ما صحة هذا الكلام "علمَ الآثارِ يُفنّدُ الرّوايةَ الدّينيّةَ و موسى ويوسف لا أثرَ لهُما في علمِ الآثارِ. ما يعني أنّهُما مُجرّدُ شخصيّاتٍ خُرافيّةٍ."

طالب حُسين/: خزعل الماجديّ مُتخصّصٌ في علمِ وتاريخِ الأديانِ يُشيرُ إلى أنَّ علمَ الآثارِ يُفنّدُ الرّوايةَ الدّينيّةَ، ثمَّ يؤكّدُ على أنَّ فرعونَ لَم يكُن حاكِماً ظالِماً، وأنَّ موسى ويوسف لا أثرَ لهُما في علمِ الآثارِ. ما يعني أنّهُما مُجرّدُ شخصيّاتٍ خُرافيّةٍ.

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله

جاءَ هذا الكلامُ منَ المُؤرّخِ العراقيّ خزعَل الماجديّ في النّدوةِ التي أُقيمَت لمُناقشةِ كتابِه (الحضارةُ المصريّةُ) على هامشِ معرضِ الكتابِ الدّوليّ في القاهرةِ في دورتِه ال51، ويبدو أنَّ النّتائجَ الصّادمةَ التي صرّحَ بها في هذهِ النّدوةِ هيَ نتاجٌ طبيعيٌّ للمنهجيّةِ التّاريخيّةِ المُعتمدةِ لديهِ، وهيَ المنهجيّةُ التي تستبعدُ كلَّ حقيقةٍ تاريخيّةٍ ليسَت لها آثارٌ مادّيّةٌ، ومِن هُنا نجدُه إستبعدَ كُلَّ المصادرِ التّاريخيّةِ الأُخرى التي تعتمدُ على الحكاياتِ المنقولةِ أو الوثائقِ المكتوبةِ بما فيها الأديانُ والكتبُ السّماويّةُ، وقد صرّحَ الماجديُّ بهذه المنهجيّةِ مُعلِناً عدمَ اعترافِه بأيِّ بحثٍ تاريخيٍّ خارجَ حدودِ الآثارِ، وهذا خلافُ المنهجيّاتِ التّاريخيّةِ الأخرى التي وسّعَت دائرةَ البحثِ التّاريخيّ إلى أكثر مِن حدودِ الآثارِ المادّيّةِ، وبالتّالي فإنَّ الخلافَ في حقيقتِه خِلافٌ منهجيٌّ قبلَ أن يكونَ خلافاً حولَ نتائجِ البحثِ التّاريخيّ، وإذا أردنا أن نُقرّبَ الصّورةَ يُمكِنُنا أن نستشهدَ بالخلافِ المنهجيّ بينَ الإيمانِ والإلحادِ، فالمُلحدُ الذي يعتمدُ على المنهجِ المادّيّ لا يمكنُهُ الإعترافُ بوجودِ شيءٍ خارجَ حدودِ المادّةِ بعكسِ مَن يُؤمِنُ بمناهجَ معرفيّةٍ أُخرى مثلَ البرهنةِ والإستنباطِ وغيرِها منَ المناهجِ العقليّةِ. وعليه فإنَّ كلامَ الماجديّ مُحصّلةٌ طبيعيّةٌ لمنهجِه في التّاريخِ، ويبدو أنَّ الماجديَّ لا يعترفُ بالقُرآنِ كمصدرٍ موثوقٍ وقطعيٍّ لبعضِ الحقائقِ التّاريخيّةِ، ولِذا نجدُه يهاجمُ مَن يصفُ فرعونَ بالظّالمِ بأنّهُ مُجرّدُ مُشعوذٍ ودجّالٍ، معَ أنَّ القُرآنَ صرّحَ في أكثرِ مِن آيةٍ على ظُلمِ فرعونَ، قالَ تعالى: (وَإِذ نَجَّينَاكُم مِّن آلِ فِرعَونَ يَسُومُونَكُم سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أبنَاءَكُم وَيَستَحيُونَ نِسَاءَكُم ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُم عَظِيمٌ) (49 البقرةُ). وقالَ تعالى: (اذهَبَا إِلَىٰ فِرعَونَ إِنَّهُ طَغَىٰ) (43 طه)، وغيرُ ذلكَ منَ الآياتِ التي تُؤكّدُ ظُلمَ وطُغيانَ فرعونَ، ومعَ أنَّ الماجديَّ في دفاعِه عَن فرعونَ لَم يعتمِد على أكثر منَ التّحليلِ والإستحسانِ عندَما يقولُ: "علينا أن نُعيدَ النّظرَ في هذا الأمرِ لأنَّ الملوكَ المصريّينَ كانوا يرونَ أنفُسَهم آلهةً تُنظّمُ الكونَ فمنَ المُستحيلِ أن يكونوا منَ الطُّغاةِ والظّالمينَ"، فكونُهم يعتقدونَ أنّهُم ألهةٌ ومُنظّمونَ للكونِ لا يعني بالضّرورةِ أن لا يكونوا ظالمينَ، وعلى أقلِّ تقديرٍ لا يخلو كلامُه من إستحسانٍ غيرِ مسنودٍ بالآثارِ المادّيّةِ التي تكشفُ عَن عدالةِ فرعونَ بحسبِ منهجِه.

