مَا الْمُرَادُ مِنَ النُّزُولِ الْمَنْسُوبِ لِلهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِنَا. 

عَدْنَانُ مَشْكُورٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. نُرِيدُ جَوَاباً عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَلَكُمْ جَزِيلُ الشُّكْرِ وَالتَّقْدِيرِ..     كِتَابُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ: عَنْ جَابِرِ الْجَعْفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي مِنَ اللَّيْلِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُنَادِي: هَلْ مِنْ تَائِبٍ يَتُوبُ فَأتُوبَ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يَسْتَغْفِرُ فَأغْفِرَ لَهُ؟     وَهَلْ مِنْ دَاعٍ يَدْعُونِي فَأفُكَّ عَنْهُ؟ وَهَلْ مِنْ مَقْتُورٍ يَدْعُونِي فَأبْسِطَ لَهُ؟ وَهَلْ مِنْ مَظْلُومٍ يَنْصُرُنِي فَأنْصُرَهُ؟ بِحَارُ الْأنْوَارِ - الْعَلَّامَةُ الْمَجْلِسِّيُّ - ج ٨٤ - الصَّفْحَةُ ١٦٨.

: اللجنة العلمية

    الْجَوَابُ: 

    الْأخُ عَدْنَانُ الْمُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

    لَا بُدَّ أنْ تَعْرِفَ أخِي الْكَرِيمَ بِأنَّ عَقِيدَتَنَا نَحْنُ الشَّيعَةُ الْإمَامِيَّةُ أنَّ كُلَّ لَفْظٍ يُؤَدِي إلَى التَّجْسِيمِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَعْمَلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ التَّأْوِيلَ الْمُنَاسِبَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْألْفَاظُ الْوَارِدَةُ فِي الرِّوَايَاتِ إذَا كَانَ ظَاهِرُهَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّجْسِيمُ فَنَعْمَلُ عَلَى تَأْوِيلِهَا بِمَا يُنَاسِبُ اسْتِعْمَالَاتِ الْعَرَبِ لِلْمُفْرَدَةٍ فِي الْمَجَازِ وَلَا نَحْمِلُهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ أبَداً، وَالرِّوَايَةُ الَتِي تَأبَى الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ نَضْرِبُهَا عَرْضَ الْجِدَارِ وَلَا نَأْبَهُ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً، هَذِهِ هِيَ عَقِيدَتُنَا فِي الْمَوْضُوعِ، وَإلَيْكَ الْبَيَانُ مِنَ الشَّيْخِ الصَّدُوقِ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فِي كِتَابِهِ (الْإعْتِقَادَاتُ فِي دِينِ الْإمَامَيَّةِ)، قَالَ: 

    "اعْلَمْ أنَّ اعْتِقَادَنَا فِي التَّوْحِيدِ أنَّ اللهَ تَعَالَى وَاحِدٌ أحَدٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، عَلِيمٌ حَكِيمٌ، حَيٌّ قَيُّومٌ، عَزِيزٌ قُدُّوسٌ، قَادِرٌ غَنِيٌّ.

    لَا يُوصَفُ بِجَوْهَرٍ، وَلَا جِسْمٍ، وَلَا صُورَةٍ، وَلَا عَرَضٍ، وَلَا خَطٍّ، وَلَا سَطْحٍ، وَلَا ثِقْلٍ، وَلَا خِفَّةٍ، وَلَا سُكُونٍ، وَلَا حَرَكَةٍ، وَلَا مَكَانٍ، وَلَا زَمَانٍ.

    وَأنَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ خَلْقِهِ، خَارِجٌ مِنَ الْحَدَّيْنِ: حَدُّ الْإبْطَالِ، وَحَدُّ التَّشْبِيهِ.

