كيف الوصول إلى الله؟

لقائل إن يقول: وهذه الشمس والقمر والنجوم والكواكب وهذا النظام العجيب هل كل ذلك وليد المصادفة؟ هل يمكن أن يكون المصنوع بلا صانع؟ كل هذا كان كذلك منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد انأ لا أرى الله في هذه الأشياء الرتيبة. هذه الحجارة التي لا تحس ولا تعقل إنما أنا أريد أن أراه في الإنسان الذي لا رتابة فيه واكتفي هنا بالسؤال هل أطفأ الله حريقا؟ هل شفى مريضا؟ هل أطعم جائعا؟ دلني على بصمة واحده لله هنا أو أي أثر في أحداث العالم.... فأوقف ما كان متحركا وحرك ما كان ساكنا؟.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

عندما يبحث الإنسان عن شيء ما لابد أن يمر بثلاث خطوات.

 الخطوة الأولى: أن يحدد بدقة ما يُريد البحث عنه وإلا سوف يبحث عن فراغ.

 الخطوة الثانية: أن يحدد الجهة التي يتوقع فيها وجوده حتى لا يكون بحثه في الفراغ.

 الخطوة الثالثة: أن يحدد أدوات البحث والطرق التي تمكنه من الوصول إليه.

وهذه الخطوات من البديهيات التي يلتفت إليها كل عاقل، وفي الأمور البسيطة واليومية يتعامل الإنسان مع هذه الخطوات بحالة من العفوية والارتجالية، أما في البحوث العلمية فإن العلماء يراعون كل هذه الخطوات خطوة بخطوة، فمثلاً لو أراد العلماء تحديد المسؤول عن انتشار مرض معين، فأولاً، سوف يحددون الهدف الذي يبحثون عنه وهو الفيروسات مثلاً، وثانياً يحددون مصدر هذه الفيروسات وأين يمكن أن يجدونها، وثالثاً سوف يختارون المعدات المناسبة لاكتشاف هذه الفيروسات.

وهذه الخطوات حاكمة في كل شيء حتى لمن يبحث عن الله سبحانه وتعالى. فمن كان جاداً في البحث عن الله لابد أن يتبع الخطوات السابقة.

الخطوة الأولى: أن يحدد ما يبحث عنه، فإذا كان يبحث عن الله، فلابد أن يلتزم بصفات من يريد البحث عنه، فالله ليس واحداً من الخلق ولا يشبه الخلق في صفاته، فلو كان واحداً منها لكان مخلوقاً مثلها. وليس للإنسان الملحد أن يفرض تصوراً معيناً عن الله ثم يطالب المؤمن أن يدله عليه؛ لأن ما يتصوره الملحد لا يعترف به المؤمن ولا يصدق به، وعلى ذلك لو أراد الملحد أن يبحث عن إله المؤمن فعليه أن يبحث عن الإله كما يصفه المؤمن. وقد عرفه المؤمنون بتعريفات محددة مثل قول الإمام علي عليه السلام (أول عبادة اللّه معرفته وأصل معرفة اللّه توحيده ونظام توحيد اللّه نفي الصفات عنه لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق‏  وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث فليس اللّه عرف من عرف بالتشبيه ذاته‏  ولا إياه وحد من اكتنهه‏  ولا حقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من نهاه‏  ولا صمد صمده من أشار إليه‏  ولا إياه عني من شبهه ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من توهمه. كل معروف بنفسه مصنوع وكل قائم في سواه معلول بصنع اللّه يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته‏  خلق اللّه الخلق حجابا بينه وبينهم ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره وادوات اياهم دليل على ان لا اداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدّين، واسماؤه تعبير وافعاله تفهيم وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغبوره تحديد لما سواه فقد جهل اللّه من استوصفه وقد تعداه من اشتمله‏ وقد أخطأه من اكتنهه ومن قال: كيف فقد شبهه ومن قال: لم؟ فقد علّله ومن قال: متى؟ فقد وقته ومن قال: فيم؟ فقد ضمنه ومن قال: إلام؟ فقد نهاه ومن قال: حتّام فقد غياه‏ ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزأه ومن جزّأه وصفه و من وصفه فقد الحد..).

الخطوة الثانية: وهي تحديد الجهة التي يتم البحث فيها، ومن الواضح أن الله الذي تحدث عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطوة الأولى لا يمكن البحث عنه بين المخلوقات؛ لأنه وبكل بساطة ليس كمثله شيء فلو كان مخلوقاً لما صح أن يكون إلهاً، وعليه فإن الذي يبحث عنه بين الأشياء لا يزداد إلا عناء. فالذي يبحث عن الله في المستشفيات وكأنه طبيب من بين الأطباء، لا يمكن أن يراه.

 الخطوة الثالثة: الأدوات والوسائل التي تمكننا من البحث عن الله، وبما أن الله ليس شبيهاً بالخلق فحينها لا تكون الحواس طريقاً موصلاً إليه، فالذي لم يرى الله يشفي مريضاً، أو يطفئ حريقاً، أو يشبع جائعاً؛ لأنه أراد رؤية كل ذلك بحواسه المادية، أما من ينظر بنور البصيرة، ويرهف السمع لنبضات قلبه وندا فطرته سوف يرى الله متجلياً في كل شيء، فمع كل نفس هناك إله رحيم، ومع كل فعل هناك إله قدير، ومع كل روعة هناك إله جميل، ومع كل تطور هناك إله عليم، ومع كل أنين هناك إله لطيف، وهكذا الله ظاهر لخلقه في كل شيء ولو لا لطفه ورحمته لكنا نسياً منسيا.