ما هي أسباب ودوافع الهجمة على الإسلام؟

: الشيخ ليث العتابي

  لم يحظَ دينٌ قط بكثرة وشراسة أعداءه مِثل ما حظيَ بهِ الدينُ الإسلامي، ولم يحظَ شخصٌ بكثرة المعادين والمحاربين بمثل ما حظي به شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ولم تحظَ عائلة وأهل بيت بتقتيل وتشريد ومحاربة على طول الزمان بمثل ما مُني به أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وعترته الطيبة الطاهرة في كل زمانٍ ومكان.

ونحن الآن نشهد هجمة معاصرة ضد نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله)، وضد الإسلام والمسلمين في جميع أصقاع العالم، فصار أسم الإسلام مقروناً بالإرهاب، والإسلام دين القتل والسلب والنهب، ونبي الإسلام هو ذلك الرجل الذي لا يهتم إلا بالحروب و المغانم و النساء، حاشا لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يتهم بمثل ذلك وهو القائل (صلى الله عليه وآله): ((أدبني ربي فأحسن تأديبي))(1)، مما يدل على أن أخلاقه (صلى الله عليه وآله) هي أخلاق إلهية ربانية قوله تعالى: (( مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى))(2).

وقوله تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))(3).

فكانت هجمةً شرسةً ضد الإسلام و نبيه (صلى الله عليه وآله) من طعنٍ وتشويهٍ للإسلام ولكتاب الله العزيز، ظهر جلياً واضحاً بما صدر من كتب حاقدة وكتابات مغرضة تمخض عنها تيار منحرف تمثل بكتاب (الآيات الشيطانية) لسليمان رشدي وما شاكلها من كتابات التيار المنحرف المنسلخ عن الإسلام، أو المتلبس بعقد نفسية معينة، إضافة إلى ظهور رسومات كاريكاتيرية مسيئة للنبي (صلى الله عليه وآله) في الدنمارك وغيرها من الدول الأوربية التي ترفع شعار (الحرية) زوراً و بهتاناً، وحرق القرآن الكريم في أمريكا(4)، المنادية بالحرية وحقوق الإنسان، أو جعله هدف للرمي من قبل مرتزقة الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان. كل ذلك يجعلنا نقف ونقول إن كل هذا لم يكن مصادفةً ولا اعتباطاً، بل ما هي إلا هجمة منظمة ومعدة مسبقاً هدفها القضاء على الإسلام نهائياً. ذلك لأن الإسلام بات مصدر قلق كبير للدول الكبرى والدوائر الأستكبارية، إذ لا أحد يمكنه أن يقف بوجه طموحاتهم الاستعمارية ومخططاتهم الأستكبارية غير الإسلام (الإسلام الحقيقي والأصيل)، إسلام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام). 

وبالعودة إلى الصراع الذي خاضه الدين الإسلامي حين نشؤه نقول: كانت الهجمة الشرسة والتي ابتدأت من أول يوم أعلن فيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) نبوته المباركة ودينه الإسلامي القويم، فكان الصراع داخلياً وعن طريق المؤامرات الخفية ومحاولات الغدر والاغتيال، والتشويه والأذية والصد والتعذيب والمحاصرة. وما أن مَنَ الله سبحانه وتعالى على نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعلى المسلمين بدولة إسلامية بقيادة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) مقرها المدينة المنورة. حتى دخل إلى الصراع عنصر جديد محارب للإسلام إلا وهم (اليهود)، فهم بخبثهم ودهائهم، وشهرتهم بقتل الأنبياء وأبناء الأنبياء، كانوا السباقين في محاربة الإسلام والمسلمين، وذلك من خلال عقد التحالفات مع كل أعداء الإسلام لمحاربة الإسلام وإثارة النعرات، وجمع التحشدات، وتجييش الجيوش، فكانوا أخطر وأخبث عنصر حارب الإسلام، حتى كان من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن طردهم من أماكنهم وابعدهم عن مقر الدولة الإسلامية لإثارتهم الفتن والقلاقل، ولعدم اعترافهم بالإسلام كدين سماوي رغم تصريح كتبهم بذلك. 

