّ الَّذِي أَمَامَنَا هُنَا يُعَدُّ بَيِّنَةً وَاضِحَةً فِي بَيَانِ الشَّخْصِ المَقْصُودِ، بَيْنَمَا المُدَّعَى هُنَاكَ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ وَادِّعَاءٍ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ كَلَامِ الإِمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَفِي مَقَامِ التَّعَارُضِ تُقَدَّمُ البَيِّنَةُ عَلَى الإِدِّعَاءِ; كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

     وَمَا يُرْشِدُكَ أَيْضًا بِأَنَّ المَقْصُودَ مِنْ كَلَامِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (للهِ بَلَاءُ فُلَانٍ..) لَيْسَ المُرَادُ بِهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، هُوَ مَا بَدَرَ مِنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ رَفْضِ العَمَلِ بِسِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ "أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" كَمَا هُوَ المَعْرُوفُ فِي قَضِيَّةِ الشُّورَى الَّتِي وَضَعَهَا عُمَرُ قَبْلَ وَفَاتِهِ.

     فَلَوْ كَانَ عُمَرُ قَدْ "قَوَّمَ الأَودَ، وَدَاوَى العَمْدَ، وَأَقَامَ السُّنَّةَ"، كَمَا هُوَ المُدَّعَى، فَلِمَ رَفَضَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) العَمَلَ بِسِيرَتِهِ، وَرَفَضَ الشَّرْطَ المَذْكُورَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَخَرَجَ مِنَ الشُّورَى لَمْ يُبَايِعْ لَهُ بِسَبَبِ رَفْضِهِ لِهَذَا الشَّرْطِ؟!

     فَتَبْقَى هَذِهِ العِبَارَةُ مِنْ كَلَامِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مُجْمَلَةً لَا نَعْرِفُ مَنْ هُوَ المَقْصُودُ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهَا بَعْضَ عُمَّالِهِ وَوُلَاتِهِ، وَاللهُ العَالِمُ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.