هل يُعرف الله بدون رسول أو إمام ؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله

إنَّ مصدرَ الإيمانِ باللهِ هوَ العقلُ والفطرةُ التي جُبلَت على التّسليمِ بوجودِ خالقٍ، والإيمانِ بالرّسلِ وبالكتبِ السّماويّةِ يأتي في مرحلةٍ مُتأخّرةٍ بعدَ إيمانِ الإنسانِ باللهِ، وقَد بيّنَ الإمامُ الصّادقُ (عليه السّلام) هذهِ الحقيقةَ بأروعِ بيانٍ عندَما قالَ لهُ السّائلُ: (فمِن أينَ أثبتُ أنبياءً ورُسلاً؟ قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السّلام: إنّا لمّا أثبَتنا أنَّ لنا خالِقاً صانِعاً مُتعالياً عنّا وعَن جميعِ ما خلقَ وكانَ ذلكَ الصّانعُ حكيماً لَم يجُز أن يُشاهدهُ خلقُه ولا يلامسَهُم ولا يلامسوه ولا يباشرَهم ولا يباشروه ولا يحاجَّهُم ولا يحاجّوه، فثبتَ أنَّ لهُ سُفراءَ في خلقِه وعبادِه يدلّونَهم على مصالحِهم ومنافعِهم وما بهِ بقاؤُهم وفي تركِه فناؤُهم، فثبتَ الآمرونَ والنّاهونَ عنِ الحكيمِ العليمِ في خلقِه وثبتَ عندَ ذلكَ أنَّ لهُ مُعبّرينَ وهُم الأنبياءُ وصفوتُه مِن خلقِه حُكماءَ مُؤدّبينَ بالحكمةِ مبعوثينَ بها غيرِ مُشاركينَ للنّاسِ في أحوالِهم على مشاركتِهم لهُم في الخلقِ والتّركيبِ، مؤيّدينَ مِن عندِ اللهِ الحكيمِ العليمِ بالحكمةِ والدّلائلِ والبراهينِ و الشّواهدِ مِن إحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ، فلا تخلو أرضُ اللهِ مِن حُجّةٍ يكونُ معهُ علمٌ يدلُّ على صدقِ مقالِ الرّسولِ ووجوبِ عدالتِه).

وقد أكّدَت هذهِ الحقيقةَ أيضاً الأدعيةُ المأثورةُ عَن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) مثلَ ما جاءَ في كمالِ الدّينِ عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام): (اللّهمَّ عرّفني نفسَك، فإنّكَ إن لَم تُعرّفني نفسَك لَم أعرِف نبيَّك، اللّهمَّ عرّفني رسولَك فإنّكَ إن لَم تُعرّفني رسولَك لَم أعرِف حُجّتَك اللّهمَّ عرّفني حُجّتَك فإنّكَ إن لَم تُعرّفني حُجّتَك ضللتُ عَن ديني)، وعليهِ فإنّنا نعرفُ الرّسولَ باللهِ ولا نعرفُ اللهَ بالرّسولِ، لأنَّ اللهَ أكثرُ ظهوراً مِن أيّ حقيقةٍ أُخرى لكونِه قَد تجلّى للخلقِ في كُلِّ شيءٍ، فعَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيباً. 

وعليهِ فإنَّ أصلَ معرفةِ اللهِ فطريّةٌ إلّا أنّها تحتاجُ إلى التّذكيرِ والتّنبيهِ، وهذا ما يقومُ به الأنبياءُ والمُرسلونَ، يقولُ الإمامُ عليّ (عليه السّلام) واصِفاً مُهمّةَ الأنبياءِ: " فَبَعَثَ فِيهم رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِم أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُم مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُم مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُم آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ.." ومِن هُنا لا يستغني الإنسانُ عَن تذكيرِ المُذكّرينَ وتنبيهِ العارفينَ، ولكَي ينالَ الإنسانُ الدّرجاتِ العُليا في المعرفةِ لابُدَّ لهُ مِنَ الإهتداءِ بالرّسلِ والأولياءِ الذين جعلَهُم اللهُ حُججاً على خلقِه.