كيف نعرف المعنى الحقيقي لنصوص القرأن وقد تعني اكثر من معني و يستحيل معرفة معناها؟ و العلم متغيير يعني لا يوجد اعجاز علمي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ارجو الرد علي ان نصوص القرأن قد تعني اكثر من معني و يستحيل معرفة معناها؟ ثانيا العلم متغيير فبالتالي لا يوجد اعجاز علمي؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد أنزلَ اللهُ كتابَه بلسانٍ عربيٍّ مُبين، أي أنّهُ جارٍ في ألفاظِه ومعانيه وأساليبِه، على لسانِ العربِ الفصيحِ. قالَ تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُم تَعْقِلُونَ)، وعليهِ فإنَّ معرفةَ مقاصدِ العربِ وأساليبهم في الكلامِ يعدُّ شرطاً مُهمّاً لفهمِ معانيه، سواءٌ حصلَت تلكَ المعرفةُ بالسّجيّةِ والسّليقةِ، كالمعرفةِ الحاصلةِ للعربِ الذين نزلَ القرآنُ بينَ ظهرانيّهِم، أم حصلَ ذلكَ بالتّلقّي والتّعليم، وبالتّالي هُناكَ مقدارٌ منَ المعرفةِ تُؤهّلُ الإنسانَ لقراءةِ القُرآنِ بالشّكلِ الصّحيحِ معَ فهمِ ظواهرِه بالقدرِ الذي يُحقّقُ الموعظةَ والهدايةَ، فالتّدبّرُ في آياتِ القُرآنِ هوَ الذي يُحقّقُ التّفاعلَ بينَ المُسلمِ وبينَ كتابِ الله، وبالتّالي القرآنُ كتابٌ مُتاحٌ للجميعِ كلٌّ بقدرِه. ومعَ أهمّيّةِ اللّغةِ في معرفةِ معاني القُرآن إلّا أنَّ الإقتصارَ عليها ليسَ كافياً، فهناكَ علومٌ ومعارفُ أخرى يجبُ على الإنسانِ الإلمامُ بها وبخاصّةٍ لمَن يتصدّى لتفسيرِ القُرآن، مثلُ علمِ الحديثِ ورواياتِ المعصومينَ، وعلمُ أصولِ الفقهِ للتّمييزِ بينَ النّصِّ والظّاهرِ، والمُجمَلِ والمُبينِ، والعامِّ والخاصِّ، والمُطلقِ والمُقيدِ، والنّاسخِ والمنسوخِ، وأسبابِ النّزولِ، والمكيّ والمدنيّ وغيرِ ذلكَ مِن علومِ القُرآن. 

أمّا القولُ بأنَّ نصوصَ القرآنِ قَد تعني أكثرَ مِن معنىً، فإذا كانَ المقصودُ أنَّ الآيةَ قَد تتصرّفُ إلى أكثرِ مِن وجهٍ وتشملُ أكثرَ مِن فكرةٍ وتستبطنُ أكثرَ من معنى فهذا صحيحٌ، وليسَ في ذلكَ تباينٌ في المعاني أو تعارضٌ في النّتائجِ، وقَد أكّدَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السّلام) ذلكَ كما في الوسائلِ: (إنَّ الآيةَ لينزلُ أوّلُها في شيءٍ وأوسطُها في شيء، وآخرُها في شيء، وهوَ كلامٌ مُتصرِّفٌ على وجوه). وإن كانَ المقصودُ إختلافُ المُفسّرينَ وما يقعُ بينَهم مِن تباينٍ، فإنَّ الضّابطَ في ذلكَ هوَ الإحتكامُ لظواهرِ النّصوصِ على طبقِ طريقةِ العُقلاءِ في فهمِ مُراداتِ الخطابِ، فالتّفاسيرُ التي تبتعدُ عنِ الآراءِ الخاصّةِ وتسترشدُ بأحاديثِ المعصومينَ (عليهم السّلام) ولا تحمّلُ آياتِ الكتابِ أفكاراً بعيدةً عَن الظّاهرِ تعدُّ منَ التّفاسيرِ المُعتبرةِ والعملُ بما فيها مُبرئٌ للذّمّةِ. أمّا التّفاسيرُ التي تعتمدُ على الآراءِ الخاصّةِ وإسقاطِ المفاهيمِ منَ الخارجِ على آياتِ القُرآنِ، كمَن يُفسّرُ القُرآنَ مِن أجلِ أن ينتصرَ لفكرِه أو ليُكرّسَ قناعاتِه، لا يُعتدُّ بتفسيرِه ولا يعدُّ ما قالَه مِن معاني القرآنِ، والمعيارُ في كلِّ ذلكَ هوَ مدى الإلتزامِ بالمناهجِ العلميّةِ والضّوابطِ التّفسيريّةِ التي أجمعَ عليها أهلُ الإختصاصِ، فمَن يتجاوزُ الظّاهرَ لمعانٍ بعيدةٍ كما يفعلُ بعضُ المُتصوّفةِ الذين يضربونَ بظاهرِ القُرآنِ بحُجّةِ البحثِ عنِ الباطنِ، أو غيرِ ذلكَ مِن أساليبِ أهلِ الأهواءِ فإنّهُ يُعدُّ مِن مصاديقِ التّفسيرِ بالرّأيّ المذمومِ شرعاً.  

