هل العلومُ الطّبيعيّةُ تُغني عَن عبادةِ الله؟

مؤمَّل مهدي/: هَل يستطيعُ العلمُ البشريُّ أن يصلَ إلى جميعِ الأشياءِ الغيبيّةِ التي تجعلُه يستغني عَن عبادةِ اللهِ تعالى كما يزعمُ الملحدونَ..؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معَ التّطوّرِ الكبيرِ للعلومِ الطّبيعيّةِ وما أحدثَتهُ مِن تقدُّمٍ في كُلِّ المجالاتِ إلّا أنّهُ ما يزالُ ينقصُها الكثيرُ للوصولِ إلى مرحلةِ الإحاطةِ بكُلِّ الظّواهرِ الطّبيعيّةِ، ولو افترضنا تمكُّنَ العلومِ منَ الإجابةِ عَن كُلِّ الأسئلةِ فإنَّ ذلكَ لا علاقةَ لهُ بالإيمانِ باللهِ وبعبادتِه، وقَد بيّنا في إجاباتٍ سابقةٍ أنَّ العلومَ الطّبيعيّةَ لا تتحرّكُ في نفسِ المسارِ الذي تتحرّكُ فيهِ الضّرورةُ الدّينيّةُ، فمعرفةُ الأسبابِ المُباشرةِ للظّواهرِ الطّبيعيّةِ لا تُغني الإنسانَ عَن معرفةِ اللهِ الخالقِ لتلكَ الظّواهرِ، ومنَ الواضحِ أنَّ حاجاتِ الإنسانِ ليسَت مادّيّةً فقَط وإنّما أيضاً روحيّةٌ ومعنويّة، وحقيقةُ الإنسانِ ضمَن الإيمانِ باللهِ ترتكزُ على علاقةِ المخلوقِ بالخالق، أي أنَّ الإنسانَ أوجدَهُ اللهُ مِن عدمٍ وخلقَهُ قبضةً مِن طين ونفخةً من روحٍ، فانتمى إلى الأرضِ مِن جهةِ الطّينةِ، وانتمى إلى السّماءِ مِن جهةِ تلكَ النّفخةِ. وبالتّالي الإنسانُ يمكنُه العيشُ على الأرضِ وهوَ يتطلّعُ إلى اللهِ، ومِن هُنا لا يتحرّكُ الإنسانُ في اتّجاهٍ واحدٍ وإنّما ينجذبُ إلى الأرضِ كما يندفعُ إلى الأعلى ليتسامى على المادّةِ. 

وهكذا يعترفُ المُؤمنُ بالمادّةِ كحقيقةٍ مُتأصّلةٍ في الإنسانِ، فيندفعُ في رحابِ الحياةِ إندفاعَ المؤمنِ بضرورةِ تسخيرِ المادّةِ مِن أجلِ الإنسانِ، والتّسخيرُ في الأدبِ القُرآنيّ يعني تطويعَ الحياةِ بحسبِ أسبابِها ومُسبّباتِها، فلا يفوتُه شيءٌ مِن خيراتِ الدّنيا ونعيمِها المادّيّ، وفي الوقتِ نفسِه يمتلكُ العقلَ والرّوحَ والإرادةَ التي تُميّزُه عَن بقيّةِ الكائناتِ، ولِذا نجدُه يعشقُ الكمالَ ويتوسّلُ لهُ عبرَ القيمِ التي يستمدُّها مِن أسماءِ اللهِ الحُسنى، فيتّصلُ عبرَ تلكَ المعرفةِ باللهِ تعالى ويتطلّعُ للقُربِ منهُ فيكونُ بذلكَ عليماً، قديراً، رحيماً، كريماً، عزيزاً، مُهيمناً، ودوداً، حكيماً، مؤمِناً.. في سعيٍ دائمٍ للتّخلّقِ بأخلاقِ اللهِ، وهذا ما لا يمكنُ أن تُحقّقَهُ العلومُ الطّبيعيّةُ للإنسانِ، وعليهِ لا تعارُضَ بينَ العلومِ الطّبيعيّةِ وبينَ الإيمانِ باللهِ وعبادتِه، فالعلومُ تُحقّقُ للإنسانِ الإستفادةَ المُثلى منَ المادّةِ وعبادةُ اللهِ تُحقّقُ لهُ الكمالَ الرّوحيَّ والمعنويّ.