كيفَ يُسلِّطُ اللهُ الشّيطانَ على نبيِّهِ أيوب (ع) وقَدْ ورَدَ أنَّهُ ليسَ لهُ سُلطانٌ على عِبادهِ المُؤمنينَ ؟!

‎Hatim Karim‏: السَّلامُ عليكُم الإخوَةُ الأكارِمُ بورِكَتْ جُهودكُم. سُؤالي : بعدَ أنْ بَيَّنتُم بأنَّ الشَّيطانَ طَلبَ مِنَ اللهِ أنْ يُسلّطَهُ على بدَنِ أيوبَ عليهِ السَّلامُ ، كيفَ يُمكنُ تَوجيهُ الرِّوايةِ مع الآيةِ الكريمةِ إنَّ عبادي ليسَ لكَ عليهِم سُلطان ؟ جُزيتُم خيراً.

: اللجنة العلمية

الأخُ المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.

عِندَ مُراجعتِنا للآياتِ الواردَةِ بِنَفيّ سَلطنَةِ الشّيطانِ على الإنسانِ ، نَجدُها تتحدَّثُ عن نَفيّ السَّلطنَةِ عن الحالَةِ الإيمانيّةِ للإنسانِ وليسَ مُطلقاً ،، قالَ تعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) النحل : 99، وقالَ تعالى : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) الإسراء : 65،  وقالَ تعالى : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الحجر : 42.

فالسَلطنةُ المَقصودُ بها في هذهِ الآياتِ القرآنيةِ وغيرِها هيَ السَّلطنةُ على القلوبِ ، وهوَ ما يمارِسُهُ الشَّيطانُ مِنْ حالةِ الإغواءِ والوَسوسَةِ فيَتبَعُهُ مَنْ يَتبعُهُ مِنْ أهلِ الضَّلالِ ، وهذا المِقدارُ مِنَ السَلطنَةِ نفاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ عَنِ المُؤمنينَ والّذينَ على رَبِّهِم يَتوكَّلون ، أمّا السَّلطنَةُ على الأموالِ والأجسادِ  فليسَ مَنفيّاً في الآياتِ الكَريمةِ ، ومِنْ هنا جازَ أنْ يَقَعَ الإبتلاءُ في الأجسادِ بِتوسُّطِ الشّيطانِ في هذا الإبتلاءِ ، كما في قِصَّةِ نَبيّ اللهِ أيّوب ( عليهِ السَّلامُ ) حينَ قالَ : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) سورةُ ص : 41.

قالَ السَّيدُ الطَباطبائيُّ في " الميزانِ "  : ( وقد أنكرَ في الكَشّافِ ما تقدَّمَ مِنَ الوَجهِ قائلاً : لا يَجوزُ أنْ يُسلِّطَ اللهُ الشَّيطانَ على أنبيائِهِ عليهِمُ السَّلامُ لِيَقضيَ مِنْ تَعذيبهِم وإتعابِهِم وَطْرَهُ ولَو قدَرَ على ذلكَ لم يدَعْ صالِحاً إلاّ وقد نَكَبَهُ وأهلكَهُ، وقد تَكرَّرَ في القرآنِ أنَّهُ لا سُلطانَ لهُ إلاّ الوَسوسَةَ فَحَسب . إنتَهى .

وفيهِ: أنَّ الّذي يخُصُّ الأنبياءَ وأهلَ العِصمَةِ أنَّهُم لِمكانِ عِصمَتِهِم في أمنٍ مِنْ تَأثيرِ الشَّيطانِ في نفوسِهِم بالوَسوَسة ِ، وأمّا تَأثيرهُ في أبدانِهِم وسائِرِ ما يُنسَبُ إليهِم بإيذاءٍ أو إتعابٍ أو نحوِ ذلكَ مِنْ غيرِ إضلالٍ فلا دَليلَ يَدلُّ على إمتناعِهِ، وقد حَكَى اللهُ سبحانَهُ عَنْ فَتى موسى وهُوَ يُوشَعُ النَّبِيُّ عليهِ السَّلامُ : " فإنّي نَسيتُ الحوتَ وما أنْسانيهُ إلاّ الشَّيطانُ أنْ أذكُرَه " الكَهف : 63 .

ولا يَلزمُ مِنْ تَسلّطِهِ على نَبيٍّ بالايذاءِ والإتعابِ لِمصلحةٍ تَقتضيهِ كَظهورِ صَبرِهِ في اللهِ سبحانَهُ وأوْبَتِهِ إليهِ أنْ يَقدِرَ على ما يشاءُ فيمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِ اللهِ تَعالى إلاّ أنْ يشاءَ اللهُ ذلكَ وهُوَ ظاهِرٌ ) . إنتَهى [ تفسيرُ الميزانِ 17 : 21 ]  

إنَّ جَمِيعَ الآياتِ الْوَارِدَةَ فِي قِصَّةِ سَجْدَةِ آدَمَ تَدَلُّ عَلَى أَنَّ إبْلِيسَ شَأنُهُ الإغواءُ والإضلالُ يُقَابِلُ الْهِدَايَةَ، وَهُمَا مِنَ الْأُمُورِ الْقَلْبِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بالايمانِ وَالْعَمَلِ فَالَّذِي اِتَّخَذَهُ لَعَنَهُ اللهُ مَيْدَاناً لِعَمَلِهِ هُوَ قَلْبُ الإنسانِ وَعَمَلُهُ الإضلالُ عَنْ صِرَاطِ الإيمانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالَّذِي رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ وَحَفِظَ عِبَادَهُ مِنْ كَيْدِهِ، فِيهِ هُوَ عُبُودِيَّتُهُمْ فَعِبَادُهُ تَعَالَى الْوَاقِعُونَ فِي صِرَاطِ الْعُبُودِيَّةِ مَأْمُونُونَ مِنْ كَيْدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.. . الْآيَةُ " فَالْإيمَانَ هُوَ الْعُبُودِيَّةُ وَالتَّوَكُّلُ مِنْ لَوَازِمِهَا.

وَأَمَّا أَجْسَامُ الْعِبَادِ وَمَا يَلْحَقُ بِهَا فَلَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ عَنْ كَيْدِهِ وَمَكرِهِ فَلَهُ أنْ يَمَسَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ وإيمانِهِ مِنْ جِسْمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ نَحو ذَلِكَ، وَأَثَرُهُ الإيذاءُ، وَأَمّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَلَا.

 وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ الْوَصْفَ فِي قَوْلِهِ:" إنَّ عِبَادِي.. . الخ " كَالْمُشعِرِ بِالْعِلِيَّةِ.

أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الطَباطَبائيُّ.

ودُمتُم سَالمينَ.