وبعد وفاة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) كان لبروز ظاهرة (النفاق) الأثر الكبير على مسيرة الإسلام، والمتمثلة بالعِداء الداخلي والمؤامرات الداخلية، وخيانة مبادئ الإسلام من قِبل مُدعي الإسلام ومعتنقيه خوفاً وطمعاً، تمثل بإحداث السقيفة وقضية اغتصاب الخلافة، إلى تسلط معاوية وبني أميةـ وهم أعداء الإسلام صراحةـ على الأمة ليرجعوها إلى الجاهلية الجهلاء مرةً أخرى، ويحاربوا الدين الإسلامي صراحةً، ويخربوا منظومته المتكاملة عن طريق محاربة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وتقتيلهم وتشريدهم، وإتباع طريق الوضع والتحريف واختراع الأحاديث والقصص التي لا أساس لها من الصحة بهدف تشويه الإسلام و شخص النبي(صلى الله عليه وآله)، ورفع قدر بني أمية وبالخصوص معاوية بن أبي سفيان وإضفاء القدسية على شخصهِ. فكثُر الوضع، وكثُرت الأحاديث الموضوعة، وفُسِرت آيات القرآن بِحسب المصلحة وما يوافق الاتجاه السياسي والاقتصادي. فحصل إِثر هذا التراكم أن تكونت منظومة حديثية ـ كتب أحاديث ـ أغلبها موضوع، ومنظومة في التفسير قائمة على الإسرائيليات التي لا أساس لها من الصحة. والتي أعطت المبرر لأعداء الإسلام أن يطعنوا به ودليلهم على ذلك (كتب الأحاديث) و(كتب التفسير)، إذ هي التي تمثل تراث الإسلام. مما شكل خللاً واضحاً في التراث الإسلامي بسبب الاعتماد على كتب أحاديث معينة اعتمدت على مقولات السلاطين، وأحاديث الواضعين حقداً وطمعاً، ودسائس أهل الكتاب من إسرائيليات وخرافات وخزعبلات لا يتقبلها العقل السليم، والفطرة الإنسانية السليمة. كل هذا حفز أعداء الإسلام، وكذلك الدارسين له بأن يجدوا نقاط ضعف، وتهافتات يمكن من خلالها توجيه النقد للإسلام بكل رموزه ومنظومته. فكان السِباق الحثيث والمحموم لمدارس الأستشراق على دراسة التراث الإسلامي من أجل التعرف عليه وتشخيص مواطن القوة والضعف فيه، وبالتالي توجيه النقد إليه، بل وصل بالبعض منهم إلى انتقاده والطعن فيه ومحاربته علناً، بل اختراع النقائص وإلصاقها به، وابتداع المفتريات ورميهُ بها.

لقد خلقت الكنيسة من شخص النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عدواً لها، وضعت له الصفات الغير جيدة، وجعلت منه (المارد) الذي تخوف به رعيتها، وتمنعهم من الاقتراب منه ـ ولو على سبيل معرفته ـ تحت شعار الخوف عليهم من هذا المارد، وهي بالحقيقة لا تخاف إلا على مصالحها وهيبتها وكيانها، ومن أن يتعرف رعيتها على الحقيقة وبالتالي يتثقفون بثقافة تتضارب مع مصالح الكنيسة.

فأصبح مصطلح (الأستشراق) يدل على الحرب الموجهة للإسلام، وأصبح الأستشراق أداة الاستعمار وأفضل دليل ومُعين له في حربهِ على البلاد العربية والإسلامية حتى يومنا هذا، ولقد تحولت بعض مدارس الأستشراق إلى مراكز استخباراتية، ومنظومات مخابراتية هدفها تدمير الإسلام وإضعاف المسلمين، ونهب الثروات والمقدرات للشعوب المستضعفة والتوسع على حسابها. فـ (الحركة الاستشراقية تاريخياً، ولاسيما في القرن العشرين قد شاطرت ـ شئنا أم أبينا ـ مع موجة السياسات الاستعمارية الأجنبية لبلادنا، وصارت وجهاً أو واجهة، وأحياناً مرآة نرى ـ نحن العرب و المسلمين ـ فيها " و بغضب عارم " تقسيم فلسطين الحبيبة ومنح الصهاينة ملاذاً في الأرض السليبة...)(5). كما ويقول الكاتب حسين الهراوي في تعريفه للاستشراق: (الأستشراق مهنة ضد الشرق و ضد الإسلام)(6). 

