شَكْلُ الدَّوْلَةِ وَبِنَاؤُهَا فِي الإِسْلَامِ.

كِ ش /: هَلْ شَكْلُ الدَّوْلَةِ وَطَرِيقَةُ بِنَائِهَا مِنْ شَأْنِ الدِّينِ، فَهَلْ تُوجَدُ وَصْفَةٌ دِينِيَّةٌ مُلْزِمَةٌ لِلدَّوْلَةِ؟

: اللجنة العلمية

  الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

  فِي البَدْءِ نُشِيرُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَصْلٌ بَيْنَ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ فِي الإِسْلَامِ، فَالإِسْلَامُ كَمَا هُوَ دِينٌ لِلفَرْدِ، كَذَلِكَ هُوَ دِينٌ لِلمُجْتَمَعِ وَنِظَامٌ لِلدَّوْلَةِ، وَلَوْ رَاجَعْتَ القُرْآنَ الكَرِيمَ لَوَجَدْتَ فِيهِ الكَثِيرَ مِنْ الآيَاتِ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى وَاجِبَاتِ كُلٍّ مِنْ الحَاكِمِ وَالمَحْكُومِ،كَمَا تُشِيرُ إِلَى عِلَاقَةِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ مَعَ الدُّوَلِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ تُوجَدُ جُمْلَةُ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِمَوَارِدِ الدَّوْلَةِ وَنَفَقَاتِهَا [رَاجِعْ جَانِبًا مِنْ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كِتَابِ "عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ" لِلشَّيْخِ عَبْدِ الوَهَّابِ خلاف، ص 70 وَمَا بَعْدَهَا].

  وَهَذِهِ الأَحْكَامُ كَانَتْ سَارِيَةَ المَفْعُولِ أَيَّامَ حُكْمِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَأَيَّامَ حُكُومَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّتِي عُدَّتْ أَعْدَلَ حُكُومَةٍ فِي التَّأْرِيخِ بِشَهَادَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ فِي بَيَانِهَا الصَّادِرِ عَامَ 2002م.

      هَذَا كُلُّهُ كَانَ فِي ظِلِّ حُكُومَةِ المَعْصُومِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَإِدَارَتِهِ لِلمُجْتَمَعِ، وَهِيَ الحُكُومَةُ الَّتِي طَرَحَهَا الإِسْلَامُ فِي دُسْتُورِهِ وَأَرَادَهَا لِلنَّاسِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لِلأَسَفِ أَبَتْ إِلَّا حُكُومَةَ الأَهْوَاءِ وَالأَمْزِجَةِ القَائِمَةِ عَلَى الآرَاءِ الشَّخْصِيَّةِ وَالعِلَاقَاتِ النَّفعِيَّةِ، فَاخْتَارُوا أَنْمَاطًا مِنْ الحُكْمِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلَا سُنٌّةٌ، حَتَّى صَرَّحَ أَوَّلُ شَخْصٍ سَعَى فِي تَثْبِيتِ أَوَّلِ حُكُومَةٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (ص): أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ فَلْتَةٌ، فَإِنْ عَادَ رَجُلٌ لِمِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ. وَهُوَ اعْتِرَافٌ صَرِيحٌ بِفَشَلِ هَذَا الإخْتِيَارِ وَهَذَا النَّمَطِ مِنْ الحُكْمِ الَّذِي أَرَادُوهُ، ثُمَّ تَوَالَتْ الخَيبَاتُ عَلَى الأُمَّةِ نَتِيجَةَ هَذِهِ الأُطْرُوحَاتِ وَالإخْتِيَارَاتِ السِّلْبِيَّةِ حَتَّى صَارَتْ إِرْثًا يَتَوَارَثُهُ الصِّبْيَانُ وَالغِلْمَانُ فِي ظِلِّ الخِلَافَتَيْنِ الأُمَوِيَّةِ وَالعَبَّاسِيَّةِ.

      وَقَدْ طَرَحَ الفُقَهَاءُ فِي عَصْرِ الغَيْبَةِ الكُبْرَى أَنْمَاطًا مِنْ الحُكْمِ يُحَاوِلُونَ فِيهِ إِنْقَاذَ الأُمَّةِ مِمَّا فِيهِ مَنْ تَرَدٍّ وَانْحِطَاطٍ، فَكَانَتْ أُطْرُوحَةُ وِلاَيَةِ الفَقِيهِ الَّتِي طَرَحَهَا السَّيِّدُ الخُمِيْنِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ الشَّرِيفُ)، وَكَذَلِكَ أُطْرُوحَةُ الدَّوْلَةِ المَدَنِيَّةِ الَّتِي طَرَحَهَا السَّيِّدُ السِّيسْتَانيُّ (دَامَ ظِلُّهُ الوَارِفُ)، وَهُنَاكَ مَنْ يَطْرَحُ نَظَرِيَّةَ (شُورَى الفُقَهَاءِ) فِي إِدَارَةِ الدَّوْلَةِ.. وَكُلُّ هَذِهِ الأُطْرُوحَاتِ الهَدَفُ مِنْهَا تَصْحِيحُ المَسَارِ وَالمُحَافَظَةُ عَلَى الثَّوَابِتِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ الَّذِي بَدَأَ بِالتَّغَرُّبِ عَنْ دِينِهِ وَثَوَابِتِهِ نَتِيجَةَ هَذَا الغَزْوِ العَسْكَرِيِّ وَالثَّقَافِيِّ وَالفِكْرِيِّ وَالإقْتِصَادِيِّ المُمَنْهَجِ لِدُوَلِ الغَرْبِ وَالصِّهْيُونِيَّةِ العَالَمِيَّةِ.

      وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.