أَسْئِلَةٌ عَنْ المَيِّتِ وَالتَّشْرِيحِ وَهَلْ يَسْمَعُ المَوْتَى الكَلَامَ؟

Iqbal Aledani السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، لَدَيَّ سُؤَالٌ حَوْلَ حَالِ المَيْتِ، هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَيْتَ يَتَأَلَّمُ جَسَدُهُ عِنْدَ الغُسْلِ وَيَجِبُ التَّعَامُلُ مَعَهُ بِرِفْقٍ؟ وَكَيْفَ يُشَرَّحُ بَعْضُ الأَمْوَاتِ كَيْفَ يَتَحَمَّلُونَ الأَلَمَ؟ وَمَا رَأْيُ الشَّارِعِ بِالتَّشْرِيحِ؟ ثُمَّ هَلْ المُتَوَفَّى يَسْمَعُ كَلَامَ الأَحْيَاءِ عِنْدَ زِيَارَةِ القُبُورِ؟ وَإِنْ كَانَ لَا لِمَاذَا نَزُورُهُمْ وَمَا سَعَادَتُهُمْ بِالزِّيَارَةِ؟ جَزَاكُمْ اللهُ خَيْرًا.

: اللجنة العلمية

 الأُخْتُ/ الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 الرِّفْقُ بِالمَيْتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ مِنَ المُسْتَحَبَّاتِ المَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الشَّرِيعَةِ; وَذَلِكَ احْتِرَامًا لِلمَيْتِ; لِأَنَّ حُرْمَةَ الأَمْوَاتِ كَحُرْمَتِهِمْ أَحْيَاءٌ.

 جَاءَ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِذَا غَسَّلْتُمْ المَيْتَ مِنْكُمْ فَأَرْفِقُوا بِهِ وَلَا تَعْصِرُوهُ وَلَّا تَغْمِزُوا لَهُ مَفْصَلًا. [وَسَائِلُ الشِّيعَةِ 2: 497].

 وَجَاءَ عَنْ ابْنِ قُدَامَةَ فِي "المُغْنِي": وَيُسْتَحَبُّ الرِّفْقُ بِالمَيْتِ فِي تَقْلِيبِهِ، وَعَركِ أَعْضَائِهِ، وَعَصْرِ بَطْنِهِ، وَتَلْيِينِ مَفَاصِلِهِ وَسَائِرِ أُمُورِهِ احْتِرَامًا لَهُ فَإِنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالحَيِّ فِي حُرْمَتِهِ. [المُغْنِيُّ لِابْنِ قُدَامَةَ 2:323 وَ324].

 أَمَّا تَشْرِيحُ المَيْتِ المُسْلِمِ فَقَدْ ذَهَبَ الفُقَهَاءُ مِنْ الفَرِيقَيْنِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَمْرٍ مِنْ اخْتِصَاصٍ طِبِّيٍّ، أَوْ رَفْعِ شُبْهَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إِنْقَاذُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ فِي المُسْتَقْبَلِ.

 وَهَذَا المِقْدَارُ دَلَّتْ عَلَيْهِ مَرْوِيَّاتُنَا صَرَاحَةً، كَمَا فِي مُوَثَّقَةِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ يَسْأَلُ الإِمَامَ الكَاظِمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): عَنْ المَرْأَةِ تَمُوتُ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا؟ قَالَ: يُشَقُّ بَطْنُهَا، وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا. انْتَهَى [وَسَائِلُ الشِّيعَةِ 2: 47].

 فَهُنَا تَوَقَّفَ إِنْقَاذُ الجَنِينِ عَلَى شَقِّ بَطْنِ الأُمِّ المَيْتَةِ فَأَجَازَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ذَلِكَ.

 وَأَمَّا كَوْنُ المَيْتِ يَتَأَلَّمُ مِنْ هَذَا التَّشْرِيحِ أَوْ لَا، فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ الأَلَمِ وَعَدَمِهِ هُوَ الرُّوحُ، وَهِيَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ البَدَنِ فَلَا مَجَالَ لِتَأَلُّمِ المَيِّتِ بِعَمَلِيَّةِ التَّشْرِيحِ هَذِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ الغَايَةُ مِنْهَا المُحَافَظَةُ عَلَى حُرْمَةِ المَيْتِ وَعَدَمُ انْتِهَاكِها، فَحُرْمَةُ المُسْلِمِ مَيْتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.

 وَأَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى لِلكَلَامِ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِمَنْ يَزُورُونَهُم وَيَرُدُّونَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ عِنْدَ الفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ.

 جَاءَ فِي "أَضْوَاءِ البَيَانِ" للشَّنقيطِيِّ: (وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي أَوَّلِ (كِتَابِ الرُّوحِ): المَسْأَلَةُ الأُولَى: وَهِيَ هَلْ تَعْرِفُ الأَمْوَاتُ زِيَارَةَ الأَحْيَاءِ وَسَلَامَهُمْ أَمْ لَا؟قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ)، فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلَامَ)

 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلَى بَدْرٍ فَأُلْقُوْا فِي قليب، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ: (يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جُيِّفُوا، فَقَالَ: (وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا)، وَثَبَتَ عَنْهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ المُشَيِّعِينَ لَهُ إِذَا انْصَرَفُوا عَنْهُ، وَقَدْ شَرَّعَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأُمَّتِهِ إِذَا سَلَّمُوا عَلَى أَهْلِ القُبُورِ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ سَلَامَ مَنْ يُخَاطِبُونَهُ، فَيَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمِ مُؤْمِنِينَ)، وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الخِطَابُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ المَعْدُومِ وَالجَمَادِ، 

وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الآثَارُ عَنْهُمْ أَنَّ المَيِّتَ يَعْرِفُ زِيَارَةَ الحَيِّ لَهُ، وَيَسْتَبْشِرُ لَهُ). انْتَهَى [أَضْوَاءُ الْبَيَانِ 6: 135]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.