إن التكبر و الاستعلاء الغربي يأبى التنازل و التفكير بعقلانية و إنسانية تجاه الإسلام، فيبقى متكبراً في كل شيء حتى في أفكاره، فضلاً عن تاريخه المرير المليء بالصراعات و حروب القتل و سفك الدماء .  يقول المستشرق الإنكليزي (هاملتون جب)(7): (...نحن اليوم أمام جو مثقل بالدعاية، فمن واجب كل باحث إذن أن يحدد بدقة لسامعيه ولنفسه المبادئ التي يركز عليها وجهة نظره...)(8) .

فلا يعطي الباحث للجماهير من السامعين والمتلقين أفكاراً مؤدلجةً هدفها واضح وغاياتها معروفة، ولا يحاول الباحث أن يبث الدعايات المغرضة التي لا واقع لها وسط جمهور المتلقين خدمةً لأهداف السياسة والدوائر الحاكمة، ولا يكتب الباحث أفكاره وأحكامه المسبقة والتي تعكس عقليته ودينه وأيدولوجيته وعرقه وما يؤمن به من أفكار ومعتقدات هدفه في ذلك إثبات صحتها بفكر دوغمائي إقصائي بحت. 

بل، ان على الباحث الحقيقي أن يبحث عن الحقيقة ويفتش عنها ويصرح بها رغم كل شيء، وضد كل معارض. فالحقيقة أمانة علمية على الباحث أن يؤديها بالشكل المطلوب، وأن يعطيها ما تستحقه في ميزان البحث العلمي من احترام وتقدير، وإعلانٍ وإظهارٍ لها ليعرفها الجميع ويستفيد منها طلاب العلم والباحثين عن الحقيقة.

لكن وعلى العكس نجد أن مقولة (أن التاريخ يكتبه المنتصر) وكون (الإعلام بيد الأقوى) هو السائد، وهو المسيطر، وبالتالي تكونت وتشكلت أفكار حتى صارت حقائق وتاريخ يُرجع إليه عن قضايا بنتها الدعاية، وشكلها المنتصر، وألفها المتغطرس، كان على الكل القبول بها على مضض، وهذا ما نعاني منه في تراثنا العربي الإسلامي، وكذلك المعاناة متبادلة بالنسبة للشعوب الغربية بما فرض عليهم من أفكار شكلت فيما بعد العقلية الغربية باتجاهاتها وميولها وخزينها الفكري عن الشعوب الأخرى.

يقول الدكتور عبد الجبار ناجي: (إن ما ورد من تفسيرات حاقدة في مؤلفات كتاب العصور الوسطى قد أثرت في الفرد الأوربي كثيراً، ثم أتسع الاعتماد عليها في تشويه صورة الإسلام... وتجاوز تأثير هذه الأساطير والأباطيل حتى أمتد إلى كتابات القرن السابع عشر للميلاد...)(9).

إن الهجمة التي شُنت على الإسلام، وذلك من أجل حرفه عن مساره الصحيح، ومحو الدين، وتشويه حقيقته، كانت هجمة شرسة للغاية، رافقت ظهور الإسلام واشتدت بعد وفاة النبي، واستعر لهيبها بعد استشهاد علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وذلك بعد أن تسلط على الدين من هم أعداءه بالأمس القريب، وممن جاء بهم مغتصبو الخلافة. فلم يكن الهجوم خارجياً في بادئ الأمر بل كانت ضربة من العمق، لتتبعها بعد ذلك الهجمات من الداخل والخارج. ولا بدّ لنا من التمعن في الحقائق لمعرفة من هم أعداء الدين والمحرفين له، ومن جعل الدين غطاءً وسلماً نحو السلطة والمصالح والمغانم الدنيوية من جهة. ومن جهة أخرى من هم أُسس الدين وركائزه وحفظته وخزان علم الله تعالى لذا وفي باب التعريف بالهجمة التي شُنت على الإسلام الحنيف، وكانت هذه الهجمة على مرحلتين:

المرحلة الأولى: وتمثلت بمنع تدوين الحديث الشريف، ومنع جمعه، وإحراق ما جُمع، ورفع شعار زائف ظاهره حق وباطنه خبيث ألا وهو (لا كتاب مع كتاب الله)، وتمثلت هذه المرحلة في حياة الخليفتين الأول والثاني.

فقد ورد عن عائشة إنها قالت: (جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً. قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك. فجئته بها، فدعا بنار فحرقها. فقلت: لِمَ أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني فأكون نقلت ذلك)(10).

