هل يمكنُ رصدُ بعضِ نتائج العولمةِ السّلبية؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

العولمةُ مِن حيثُ المبدأ فكرةٌ مقبولةٌ ولا تتعارضُ معَ الإسلامِ كمشروعٍ عالميّ لا يعترفُ بالحدودِ والقوميّات، وإنّما يستهدفُ الإنسانَ بما هوَ في أيّ مكانٍ وزمان، فرسالةُ اللهِ لجميعِ العبادِ وخطابهُ لجميعِ البشر، قالَ تعالى: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) وقالَ: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِّلعَالَمِينَ)، واعتبرَ القرآنُ التبايناتِ العرقيّةَ والثقافيّةَ منَ المكاسبِ الإيجابيّة التي تُمكّنُ البشريّةَ منَ التعاونِ والتكامل، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وحرّمَ الإسلامُ على المؤمنينَ أيَّ شكلٍ مِن أشكالِ السُّخريةِ والاستهزاءِ بالآخرين، قالَ تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيرًا مِّنهُم وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيرًا مِّنهُنَّ ۖ وَلَا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ ۖ بِئسَ الِاسمُ الفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّم يَتُب فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقد ذكّرَ القرآنُ الإنسانيّةَ بأصلِها المُشتركِ في قولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) ومِن كلِّ ذلكَ جازَ لنا أن نقولَ أنَّ الإسلامَ يدعو للعولمةِ على أساسِ التوحيدِ ومكارمِ الأخلاقِ والتعاونِ المُشترك، فالإسلامُ ضمنَ هذه الرؤيةِ يجبُ أن يكونَ مُبادِراً وفاعِلاً وليسَ مُجرّدَ مُتلقٍّ ومنفعلٍ بعولمةِ الآخرين.   

فمنَ المُؤكّدِ أنَّ الإسلامَ لم يضَع حدوداً أمامَ الأمّةِ الإسلاميّة في انفتاحِها على الأممِ الأخرى، إلّا أنّنا يجبُ أن نُفرّقَ بينَ الأمّةِ التي أرادَ الإسلامُ أن يواجهَ بها الأممَ الأخرى، وبينَ الواقعِ الفعليّ للأمّة، فمنَ المعروفِ أنَّ انفتاحَ الشعوبِ والأممِ على بعضِها يصاحبُه تأثيرٌ وتأثّر، وكلّما كانَت الأمّةُ قويّةً ومتماسكةً فكريّاً وثقافيّاً وتحملُ مشروعاً ورؤيةً حضاريّةً واضحةً كلّما كانَ تأثيرُها قويّاً على الأممِ الأخرى، إلّا أنَّ الواقعَ الفعليَّ للمُسلمين يجعلُهم أكثرَ عُرضةَ للتأثّرِ والانفعالِ السلبي، فالواقعُ الرّاهنُ يشهدُ بأنَّ العولمةَ الغربيّةَ هي التي غزَت المسلمينَ في عُقرِ دورِهم، ومعَ الأسفِ لم يكونوا مُستعدّينَ لذلكَ لا ثقافيّاً ولا سياسيّاً ولا اقتصاديّاً ولا اجتماعيّاً، فأصبحوا بذلكَ عُرضةً للذوبانِ والاستسلامِ أمامَ كلِّ ما تشترطهُ العولمةُ الحديثة، فتقلّصَت بشكلٍ كبيرٍ هوامشُ المبادرةِ الإسلاميّةِ والعربيّة.  

وإذا تتبّعنا الوضعَ الذي يعيشهُ العالمُ اليومَ لوقفنا على هيمنةِ القُطبِ الواحدِ على كلِّ مفاصلِ الحياةِ الإنسانيّة، وقد صُودرَت كلُّ الخياراتِ الخاصّةِ بالإسلامِ لصالحِ الخياراتِ التي تطرحُها الحضارةُ الغربيّة، وليسَ الأمرُ مُتوقّفاً على النظمِ السياسيّةِ ومفاهيمِ الحُكمِ والدولة، أو النظمِ الاقتصاديّةِ والتجارةِ الدوليّةِ أو النظمِ التي تحكمُ علاقةَ المُجتمعاتِ الداخليّة، أو النظمِ التعليميّةِ والإعلاميّة، بل وصلَت الهيمنةُ والتأثيرُ إلى مستوى تبدّلَت معهُ الشخصيّةُ التقليديّةُ للإنسانِ المُسلم، ففرضَت العولمةُ سلوكَها وآدابَها وثقافتَها الحياتيّةَ ابتداءً مِن طريقةِ اللبسِ والأكلِ وانتهاءً برفعِ كلِّ الحدودِ الفاصلةِ بينَ الرّجالِ والنساء.   

صحيحٌ أنَّ هناكَ مكاسبَ إيجابيّةً للعولمةِ مثلَ انتقالِ العلومِ والمعارفِ والتكنلوجيا الحديثة، إلّا أنّنا كمسلمين مُجرّدُ مستهليكنَ غيرُ مُساهمين، وما نعيشُه مِن ضعفٍ وهوانٍ جعلنا غيرَ مُستعدّينَ لمواجهةِ الحضارةِ العالميّةِ فأصبَحنا لقمةً سائغةً تلتهمُها الحضارةُ الغربيّةُ بكلِّ يسرٍ وسهولة، فلم تكُن الأمّةُ الإسلاميّةُ مُستعدّةً على مُستوى الهويّةِ الإسلاميّةِ أو حتّى الهويّةِ الوطنيّة، ولم تكُن مستعدّةً على مُستوى التجارةِ والاقتصادِ حيثُ ابتلعَت العولمةُ الغربيّةُ كلَّ خياراتِ المُسلمين، ولم تكُن مُستعدّةً سياسيّاً حيثُ أصبحَت حكوماتُنا ألعوبةً بيدِ الغربيّينَ، وهكذا أصبَحنا مُنفعلينَ ومتأثّرينَ أكثرَ مِن كونِنا فاعلين.