    وَأنَّهُ تَعَالَى شَيْءٌ لَا كَالْأشْيَاءِ، أحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ فَيُورَثُ، وَلَمْ يُولَدْ فَيُشَارَكُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ، وَلَا نِدَّ، وَلَا ضِدَّ، وَلَا شِبْهَ، وَلَا صِاحِبَةَ، وَلَا مِثْلَ، وَلَا نَظِيرَ، وَلَا شَرِيكَ، لَا تُدْرِكُهُ الْأبْصَارُ وَالْأوْهَامُ وَهُوَ يُدْرِكُهَا، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأمْرُ، تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

    وَمَنْ قَالَ بِالتَّشْبِيهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَمَنْ نَسَبَ إلَى الْإمَامِيَّةِ غَيْرَ مَا وُصِفَ فِي التَّوْحِيدِ فَهُوَ كَاذِبٌ.

    وَكُلُّ خَبَرٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْتُ فِي التَّوْحِيدِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ مُخْتَرَعٌ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإنْ وُجِدَ فِي كِتَابِ عُلَمَائِنَا فَهُوَ مُدَلَّسٌ. وَالْأخْبَارُ الَّتِي يَتَوَهَّمُهَا الْجُهَّالُ تَشْبِيهاً لِلهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ فَمَعَانِيهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِهَا.

    لِأنَّ فِي الْقُرْآنِ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ﴾ وَمَعْنَى الْوَجْهِ: الدِّينُ، وَالدِّينُ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى اللهُ مِنْهُ وَيُتَوَجَّهُ بِهِ إلَيْهِ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَونَ إلَى السُّجُودِ) وَالسَّاقُ: وَجْهُ الْأمْرِ وَشِدَّتُهُ.

    وَفِي الْقُرآنِ: (أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وَالْجَنْبُ: الطَّاعَةُ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ وَالرُّوحُ هِيَ رُوحٌ مَخْلُوقَةٌ جَعَلَ اللهُ مِنْهَا فِي آدَمَ وَعِيسَى (عليها السَّلَامُ) وَإنَّمَا قَالَ: رُوحِي. كَمَا قَالَ: بَيْتِي وَعَبْدِي وَجَنَّتِي وَنَارِي وَسَمَائِي وَأرْضِي.

    وَفِي الْقُرْآنِ ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ يَعْنِي: نِعْمَةَ الدُّنْيِا وَنِعْمَةَ الْآخِرَةِ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأيْدٍ﴾ وَالْأيْدُ: الْقُوَّةُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأيْدِ﴾ يَعْنِي: ذَا الْقُوَّةِ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا إبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ يَعْنِي: بِقُدْرَتِي وَقُوَّتِي.

    وَفِي الْقُرْآنِ: (وَالْأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي: مُلْكَهُ لَا يَمْلِكُهَا مَعَهُ أحَدٌ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: (وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) يَعْنِي: بِقُدْرَتِهِ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ يَعْنِي: وَجَاءَ أمْرُ رَبِّكَ. وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿كَلَا إنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ يَعْنِي: عَنْ ثَوَابِ رَبِّهِمْ.

    وَفِي الْقُرْآنِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ أيْ عَذَابُ اللهِ". انْتَهَى. 

    وَعَلَيْهِ، وَحَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ لُزُومِ التَّأْوِيلِ لِلْأَلْفَاظِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى التَّجْسِيمِ، وَالنُّزُولُ فِي الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي السُّؤَالِ يُفِيدُ التَّجْسِيمَ، لِأنَّ النُّزُولَ يُفِيدُ النَّقْلَ وَالْإنْتِقَالَ، وَالنَّقْلُ وَالْإنْتِقَالُ مِنْ صِفَاتِ الْأجْسَامِ، فَيَلْزَمُ تَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ بِمَا يُنَاسِبُهَا، وَمَا يُنَاسِبُهَا هُوَ إمَّا نُزُولُ مَلَكٍ أوْ نُزُولُ رَحْمَةِ اللهِ، وَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ كِلَا الْأمْرَيْنِ مَجَازاً بِأنَّهُ نُزُولُ اللهِ لِغَرَضِ تَعْظِيمِ الْمَوْرِدِ.

    وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.