مَعرِفةُ النَّاسِ بِنُزولِ المطَرِ هل تُنافِي حَصرَ العِلمِ بِنُزولِها باللهِ (عزَّ وجلَّ) فقط؟!!

كاروان كركوكى/:‏ سَلامٌ علَيكم، سُؤالِي عن الغَيثِ: أعْتقِدُ منَ الرِّواياتِ أو الأحَادِيثِ أنَّه لا يَعلَمُ الغَيثَ إلا اللهُ، ولكنَّ العِلمَ يَقُول لنا متى يَنزِلُ الغَيثُ ومتى يَكُون الجوُّ صَحواً أو غَائِماً أو مَاطِراً أو الثَّلج، أرجُوا الجَوابَ على هذا الإشْكالِ؟ وشُكراً.

: اللجنة العلمية

   الأخُ كاروان .. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبركَاتُه. 

   لَقد وَردَ قَولُه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان: 24.. وهو يُستَفادُ منه أنَّ هذِه الأمُورَ الخَمسةَ "عِلمُ السَّاعةِ، نُزولُ الغَيثِ، ما في الأرْحامِ، الرِّزقُ، الأرضُ التي يَموتُ فيها الإنْسانُ.. هذِه الأمُورُ لا يَعلَمُ أمْرَها إلا اللهُ (عزَّ وجلَّ)، ولكنْ قد يُقالُ إنَّ العِلمَ الحَدِيثَ أثْبتَ لنا مَعرِفةَ متى تَنزِلُ الأمْطارُ، بل ويُحدِّدُ أماكِنَ هُطُولِها في مَكانٍ دونَ آخرَ، وكذلِك اسْتطَاعَ العِلمُ تَشخِيصَ ما في الأرْحامِ مِن ذَكرٍ أو أنثَى، وأيضاً الرِّزقَ يُمكِنُ للإنْسانِ أنْ يَتصوَّرَه مِن خِلَالِ مُعامَلاتٍ مَحسُومةِ الإجراءِ مُستَقبلاً .. وعليْه فهذِه الأمُورُ لا يَنحصِرُ عِلمُها باللهِ (عزَّ وجلَّ)، فكيفَ نُوفِّقُ بينَ الآيةِ الكَرِيمةِ وهذِه الحَقائِقِ منَ الوَاقعِ؟!!

  الجَوابُ: هُناك فرقٌ بينَ العِلمِ المطْلَقِ بالغَيبِ والعِلمِ النِّسبِيِّ، فالعِلمُ النِّسبِيُّ بالغَيبِ هو مُتاحٌ لِجَميعِ النَّاسِ، أنبِياءَ وغَيرِهم، فقد يُطلِعُ اللهُ سُبحانه على غَيبِه بَعضَ أنبِيائِه، كما هو المسْتفَادُ مِن قَولِه تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) آل عمران: 44، وقد يُطلِعُ غَيرَ الأنبِياءِ على الغَيبِ، كما هو المسْتفَادُ مِن قِصَّةِ مُوسى والخِضرِ(عليهما السلام) وإخبارُ الخِضرِ لِمُوسى عن أمُورٍ غَيبِيةٍ، ومنَ العِلمِ النِّسبِيِّ بالغَيبِ أيضاً ما يَكُون مُتاحاً لبَعضِ النَّاسِ مِن خِلَالِ بَعضِ الأجهِزةِ العِلميَّةِ في الطِّبِّ والأنواءِ الجَويَّةِ التي أخَذتْ تُخبِرُنا عن نَوعِ الجَنينِ هل هو ذَكرٌ أو أنثَى، أو تُخبِرُنا عن مَوعدِ نُزولِ الأمْطارِ وأماكِنِها، ولكنَّ هذا العِلمَ يَبقى مَحدُوداً جدّاً لا يَتجَاوزُ بَعضَ المعْلُوماتِ المتَعلِّقةِ بالأشْياءِ، ففي مَعرِفةِ الجَنينِ مثلاً لا يُحِيطُ الطِّبُّ الحَدِيثُ وأجْهِزتُه بكلِّ دَقائقِ الجَنينِ صَغِيرِها وكَبِيرِها، وهل هذا الجَنينُ يَكُون سَعِيداً أو شَقيّاً في حَياتِه وهكذا بَقيَّةُ الأمُورِ..بينَما اللهُ سُبحانه وتعالى يَعلَمُ بكلِّ ذلك بعِلمِه المطْلَقِ بالغَيبِ.

  وكذلِك إنزالُ الغَيثِ، هل تَستطِيعُ هذِه الأجْهِزةُ التي تَتنبَّأُ بهُطولِ الأمْطارِ أنْ تُخبِرَنا بأنَّ هذا السَّحابَ المتَراكِمَ فَوقنا سَيُنزِلُ مطراً يَكُون خَيراً وبرَكةً عليْنا يَسقِي أراضِينا ويُمِدُّنا بالماءِ، وهو المسَمَّى بالغَيثِ في اللُّغةِ، أم يَكُون وَبالاً مُدمِّراً يَجرُفُ البُيوتَ ويَقتلِعُ الأشْجارَ؟!!

 كلُّ هذا لا يَعلَمُه النَّاسُ بِشِكلٍ مُطلَقٍ، وإنْ أخْبرُوا به فهو على سَبيلِ التَّنبُّؤِ القَابلِ للخَطأِ، ويَبقى عِلمُ النَّاسِ مَحدُوداً من هذِه النَّاحِيةِ. 

   ودُمتُم سَالِمينَ.