هل الدينُ مفهومٌ ثقافي؟

أرى ان الدين مفهوم ثقافي عام يتجاوز حدود العقائد والشعائر، فهل وصف حزب معين او تيار بأنه اسلامي اختزال لهذا المفهوم ونفي صفة الدين او الاسلام عن غيره؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : قبلَ الإجابةِ على السّؤالِ لابدَّ منَ التوقّفِ عندَ رؤيةِ السّائلِ لمفهومِ الدّين، حيثُ قدّمَ لسؤالِه ببيانِ رؤيتِه بقوله: (أرى أنَّ الدّينَ مفهومٌ ثقافيٌّ عامٌّ يتجاوزُ حدودَ العقائدِ والشعائر)، ولا نسعى لتحميلِ هذهِ العباراتِ ما قد يكونُ غيرَ مقصودٍ للسّائل، ولذا سوفَ نتوقّفُ عندَ حدودِ ما صرّحَ به، وعليهِ لابدَّ مِن إبداءِ بعضِ التحفّظاتِ على مقولةِ أنَّ الدّينَ مفهومٌ ثقافي، فكلُّ ما نخشاه أن تقودَ هذهِ العبارة إلى رسمِ تصوّرٍ فضفاضٍ تضيعُ معهُ المعالمُ والمحدّداتُ الأساسيّةُ للدّين، وبخاصّةٍ عندَما يؤكّدُ على أنَّ هذا المفهومَ الثقافيَّ متجاوزٌ لحدودِ العقائدِ والشّعائر، الأمرُ الذي يتمُّ معهُ اختصارُ الإسلامِ في الرؤيةِ العامّة التي ترسمُها المجتمعاتُ كهويّةٍ ثقافيّة، ومنَ الواضحِ أنَّ الإسلامَ الذي يكونُ وصفاً للهويّةِ المُجتمعيّة لا يهتمُّ كثيراً بالمُحدّداتِ العقائديّةِ والشعائريّة وإنّما يكتفي بالوصفِ العامِّ فيقالُ (مجتمعٌ إسلامي) حتّى لو كانَ يحملُ تبايناً حادّاً بينَ مكوّناتِه، ويبدو أنَّ هذه الخلفيّةَ هيَ التي دفعَت السائلَ للاستفسارِ عن إمكانيّةِ مصادرةِ الإسلامِ لصالحِ تيّارٍ واحدٍ دونَ غيرِه منَ التيّارات، ومعَ أنَّ الإجابةَ بالنّفي على هذا السّؤالِ غيرُ متوقّفةٍ على جعلِ الإسلامِ مفهوماً ثقافيّاً عامّاً حتّى يصبحَ وصفاً للجميع، وإنّما يمكنُ وصفُ الجميعِ بالإسلامِ طالما التزموا بالمُحدّداتِ والشروطِ التي وضعَها الإسلامُ للمُنتمينَ إليه، وهذهِ المُحدّداتُ لا يمكنُ أن تتجاوزَ حدودَ العقائدِ والتشريعات لكونِها تُمثّلُ الشروطَ الأساسيّةَ لتحقيقِ الانتماءِ للإسلام، بل حتّى الثقافةُ بمعناها الحقيقيّ لا تكونُ مُكتملةً إلّا مِن خلالِ الخلفيّة ِالعقائديّةِ التي تقومُ عليها، فالثقافةُ في حقيقتِها هيَ الرّؤى التي تؤثّرُ وتوجّهُ السّلوكَ الإنسانيّ، ومنَ المؤكّدِ أنَّ هذه الرّؤى لا تأتي منَ الفراغ وإنّما هناكَ قيمٌ تُشكّلُ الخلفيّةَ الطبيعيّةَ لها، ومصدرُ هذه القيمِ هيَ الخلفيّةُ العقائديّة والتصوّرُ المعرفيُّ الذي يحملهُ الإنسانُ حولَ الوجودِ والكونِ والإنسان، ومِن هُنا لا يمكنُ عزلُ الإسلامِ كثقافةٍ وكموجّهٍ سلوكيٍّ عن خلفيّتِه العقائديّة، وكذلكَ الحالُ في التشريعات بوصفِها سلوكيّاتٍ عمليّةً لا يمكنُ عزلها عن الثقافةِ التي تحرّكها، وهي بدورِها تقودُنا مِن جديد إلى قيمِ التشريعِ وغاياتِه التي توصلنا إلى الاعتقادِ في خاتمةِ المطاف. وفي المُحصّلةِ لا يمكنُ أن نوافقَ على كونِ الدينِ مفهوماً ثقافيّاً عامّاً يتجاوزُ حدودَ العقيدةِ والتشريع، وفي المقابلِ يمكنُ تفهّمُ كونِ الدينِ ثقافةً محرّكةً للسّلوكِ الإنسانيّ ودافعةً له نحوَ الكمال، وقوامُ هذهِ الثقافةِ هيَ ما تمتلكه مِن نظامٍ عقديٍّ ومنظومةٍ قيميّةٍ وتشريعاتٍ سلوكيّة، كوحدةٍ متكاملةٍ ومتفاعلةٍ لا يستغني أحدُهما عن الآخر. أمّا فيما يخصُّ السّؤالَ يبدو أنَّ مقصودَ السّائلِ هو الحركاتُ الإسلاميّة، أو التيّاراتُ السياسيّة التي ترفعُ شعاراً إسلاميّاً في قبالِ الأحزابِ الأخرى التي لا تتبنّى هذا الشعارَ، فهل وصفُها بالإسلاميّة يُخرجُ غيرَها من دائرةِ الدّين والإسلام؟ منَ الواضحِ أنَّ العملَ السياسيَّ ليسَ منَ المُحدّداتِ التي يفرضُها الإسلامُ على أتباعِه، فيمكنُ أن يكونَ الإنسانُ مسلماً وهوَ بعيدٌ تمامَ البُعدِ عن السّاحةِ السياسيّة، وهكذا حالُ مَن يعملُ في الحقلِ السياسي سواءٌ انطلقَ مِن خلفيّةٍ إسلاميّة أو غيرِ إسلاميّة فإنَّ ذلكَ لا يؤثّرُ في هويّتِه الإسلاميّة طالما التزمَ الجميعُ بالشروطِ والمُحدّداتِ التي تستوجبُ الانتماءَ للإسلام، وتبقى المساحةُ الاجتهاديّة في العملِ السياسيّ محفوظةً بينَ مَن يرى ضرورةَ العملِ السياسيّ مِن خلفيّةٍ إسلاميّة وبينَ مَن لا يرى ذلك.