أمّا القولُ باستحالةِ معرفةِ معاني القُرآن فهوَ قولٌ مُخالفٌ لصريحِ القُرآن، كما أنّهُ مُخالفٌ لواقعِ المُسلمينَ الذين إستفادوا الكثيرَ مِن معانيهِ وتوجيهاتِه وأحكامِه، والتّشكيكُ في مقدرةِ البشرِ على فهمِ كتابِ اللهِ هوَ تشكيكٌ في الكتابِ نفسِه إذ كيفَ يُكلّفُ اللهُ العبادَ بكتابٍ لا يمكنُهم فهمُه؟ بلِ الجميعُ يمكنُهم الإستفادةُ مِن كتابِ اللهِ مِن خلالِ تلاوتِه والتّدبّرِ في آياتِه قالَ تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) أي إنَّ إمكانيّةَ الإستفادةِ مِن هُدى القرآنِ مُتاحةٌ للجميعِ، بشرطِ أن يُقبلَ عليهِ الإنسانُ بقلبٍ سليمٍ، قالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، أمّا مَن أرادَ الإستزادةَ مِن معارفِ القُرآنِ وجبَ عليهِ التّتلمذُ على يدِ العُلماءِ، فالرّجوعُ إلى أهلِ الخبرةِ والإختصاصِ ممّا إعتادَ عليه العُقلاء، وعُلماءُ الإسلامِ الذينَ تخصّصوا في تفسيرِ القُرآنِ وبيانِ معانيهِ يجبُ الرّجوعُ إليهم بوصفِهم أهلَ الخبرةِ ولا يجوزُ للجاهلِ مُنازعتُهم بحُجّةِ أنَّ القُرآنَ جاءَ للجميع.

أمّا القولُ أنَّ العلمَ في حالةٍ منَ التّطوّرِ والتّغيّرِ الدّائمِ مِمّا يجعلُنا نُشكِّكُ في وجودِ إعجازٍ علميٍّ في القُرآنِ، فإنَّ هذا القولَ يرتكزُ على كونِ الإعجازِ العلميّ هوَ أحدُ وظائفِ القُرآنِ، وهذا ما لا يمكنُ التّسليمُ به، فكتابُ اللهِ ليسَ كتاباً في الفيزياءِ أو الكيمياء أو غيرِ ذلكَ منَ العلومِ، وإنّما هوَ كتابُ هدايةٍ يهدفُ إلى تبصيرِ العبادِ بمصائرِهم الدّنيويّةِ والأخرويّةِ، وما جاءَ في القرآنِ مِن إشارةٍ إلى بعضِ الحقائقِ التي أثبتَها العلمُ الحديثُ مثلَ مراحلِ تكوّنِ الجنينِ فإنَّ الهدفَ منهَا ليسَ الكشفَ عنِ الحقيقةِ العلميّةِ وإنّما تحقيقُ العبرةِ وتذكيرُ الإنسانِ بأصلِه وما كانَ عليه. ومِن جهةٍ أُخرى إذا نظرنا إلى العلومِ فإنَّ التّطوّرَ والتّغييرَ الذي يحدثُ فيها لا يعني التّعارضَ والتّناقضَ وإنّما يعني تراكمَ الخبراتِ التي تنتقلُ بالعلمِ إلى مراحلَ مُتقدّمةٍ، ولا يؤثّرُ ذلكَ لو فرضنا أنَّ القُرآنَ إهتمَّ بالكشفِ عنِ الحقائقِ العلميّةِ؛ لأنَّ القُرآنَ في هذهِ الحالةِ إنّما يُقدّمُ وصفاً عامّاً للقضايا ولا يقدّمُ مُعادلاتٍ رياضيّةً نخشى تعارضَها مع العلمِ الحديثِ.