ما هوَ نظرُ الإسلامِ للمرأة؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

تركّزَ الخطابُ القرآنيُّ في مُجملِه على الإنسانِ من دون النظرِ إلى القالبِ الذي هوَ فيه، فالذكورةُ والأنوثةُ في نظرِ القرآنِ لا علاقةَ لها بالإنسانيّةِ لكونِها مُتحقّقةً بالطرفينِ معاً، ومِن هُنا ليسَ منَ الصّحيحِ مُطالبةُ الإسلامِ بأن يكونَ له نظرةٌ خاصّةٌ للمرأةِ طالما لم يُميّز بينَهما في الإنسانيّة، فليسَ هناكَ إسلامٌ للرّجالِ وإسلامٌ آخرُ للنّساء، وإنّما الإسلامُ حقيقةٌ واحدةٌ تتضمّنُ رؤيةَ السّماءِ للإنسان، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدحًا فَمُلَاقِيهِ)  وقالَ: (وما خلقت الجنّ والإنسَ إلا ليعبدون) وعليهِ فإنَّ النزاعَ الدّائرَ بينَ أنصارِ الرّجالِ وأنصارِ النساءِ لا علاقةَ له بالإسلامِ؛ لكونِه نزاعاً يتجاوزُ حدودَ الإنسانِ، وما هوَ خارجٌ عَن حدودِ الإنسانِ لا يُمثّلُ هدفاً لخطابِ القرآن.  

أمّا مِن جهةِ الثقافةِ البشريّة وما اعتادَ عليهِ البشرُ في واقعِ حياتِهم الاجتماعيّة، فهناكَ تمييزٌ واضحٌ بينَ الرّجلِ والمرأةِ إلى درجةٍ يكونُ بينَهما نوعٌ منَ التناقضِ والتباين، والسّببُ في ذلكَ أنَّ الإنسانَ في العادةِ يبني ثقافتَه ومعارفَه ويُحدّدُ مواقفَه منَ الأشياءِ انطلاقاً مِن صراعِ المصالحِ الذي تفرضهُ الحياة، فالإنسانُ بطبعِه منفعلٌ بالظرفِ الخارجي وما فيهِ مِن مصالحَ ومفاسدَ شخصيّة، وفي طولِ التاريخِ تمكّنَ الرّجلُ القويُّ منَ التغلّبِ على المرأةِ الضّعيفة، وأدّى ذلكَ إلى حرمانِ المرأةِ من بعضِ حقوقِها كإنسانٍ مثلها مثلُ الرّجل، وعليهِ مشكلةُ المرأةِ والرّجلِ مشكلةٌ لها علاقةٌ بالثقافةِ التي تربّت عليها البشريّة، ومظالمُ المرأةِ تُشكّلُ واحدةً منَ المشاكلِ التي جاءَ الإسلامُ مِن أجلِ مُعالجتِها، ولذلكَ لا يمكنُ أن نتصوّرَ أنَّ الإسلامَ جاءَ لكي يُعزّزَ تلكَ المظالمَ أو لكي يزيدَ الشرخَ بينَ طرفي الإنسان.  

ولا يعني هذا أنّنا نتنكّرُ على الفوارقِ الفسيولوجيّةِ بينَ الذكرِ والأنثى، أو أنّنا نرفضُ اختلافَ الأدوارِ بحسبِ البُنيةِ الطبيعيّةِ للطرفين، وإنّما نرفضُ أن يكونَ أيٌّ مِن هذهِ الفوارقِ شرطاً في إنسانيّةِ الإنسانِ، فالخطابُ القرآنيُّ لا يهملُ تلكَ الاختلافاتِ بينَ الرّجلِ والمرأة، وإنّما يعملُ على تقديمِ التوجيهاتِ التي توظّفُ هذهِ الاختلافات مِن أجلِ المشروعِ الإنسانيّ بأكملِه، فمثلاً بدلَ أن توظّفَ قوّةُ الرّجلِ لظُلمِ المرأةِ وأخذِ حقوقِها يعملُ على توظيفِها إيجابيّاً فيجعلهُ مسؤولاً عن معيشةِ أسرتِه ومُديراً لشؤونِها الخارجيّة، وبدلَ أن تكونَ عاطفةُ المرأةِ سبباً في  ضعفِها ومِن ثمَّ مصادرةِ حقّها نجدُه يجعلُ منها رباطاً منَ العطفِ والحنانِ تربطُ به أفرادَ أسرتِها، وبدلَ أن يكونَ جسدُ المرأةِ معروضاً أمامَ كلِّ الطامعينَ وتسحقُ بذلكَ كرامتَها، نجدُ الإسلامَ جعلهُ ستراً مصوناً لا ينكشفُ إلّا على مَن يريدُ أن يكوّنَ معها أسرةً، وهكذا ينظرُ الإسلامُ لكلِّ الفوارقِ والاختلافاتِ على أنّها عواملُ تطوّرٍ وتكامل للمشروعِ العامِّ وهوَ مشروعُ الإنسان.  