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر: (إن عمر بن الخطاب بلغهُ انهُ قد ظهرت في أيدي الناس كتبٌ، فاستنكرها وكرِهها، وقال: أيها الناس: انه قد بلغني انه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يُبقيَنَ احدٌ عنده كتاباً إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي. قال: فظنوا أنه يريدُ أن ينظر فيها ويقومها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار!! ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب)(11).

والسبب الذي أدى إلى كل ذلك هو عدم الاتفاق مع نهج علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخلافاتهم القبلية معه، ولتضييع الأحاديث التي نصت بفضله، وأشارت إلى انه الخليفة الشرعي بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).

يقول الكاتب والمحامي أحمد حسين يعقوب: (ولو أن الخلفاء لم يمنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال مائة عام ونيف ولم يحرقوا المكتوب منها، لوصلتنا سنة الرسول كاملة باللفظ والمعنى، ولشكلت مع القرآن الكريم أعظم منظومة حقوقية عرفتها البشرية، ولما اختلف اثنان في أي نص من نصوص سنة الرسول الشريفة، الذين أحرقوا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال مائة عام ونيف يتحملون وزر هذا الخلط الذي أصاب سنة الرسول!!!)(12).

ما نتج عنها: فنتج عن هذه المرحلة:

1ـ انقسام المسلمين إلى اتجاهين فكريين متناحرين، الأول: يسمى: مدرسة أهل البيت، والثاني: مدرسة الخلفاء.

2ـ بعد رفع شعار (كفانا كتاب الله) أدى ذلك إلى الاجتهادات الخاطئة ممن لا يفهم القران ولا يعرفه ولم يعرفه، فظهر الاجتهاد مقابل النص الصريح، وظهر القياس، والاستحسان، وما شاكل ذلك من بدع وأحكام ليست من الإسلام أنما جاءت من عصبية وتأثر باليهود وما شاكلها.

3ـ ابتداع مقولة (رأي رأيته) و(تأول فأخطأ) للتغطية على المفاسد التي ارتكبوها، ولتغطية كفرهم الصريح، وبعدهم عن الإسلام الحقيقي، ليؤسسوا سنة مقابل سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حتى وصل الحال أن يأخذوا بسنة عمر ومعاوية ويتركوا سنة النبي (صلى الله عليه وآله)، بل لا يعترفون بها ويرمون بها عرض الجدار، ويعتبرونها اندرست ولا داعي لنبشها.

4ـ جعل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حاله كحال البشر العاديين عندهم أن لم يكن أدنى من ذلك، وذلك لتغطية أخطاء الشيخين وكل من أتى من بعدهما من مغتصبي الخلافة ومحاربي الإسلام.

5ـ طرح فكرة طاعة الخليفة والسلطان وولي الأمر كائناً من يكن وإن كان عبداً حبشياً رأسه زبيبة، وإن الحاكم هو (خليفة الله في أرضه)، فطاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله.

6ـ إبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السلام وعن مسارهم، بل محاربتهم ومحاربة كل من يواليهم، وقتلِهم جميعاً بلا رحمة، لأنهم يشكلون الخطر الأكبر على مدعي الإسلام ومغتصبي الخلافة.

7ـ فتح الباب للسلاطين ووعاظ السلاطين والمندسين لتزوير ووضع الأحاديث بما تشتهي الأنفس وحسب الثمن المقدم، فصار المؤمن فاجراً، والفاجر مؤمناً.

8ـ فتح الباب للطعن في الإسلام من قبل أعداءه والمتربصين به من اليهود والنصارى من مستشرقين وغيرهم.

المرحلة الثاني: وتمثلت بإسقاط الأحاديث النبوية عن الاعتبار، وذلك من خلال رواية الأحاديث المتضاربة والموضوعة والمشوهة والركيكة والمحرفة، كل ذلك ليبدوا الحديث النبوي فاقد للقيمة، وساقط عن الاعتبار. وذلك من أجل أن يصل الحد إلى عدم الاستدلال به، وعدم أمكانية معرفة الحقيقة منه، وصعوبة ترتيب الآثار عليه، كل هذا لتهديم الركن الثاني من الإسلام، فينجر ذلك إلى عدم الثقة بالحديث النبوي، وبالتالي عدم الثقة بقائله، كل ذلك سببه التحريف الذي طال الأحاديث النبوية الشريفة. 