والخُلاصةُ أنَّ منهجيّةَ الماجديّ منهجيّةٌ مادّيّةٌ حسّيّةٌ قائمةٌ فقَط على الآثارِ وهيَ منهجيّةٌ غيرُ شاملةٍ ولا يمكنُ أن تُحقّقَ وعياً شامِلاً للتّاريخِ، ومنَ الواضحِ أنَّ الآثارَ التّاريخيّةَ في الغالبِ هيَ مِن نصيبِ الملوكِ ومَن كانَت لهُم العظمةُ المادّيّةُ، في حينِ أنَّ الأنبياءَ لَم يكونوا أصحابَ قصورٍ ولَم يسعوا لتحقيقِ مكاسبَ مادّيّةٍ وإنّما كانوا يهتمّونَ بتعليمِ النّاسِ وإرشادِهم إلى إتّباعِ الحقِّ وكانوا يعيشونَ كعامّةِ النّاسِ لم يتميّزُوا عنهُم بشيءٍ حتّى يُصبحَ لهُم أثرٌ مادّيٌّ على وجودِهم. والإنسانُ المُسلمُ المُؤمنُ بالقُرآنِ يُصدّقُ كلَّ ما جاءَ فيهِ مِن حقائقَ بما فيها الحقائقُ التّاريخيّةُ ولا يمكنُ التّشكيكُ فيها بحُجّةِ عدمِ وجودِ أثرٍ مادّيٍّ على ذلكَ، ومنَ الواضحِ أنَّ الآثارَ الفكريّةَ والمعنويّةَ للعُظماءِ وتأثيرَهم على المسيرةِ التّاريخيّةِ بشكلٍ عام لا يقلُّ أهمّيّةً عنِ الآثارِ المادّيّةِ، فكثيرٌ منَ الشّخصيّاتِ التّاريخيّةِ لَم نجِد لها أثراً مادّيّاً إلّا أنَّ أثارَها الفكريّةَ والمَعنويّةَ كانَت شاهداً على كونِهم شخصيّاتٍ حقيقيّةً وليسَت وهميّةً، فمثلاً قد اِعترفَ العالمُ بوجودِ فلاسفةٍ كبارٍ مِن أمثالِ سُقراط وأرسطو وغيرِ ذلك معَ أنّهُ لا توجدُ آثارٌ مادّيّةٌ تُثبتُ شخوصَهُم التّاريخيّةَ.