احتاج الى بعض المراجع حول "اثر الاستشراق فى الفكر الدينى المسيحى"و " جهود مفكرى الغرب او المستشرقين فى نقد الكنيسه والكتاب المقدس"

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

يمثّلُ الإستشراق تيّاراً علمياً وفكرياً ينصبّ إهتمامه على دراسة الحضارات الشرقية بما فيها من أديان وثقافات وتاريخ ولغة وتقاليد وعادات وغير ذلك، وقد تضاعف إهتمام هذا التيار بالحضارة الإسلامية بشكل خاص، إلا أنه لا يخلو أيضاً من الأهداف السياسية والإقتصادية، فقد حمّله الكثير مسؤولية التمهيد لحركة الإستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، وهناك الكثير من الدراسات التي رصدت الاثار السلبية للإستشراق، مثل التشكيك بالوحي الإلهي المتمثل في القرآن والطعن بالشريعة الإسلامية، مضافاً إلى إحياء النعرات القومية بهدف تفتيت الأمة، وقد تأثرت بعضُ النخب الإسلامية بمقولات المستشرقين وباتت تروّج لها داخل الوسط الإسلامي. ويرى بعض الباحثين أنّ الإستشراق ليس على نمط واحد وإنما هناك قسم كبير من المستشرقين كانوا أكثر موضوعية وإنصافاً للإسلام، إلى درجة أنّ بعضهم اعتنق الإسلام وبشّر به في الغرب، ومن الذين سحروا بالشرق وبالحضارة الإسلامية مونتغمري وات، وغوستاف لوبون، والمستشرقة الألمانية زيغرد هونكه، صاحبة كتاب (شمس الله تسطع على الغرب)، والشاعر الألماني غوته الذي دعي القرن التاسع عشر باسمه (قرن غوته)، والمستشرق توماس أرنولد صاحب كتاب (الدعوة إلى الإسلام) الذي يعتبر من أوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني، كلّ ذلك يعدّ من آثار التأثير العكسي لحركة الإستشراق، فقد ساهمت الحركة الإستشراقية في نقل المعرفة الإسلامية من خلال ترجمة النصوص الإسلامية، وقد أشار الكثير من الباحثين إلى تأثير الحضارة الإسلامية في النهضة العلمية في الغرب، حيث أضافت هذه الترجمات علوماً جديدة لم تكن معهودة في الثقافة الغربية، فالمعرفة الإسلامية التي نقلها الإستشراق إلى الغرب كان لها دور كبير في تطوير الفكر الغربي بل وتعديل مسيرته في بعض الأحيان، وقد ساهمت بشكل واضح في إدخال الغرب في مرحلة النهضة العلمية والتقدم الصناعي والتكنولوجي الذي يعيشه الغرب حالياً. كما أثرت تلك الترجمة على الفكر المسيحي وبخاصة ترجمة النصوص الكلامية والفلسفية، مثل أعمال الفارابي، والكندي، وابن سينا، وقد كان لابن رشد تأثيراً مباشراً حتى أصبحت له مدرسة غربية تسمى: (المدرسة الرشدية)، وعلى الرغم من تحريم الكنيسة لمؤلفات ابن رشد، فإنّ جامعة باريس واكسفورد وغيرها كانوا يلجؤون لشروحات ابن رشد لمعرفة أرسطو، حيث كانوا ينظرون إليه كمُلهم لحركة الفكر، وكذلك كان حال ابن سينا الذي اصبح له أهمية خاصة في جامعة باريس في مادة المنطق، وقد رصد الباحثون الكثير من الشواهد التي تثبت تأثير الفلسفة الإسلامية على الفكر المسيحي.

ومن المؤشرات التي تثبتُ عمق تأثير الفكر الإسلامي على الفلاسفة الغربيين، فإنّ ديكارت الذي يعدّ أبو الفلسفة العقلية الغربية قد تأثر بالغزالي، كما يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه (المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت) الذي صدر 1973م، يقول فيه: "وقد أثبت هذا البحث بالنصوص القاطعة التطابق الواضح بين المنهج الفلسفي لدى كلّ من الغزالي وديكارت، والمنهج المعروف بالشكّ المنهجي. وقد أشرف على هذه الرسالة الأستاذ راينهارد لاوت، وهو من أشدّ المعجبين بفلسفة ديكارت، وكان يعلن في محاضراته أنّ الفلسفة الحقيقية قد بدأت بديكارت... وقد كان أمراً مفاجئاً للأستاذ المشرف – بطبيعة الحال – أن يرى أنّ الغزالي قد سبق ديكارت إلى إكتشاف وإستخدام الشكّ المنهجي...  وفي سنة 1992م قامت بنشرها دار نشر كبرى، وتناول الرسالة بعض الباحثين الغربيين وأشادت بها الصحيفة السويسرية اليومية في مقال كتبه (كريستوف فون فولتسوجن) تحت عنوان (هل كان الغزالي ديكارتاً قبل ديكارت؟)، وأشار الكاتب إلى أهمية الكتاب بوصفه عملاً علمياً جديراً بالإعتبار، مبيّناً أنه قد كشف عن حقيقة مفادها أنّ الشكّ المنهجي الذي يعدّ عملاً تأسيسياً حاسماً في الفكر الغربي، مرتبط بالفلسفة الإسلامية في القرن الحادي عشر، أي قبل ديكارت بأكثر من خمسة قرون"( ). وقد أكد أحد الباحثين في عام 1976م، تأكيداً قاطعاً اطلاعه على دليل مادي في مكتبة ديكارت يثبت تعرّف ديكارت على فكر الغزالي وتأثره به عن طريق ترجمة لكتاب (المنقذ من الضلال) للغزالي. وقد ضمن هذا الباحث وهو المؤرخ التونسي المرحوم عثمان الكعاك هذه الأقوال في بحثه الذي قدّمه إلى ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر عام 1976م"( ).

وعليه فإنّ للإستشراق تأثيراً عكسياً على الفلسفة الغربية بشكل عام وعلى الفكر المسيحي بشكل خاص، حيث كانت الإصلاحاتُ الدينية التي تعرضت لها اليهودية والنصرانية نتاج تأثرها بمناهج النقد الإسلامي، حيث يعتقد بعض الباحثين أنّ ظهور المذهب البروتستانتي المعارض للكاثوليكية هو أحد ثمار التأثير الإسلامي.