ماحكم الذين لم يصل لهم الاسلام عند المذهب الشيعي ما هو مصيرهم؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد ميّزَ الإسلامُ بينَ الإنسانِ الذي وصلَتهُ الدّعوةُ وبينَ مَن لم تصِله، فرتّبَ أحكامَه على مَن بلغَتهُ الدّعوةُ ولَم يُرتّب ذلكَ على مَن لم تبلُغه، قالَ تعالى: (مَّنِ اهتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولًا). فقَد صرّحَت الآيةُ بأنَّ العذابَ يأتي بعدَ بعثِ الرّسلِ، والمقصودُ مِن ذلكَ هوَ إمكانيّةُ معرفةِ النّاسِ بالإسلام، وقد إستنبطَ الفُقهاءُ مِن هذهِ الآيةِ قاعدةً عامّةً وهيَ (قبحُ العقابِ بلا بيانٍ)، ومنَ المعلومِ أنَّ البيانَ المقصودَ هوَ أوسعُ مِن أن يأتي الرّسولُ بنفسِه لكلِّ شخصٍ، وإنّما يكفي فيهِ وصولُ آياتِه وما أمرَ بهِ مِن حقائقَ ومعارفَ بأيّ وسيلةٍ مُتاحةٍ، فلا يكونُ معذوراً مَن تهيّئَت لهُ معرفةُ الإسلامِ ولم يفعَل، سواءٌ كانَ ذلكَ عبرَ الترجماتِ المُختلفةِ للقُرآنِ أو مِن خلالِ المطبوعاتِ الإسلاميّةِ، أو مِن خلالِ المراكزِ الإسلاميّةِ المُنتشرةِ، أو بأيّ وسيلةٍ مُمكنةٍ، ولذا فرّقَ الفُقهاءُ بينَ الجاهلِ القاصرِ والجاهلِ المُقصّرِ.  

أمّا الجاهلُ المُقصّر: فهوَ الذي بإمكانِه البحثُ والإطّلاعُ إلّا أنّهُ لم يهتمَّ بالأمرِ وتمادى في ضلالِه وغيّه. وهذا غيرُ معذورٍ لأنّه لم يتحمّل مسؤوليّةَ مصيرِه. 

أمّا الجاهلُ القاصرُ: فهوَ الذي لَم يصِله الحقّ وليسَ بمقدورِه معرفةُ ذلكَ لقصورٍ فيه إمّا بسببِ الظرفِ الزّمانيّ والمكانيّ أو لقصورٍ في طبيعتِه. وقد ألحقَ بهم البعضُ أهلَ الفترةِ وهُم الذينَ لم يأتِهم رسولٌ ولا نبيٌّ ولم يكونوا على أيّ دينٍ منَ الأديانِ السّماويّةِ، ومنها الفترةُ بينَ عيسى (عليه السّلام) ومحّمدٍ (صلّى اللهُ عليه وآله)، قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَهلَ الكِتَابِ قَد جَاءَكُم رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُم عَلَى فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ). إلّا أنَّ هذهِ الآيةَ تخاطبُ أهلَ الكتابِ الذين كانوا على دينِ عيسى عليه السّلام، وبالتالي ليسَت ناظرةً لمَن لم يأتِهم رسولٌ. والمهمُّ في الأمرِ أنَّ الآيةَ التي ذكرناها في أوّلِ الكلامِ هيَ الآيةُ المُحكمةُ في الأمرِ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولًا). وقد إختلفَ الباحثونَ في مصيرِ هؤلاء هَل هُم إلى الجنّةِ أم إلى النّار؟ وقد جاءَ في بعضِ أخبارِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) أنَّ هؤلاءِ سوفَ يكونُ لهم إمتحانٌ مِن نوعٍ آخر سواءٌ كانَ في عالمِ البرزخِ أو يومِ المحشرِ فمَن نجحَ منهُم يدخلُ الجنّةَ ومَن لَم ينجَح فمصيرُه النّار، وَلَا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.