يقول السيد مرتضى العسكري: (أن معاوية قد أوجد معامل لصنع الحديث ووضع الروايات. وكان أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومالك بن أنس، وسمرة بن جندب، من المنفذين لهذه السياسة المشؤومة، وفي بعض من أحاديثهم تسقط شخصية الرسول عن قداستها وشأنها وقيمتها إلى مستوى دون مستوى الإنسان العادي، وتصبح أدنى من شخصيات أبي بكر وعمر وعثمان بل وحتى معاوية ويزيد... ومن خلا ل أطروحتهم هذه حققوا أهدافاً ثلاثة: حرفوا أحكام الإسلام، وحطموا شخصية النبي(صلى الله عليه وآله) وأسقطوها عن الاعتبار، ورفعوا من مستوى شخصيات الخلفاء بعده إلى مستوى أعلى وأرفع من مستوى شخصية الرسول(صلى الله عليه وآله)...)(13).

و يضيف السيد العسكري قائلاً: (...فالوهابية التي نشأت في القرون الأخيرة استلهمت قدرتها وقوتها و سلطتها من هذه الأحاديث، وهذه الأحاديث هي مصدر أفكارها تجاه الرسول، ولا تنفع ردود علماء الشيعة و السنة و مواجهتهم للوهابية ما لم يعالجوا هذه الأحاديث، وما لم يجتثوا جذورها...)(14).

كما وكان من ضمن أهدافهم إحلال أحاديث الخلفاء والحكام محل الأحاديث النبوية ليكون الدستور الجديد هو دستور الخلفاء لا دستور النبي (صلى الله عليه وآله) ولا دستور الإسلام.

يقول الكاتب والمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب: (ومن المدهش حقاً أن الخلفاء الذين عطلوا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، المتعلقة بنظام الحكم، وأحلوا محلها سنتهم الوضعية، قد نجحوا بإقناع الأغلبية الساحقة من المسلمين، بأن قواعد سنة الخلفاء هي النظام السياسي الإسلامي الوحيد وأنه ليس في الإسلام سواها، وما زالت خاصة الأغلبية وعامتها يجترون هذا الزعم منذ 14 قرناً)(15).

ما نتج عنها: ونتج عن هذه المرحلة:

1ـ تفضيل الصحابة على الرسول، بل الأخذ بكلامهم، وعدم الآخذ بكلامه (صلى الله عليه وآله).

2ـ جعل شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) غير موزونة، بالمقارنة إلى شخصية أصحابه الموزونة.

3ـ عدم الأخذ بالسنة النبوية، وعدم اعتبارها مصدراً للتشريع، بل الشرع ما قاله الصحابة، ولا قرآن ولا سنة.

4ـ السنة التي يتمسكون بها ويدافعون عنها والتي هي عِدل القران، هي سُنة الصحابة وليست سُنة النبي (صلى الله عليه وآله).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ، المجلسي، ج 16 ، ص 194، والعقد الفريد ، أبن عبد ربه الأندلسي، ج 1 ، ص 95.

(2) سورة النجم الآيات 3 و 4 .

(3) سورة القلم، الآية (4).

(4) على يد القس الامريكي المتطرف ( تيري جونس ).

(5) التشيع و الأستشراق، عبد الجبار ناجي ، ص 69ـ70 .

(6) الأستشراق والوعي السالب، خيري منصور ، ص 53 .

(7) هاملتون جب ( 1895 ـ 1971 ميلادي ).

(8) الاتجاهات الحديثة في الإسلام، هاملتون جب ، ص 22 .

(9) التشيع و الأستشراق، عبد الجبار ناجي، ص 139.

(10) تذكرة الحفاظ، ج 1، ص 5،  ومنع تدوين الحديث، علي الشهرستاني، ص 17.

(11) حجية السنة، ص 395 ، و منع تدوين الحديث ، ص 35 ،  و لقد قال أبو هريرة : ( ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قُبض عمر ) البداية و النهاية ، ج 8 ، ص 107 ، و قال الذهبي : ( أن عمر بن الخطاب حبس ثلاثة : أبن مسعود ، و أبا الدرداء ، و أبا مسعود الأنصاري فقال " لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله " ) تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ج 1 ، ص 7 .

(12) أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ، أحمد حسين يعقوب ، ص 8 .

(13) دور الأئمة في أحياء الدين، السيد مرتضى العسكري ، ج 1 ، ص 154 .

(14) المصدر السابق ، ص 163 .

(15) أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ، أحمد حسين يعقوب ، ص 8 .