فهناكَ فوارقُ شاسعةٌ بينَ ثقافةِ القرآنِ وبينَ ثقافةِ البشر، فبينَما تعملُ ثقافةُ القرآنِ على التوظيفِ الإيجابيّ للتباينِ الظاهري بينَ المرأةِ والرّجل، ومِن ثمَّ تأسيسِ حياةٍ تكامليّةٍ يكونُ فيها الإنسانُ هوَ خليفةَ اللهِ في أرضِه، نجدُ الثقافةَ البشريّةَ تعملُ على تحويلِ ذلكَ التكاملِ إلى صراعٍ وتناحرٍ تضيعُ فيه المرأةُ وتُمحَقُ إنسانيّتُها وتتحوّلُ إلى متاعٍ يباعُ ويُشترى، ومنَ المؤسفِ أن ننتقلَ بالثقافةِ البشريّةِ المُنحرفةِ للقرآنِ ونفرضَ عليهِ ذلكَ النزاعَ والتخاصمَ بينَ المرأةِ والرّجلِ، فالقرآنُ ليسَ في واردِ التمييزِ بينَهما أو الانتصارِ لأحدِهما، وإنّما في واردِ التحليقِ بالإنسانِ في سماءِ الحقيقةِ والفضيلةِ بكِلا جناحيه الذكرِ والأنثى، ولا يمكنُ أن تنعُمَ البشريّةُ بحياةٍ طيّبةٍ إلّا مِن خلالِ ثقافةِ القرآنِ التي ترشدُ كلّاً منَ المرأةِ والرّجلِ إلى العملِ الصّالحِ بعيداً عن الأنانيّاتِ واستغلالِ الفوارقِ للمكاسبِ الآنيّة، قالَ تعالى: (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)   

وفي المُحصّلةِ أنَّ الثقافةَ البشريّةَ المُنحرفةَ هيَ التي حوّلَت الاختلافاتِ الطبيعيّةَ بينَ المرأةِ والرجلِ إلى نقمة، بينَما ثقافةُ القرآنِ نظرَت لها منَ الأساسِ على أنّها نعمةٌ لا تستمرُّ الحياةُ الطيّبةُ مِن دونِها، وكلُّ ما يقالُ عَن ظلمِ الإسلامِ للمرأةِ ليسَ إلّا محاولةً لخداعِ المرأةِ وإخراجِها عَن دورِها التكامليّ معَ الرّجل، فالمرأةُ في الإسلامِ هيَ الأمُّ والأختُ والابنةُ والعمّةُ والخالة والجدّة والزوجة، وقد كلَّفَها اللهُ مع الرّجلِ في النهوضِ بمُهمّةِ الاستخلافِ في الأرض، ومِن أهمِّ

أدوارِها تربيةُ الأبناءِ وتنشئتهم تنشئةً سويّةً، ومِن ثمَّ بناءُ المُجتمعِ الإنسانيّ القائمِ على قيمِ التوحيدِ وفضائلِ الأخلاق، فهيَ على نفسِ الدّرجةِ مع الرّجلِ في التكريمِ والإجلال.  

وهناكَ الكثيرُ منَ الكتبِ والدراساتِ التي تطرّقَت لموضوعِ المرأةِ وردَّت على كلِّ الإشكالاتِ التي يروّجُ لها البعضُ فيما يخصُّ المرأة، ننصحُ السّائلَ بضرورةِ الرّجوعِ إليها فنحنُ هنا اكتفينا برسمِ الإطارِ العامِّ الذي يجبُ أن نفهمَ فيه الخطابَ القرآني.