هلِ التّشكيكُ في الدينِ حالةٌ صحيحةٌ أم خاطئة؟ هل مِن حقِّ المُسلمِ أن يُشكّكَ في مسألةٍ دينيّةٍ عقائديّةٍ أو يُشكّكَ في صحّةِ أحدِ فروعِ الدّين؟ 

السلام عليكم هل التشكيك في الدين حالة صحيحه ام خاطئة هل من حق المسلم أن يشكك في مسأله دينية عقائدية او يشكك في صحة أحد فروع الدين

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

هناكَ فرقٌ بينَ الشّكِّ العلميّ والشكِّ النّفسيّ، فالأوّلُ يُسمّى بالشكِّ المنهجيّ والغرضُ منهُ التّأكّدُ العلميُّ من صحّةِ المسألةِ، وهوَ منهجٌ له حضورٌ في كلِّ الميادينِ العلميّةِ والمعرفيّةِ؛ بلِ البحثُ العلميُّ لا يكونُ إلّا في أحدِ صورتينِ، الأولى: الكشفُ عَن شيءٍ لم يكُن معروفاً، والثّاني: التأكّدُ ممّا هوَ معروفٌ سواءٌ بتفنيدِ أدلّتِه التي يقومُ عليها أو بتدعيمِه بأدلّةٍ جديدةٍ، ويقومُ الشّكُّ المنهجيُّ على إفتراضٍ أوّليٍّ وهوَ عدمُ التّسليمِ بالمسألةِ ومِن ثمَّ وضعُ فرضيّةٍ بديلةٍ والبحثُ في مدى صحّتِها، وهكذا يقومُ الباحثُ بحشدِ الشّواهدِ والأدلّةِ بتجرّدٍ كاملٍ ومن دونِ ميولٍ نفسيّةٍ أو مؤثّراتٍ غيرِ علميّةٍ، وفي النّتيجةِ يستخلصُ الباحثُ رؤيتَه العلميّةَ حولَ المسألةِ المبحوثةِ، فالشكُّ المنهجيُّ يقومُ أساساً على إيجادِ اليقينِ وليسَ محاربةَ اليقينِ، وكونُ الشكِّ المنهجيّ مقبولاً كمنهجيّةٍ علميّةٍ لا يعني فتحَ البابِ واسعاً للشكِّ في الأمورِ الواضحةِ واليقينيّةِ؛ لأنَّ ذلكَ يعدُّ نوعاً منَ العبثِ غيرَ المُبرّرِ، فالشكُّ بالمعنى المنهجيّ لا يحدثُ إلّا بعدَ توفّرِ قرائنَ وإحتمالاتٍ عقلائيّةٍ تستدعي التّحقّقَ مِن جديدٍ في المسألةِ، ومِن هُنا نعيدُ السّؤالَ للسّائلِ لماذا تريدُ الشّكَّ في الدّينِ أو مسائلِ العقيدةِ أو في فروعِ الشّريعةِ؟ فإذا كانَ يقينُك غيرَ مكتملٍ في هذا المسائلِ فيجبُ عليكَ البحثُ حتّى تصلَ إلى اليقينِ، أمّا إذا كانَت في نظرِك منَ الموضوعاتِ الواضحةِ التي لا ريبَ فيها فحينَها لا يجوزُ فتحُ البابِ لوساوسِ الشيطانِ لزعزعةِ ما عندَك مِن يقينٍ، فاليقينُ لا يُنقضُ بالشكِّ، قالَ تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) 

أمّا الشكُّ النّفسيُّ أو الشكُّ المُطلقُ فيقعُ في الإتّجاهِ المُقابلِ للشكِّ المنهجيّ حيثُ يقومُ أساساً على زعزعةِ اليقينِ والإرتيابِ في كلِّ ما هوَ حقيقةٌ، وبالتّالي هوَ حالةٌ مرضيّةٌ تنتابُ الإنسانَ لتجعلَه في حيرةٍ دائمةٍ وتردّدٍ مستمرٍّ، قالَ تعالى: (وَارتَابَت قُلُوبُهُم فَهُم فِي رَيبِهِم يَتَرَدَّدُونَ) وقد يعودُ مثلُ هذا الشكِّ إلى إضطراباتٍ نفسيّةٍ بسببِ التربيةِ أو المحيطِ الفاسدِ أو إلى وساوسَ شيطانيّةٍ أو إلى غير ذلك. 

وفي المُحصّلةِ فإنَّ الإسلامَ طالبَ الجميعَ بتحقيقِ اليقينِ وبخاصّةٍ في الأمورِ الإعتقاديّةِ وعليهِ بابُ البحثِ والتحقيقِ مفتوحٌ أمامَ المُكلّفينَ، ولا يعني هذا فتحَ الطريقِ أمامَ عبثِ المُشكّكينَ الذينَ ينطلقونَ مِن مبرّراتٍ غيرِ علميّةٍ، وإنّما يجبُ الإلتزامُ بالضّوابطِ العلميّةِ والمنهجيّةِ بشكلٍ صارمٍ حتّى لا يكونَ أمرُ الدّينِ فوضى بيدِ العابثين.