بماذا يصطلح على إحساس الإنسان بالحاجة إلى كائن أعلى , هذا الشعور الذي يتجلى في ظروف وحالات خاصة

: اللجنة العلمية

الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ

تُسمّى تلكَ الحالةُ في المُصطلحِ القُرآنيّ بالفطرةِ، وهيَ تعني أنَّ اللهَ عندَما خلقَ الإنسانَ فطرَه على معرفتِه، قالَ تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) ومِن هُنا فإنَّ منهجيّةَ القُرآنِ قائمةٌ على التّذكيرِ والتّنبيهِ، حيثُ لَم يُبرهِن القُرآنُ على حقيقةٍ غائبةٍ أو مجهولةٍ يُريدُ إثباتَها كأيّ فرضيّةٍ نظريّةٍ، وإنّما يُذكّرُ النّاسَ بربِّهم قالَ تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) وقالَ: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ). ومِن هُنا كانَ التّوحيدُ ومعرفةُ اللهِ منَ القضايا التي لا يجبُ التّشكيكُ فيهَا قالَ تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي ما لا ينبغي الشّكُّ فيهِ، إلّا أنَّ غفلةَ الإنسانِ وانشغالَهُ في الحياةِ قَد يُنسيهِ ربّهُ ومِن هُنا وجبَ تذكيرُه وتنبيهُه، ومِن أعظمِ المُنبّهاتِ التي تشدُّ الإنسانَ لواقعِ الفطرةِ هيَ ما يُلاقيهِ مِن مصاعبَ وكوارثَ في هذهِ الحياةِ، فعندَ الصّدمةِ تتبخّرُ كلُّ أحلامِ الحياةِ ولا يبقى للإنسانِ غيرُ ربّهِ وخالقِه، ولِذا نجدُ حتّى الكافرَ والمُعاندَ عندَ الشّدائدِ يصرخُ مُنادياً ربّهُ، فلَو لَم تكُن المعرفةُ حقيقةً فطريّةً جُبِلَ عليها الإنسانُ، كيفَ يستذكرُ الكافرُ ربَّهُ عندَما يُشارفُ على الهلاكِ؟ 

وعليهِ فإنَّ آياتِ القُرآنِ وآياتِ الكونِ تُنبّهُ الإنسانَ وتُذكّرُه بواقعِ الفطرةِ، كما أنَّ الشّدائدَ والمِحنَ تُساعدُ على كشفِ حُجبِ الغفلةِ فيرى الإنسانُ حينَها اللهَ ظاهِراً بذاتِه ومُعرِّفاً عَن نفسِه، قالَ رجلٌ للصّادقِ عليهِ السّلام: يا ابنَ رسولِ اللهِ، دُلَّني على اللهِ ما هوَ؟ فقَد أكثرَ عليَّ المُجادِلونَ وحيَّروني، فقالَ لهُ: يا عبدَ اللهِ، هَل ركبتَ سفينةً قَط؟ قالَ: نعَم، قالَ: فهَل كُسِرَ بكَ حيثُ لا سفينةَ تُنجيكَ، ولا سباحةَ تُغنيكَ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فهَل تعلَّقَ قلبُكَ- هنالكَ- أنَّ شيئاً منَ الأشياءِ، قادرٌ على أن يُخلّصكَ مِن ورطتِك؟ فقالَ: نعَم، قالَ الصّادقُ عليهِ السّلام: فذلكَ الشّيءُ هوَ اللهُ القادرُ على الإنجاءِ حيثُ لا مُنجي، وعلى الإغاثةِ حيثُ لا مُغيث.