هل في الإسلام حروب دينية؟

وسام/: الغنائم هي أصل الحروب الدينية وغايتها!

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

مصطلح الحروب الدينية أو الحروب المقدسة من المصطلحات الحديثة التي تنتمي إلى القرون القليلة الماضية، إذ بدأ استخدامها من خلال نصوص القرن السابع عشر بسبب انقسام المسيحية ايام الإصلاح البروتستانتي عام 1517م، ويعتقد بعض الباحثين أن الحروب المصنفة دينية لها تداعيات علمانية سياسية أو اقتصادية، وقد شهد الغرب كثير من تلك الحروب مثل حرب الثلاثون عاماً في أوربا، والحرب الدينية الفرنسية، وهكذا الحال في كل الحروب التي لها علاقة بالاصطفاف الديني، مثل الحروب الصليبية وحرب البوسنة ويمتد الأمر ليشمل حتى الهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالمية في 11 من سبتمبر، وعليه فإن مصطلح الحرب الدينية يشمل كل حرب مسببة أو مبررة من أساسها بسبب الاختلافات الدينية، وعلى ذلك يمكننا الجزم بأنه لا وجود لهذا المصطلح في الإسلام سوى على مستوى النصوص الشرعية أو على مستوى الاستخدام الفقهي والعقدي بين المسلمين؛ بل يمكننا القول بعدم وجود مصطلح أخر في الإسلام مساوي لمصطلح الحروب الدينية معناً ودلالة، وعلى ذلك يصبح تفسير الجهاد بالحروب الدينية خطأ غير مبرر؛ لأن الجهاد له معاني ودلالات خاصة ليس من بينها الحرب القائمة على الاختلافات الدينية، وهذا واضح في النصوص الشرعية التي جعلت الجهاد قائماً على معاني دقيقة أساسها العدل ورفض الظلم وإعطاء الحق في الرد على المعتدي، ومن أجل ذلك فإن الجهاد في الإسلام يشمل كل جهد يبزله الإنسان في سبيل إقامة الحق وبسط العدل، ابتداءً من تربية النفس وتهذيبها التي اُعتبرت جهاداً اكبر في قبال الجهاد الأصغر وهو الجهاد بالسيف، مروراً بجهاد شياطين الجن والإنس الذي يسعون في الأرض الفساد، مضافاً إلى جهاد الفكر والمعرفة والبحث عن الحقيقة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69 العنكبوت)، وانتهاءً بالقتال الذي يأتي في مرحلة متأخرة بعد أن يعمل الإسلام على اصلاح الإنسانية وتربيتها. ومع أن الحروب متعلقة بالشأن البشري بسبب التباين في المصالح، إلا أن السلام لا يجيزها على هذا النحو حيث يحرم الظلم والتعدي على حقوق الاخرين، وقد حدد القرآن ضابط دقيق للحروب الإسلامية بقوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190] وقد حرمت الآية بشكل واضح وصريح الاعتداء في حين سمحت بحمل السيف في وجه الظالم والمتعدي، وقال تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} وتبين هذه الآية أن قتال المشركين ليس لأنهم مشركين وإنما لكونهم مقاتلين، وعليه فإن القتال في القرآن يقوم بدور تنظيم سنة التدافع البشري ويقيمها على أساس الحق ورد الظلم ونصرة المستضعفين قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (30) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40 الحج). وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) (75 النساء)، والدليل على أن القرآن لا يحبذ القتال ويفضل السلم والتفاهم هو امره بترك القتال في حال توقف الاعتداء قال تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (61 الانفال).

وفي المحصلة لا وجود لحروب دينية في الإسلام، وإنما هناك حروب من اجل دفع الظلم وإقامة الحق ورد المعتدي وهذا مبرر عقلاً قبل أن يكون مبرر شرعاً، أما ما حدث في التاريخ الإسلامي من فتوحات إسلامية فلا يتحمل تبعاته الإسلام كدين طالما لم يأمر بالاعتداء على المسالمين، ومن هنا لا يكون الإسلام مسؤول عما حدث من تجاوزات في ما يسمى بالفتوحات الإسلامية، مع أن البعض قد يحاول أن يبرر لتلك الفتوحات بوصفها ضرورة لنشر الرسالة وليس فيها تعدي على الاخرين، إلا أن هذا النوع من التبرير غير ضروري ولا يمتلك دافعاً اخلاقياً واضحاً؛ لأن الدعوة إلى الإسلام في الأدب القرآني قائمة على ركيزة الحوار والجدال بالتي هي احسن: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل 125). وليس فيها اعتداء على المناطق الآمنة والسيطرة على مقدراتها وثرواتها واسترقاق رجالها ونسائها، وحتى لو سلمنا بأن الفتوحات قد ساعدت بالفعل على نشر الدعوة إلا أن الغاية مهما كانت مقدسة لا تبرر الوسيلة، فالغزو واحتلال أراضي الغير والقتل والتشريد والسبي واخراج الناس من بيوتها الآمنة كله محرم إسلامياً، وعليه إذا كان الإسلام في دعوته يعتمد الحوار والإقناع فما هو المبرر أن تغزوا أراضي الغير مع إمكانية الدعوة عبر ارسال الدعاء والمبلغين؟ ومن هنا لا نجد أنفسنا مضطرين للدفاع عما صنعته السياسيات التاريخية سوى في عهد الخلفاء أو في عهد الإمبراطورية الاموية والعباسية.