ما معنى أن الله يستهزئ ويمد في الطغيان؟

سعيد محمد/العراق/: جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (سورة البقرة 15) فالآية بظاهرها تقرر أن الله (يستهزئ) وأنه يمد في (الطغيان) فالاستهزاء صفة مذمومة، ومدِّ الناس بالطغيان انما هو من عمل الشيطان وهذا وذاك خلاف العدل الإلهي.

: اللجنة العلمية

الأخ العزيز سعيد محمد ، لو راجعتَ تفاسيرَ القرآن الكريم سيتّضحُ لك المعنى جليّا وسوفَ أذكرُ لك ما قالهُ صاحبُ تفسير مواهب الرحمن ج1 ص96.

الإستهزاءُ ‌هو‌ الإستخفافُ‌ والسخريّة. والمدّ: ‌هو‌ الزيادة. والطّغيان‌: التجاوزُ ‌عن‌ الحد. والعمه‌: التحيّر.

والمعنى: ‌إنّ‌ اللّه‌ سبحانه‌ وتعالى‌ يُجازيهم‌ بالعقاب‌ ويعاملُهم‌ معاملةَ المستهزئ‌ بهم‌ ويَدعهم‌ ويُمهلهم‌ ‌في‌ فعلهم‌ وتسمية ‌ذلك بالاستهزاء ‌من‌ باب‌ التجانس‌ اللفظي‌ فقط ‌کما‌ ‌في‌ ‌قوله‌ ‌تعالى‌: وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُها [‌سورة‌ الشورى‌، ‌الآية‌: ٤٠]، وقوله‌ ‌تعالى‌: فَمَن‌ِ اعتَدى‌ عَلَيكُم‌ فَاعتَدُوا عليه بمثل مَا اعتَدى عَلَيكُم‌ [‌سورة‌ البقرة، ‌الآية‌: ١٩٤] فإنّ‌ جزاء الظلم‌ ليس‌ بظلم‌.

وإستهزاءُ اللّه‌ ‌تعالى بهم‌ ‌لا‌ يختصُّ‌ بعالم‌ دونَ‌ عالم‌ و‌لا‌ بأمرٍ دون‌ آخر فمِن‌ْ ‌ذلك سلبُ‌ توفيقاته‌ وتأييداته‌، ‌أو‌ إجراؤه‌ ‌تعالى‌ أحكام‌َ الإسلام‌ ‌عليهم‌ ‌في‌ الدّنيا وليس‌ ‌لهم‌ حظٌّ منها ‌في‌ الآخرة وكونهم‌ ‌في‌ الدّركِ‌ الأسفل‌ ‌من‌ النّار وهذا‌ ‌من‌ أشدّ أنحاء الإستهزاء بهم‌ ويزيدهم‌ ‌في‌ تحيّرهم‌ وعدم‌ِ اهتدائهم‌ للصواب‌ والحقّ‌ جزاءاً بما‌ كانوا يعملون‌ وعقوبةً ‌لهم‌ ‌على‌ استهزائهم‌.

و ‌هذه‌ ‌الآية‌ مثل‌ سائر الآيات‌ المباركة ‌الّتي‌ سبقت‌ مساقها كقوله‌ ‌تعالى‌: فَنَذَرُ الذين لا يرجون لِقاءَنا فِي‌ طُغيانِهِم‌ يعمهون [‌سورة‌ يونس‌، ‌الآية‌: ١١]، وقوله‌ ‌تعالى‌: وليزيدن كَثِيراً مِنهُم‌ ما أنزل إليك مِن‌ ربك طُغياناً وكُفراً [‌سورة‌ المائدة، ‌الآية‌: ٦٤] وغيرها ‌من‌ الآيات‌ الشريفةِ الموافقةِ لقانون‌ الطّبيعة بالنسبة ‌إلى‌ النفوس‌ الشرّيرة. وتقدّم‌ ‌في‌ خداع اللّه‌ ‌تعالى‌ ‌لهم‌ بعض‌ الكلام‌ فراجع‌.

و ‌هذه‌ ‌الآية‌ ‌في‌ مقام‌ التسلية للنبي‌ (صلّي‌ اللّه‌ ‌عليه‌ وآلة‌) وسائر أنبيائه‌ ‌قال‌ ‌تعالى‌: ما يَأتِيهِم‌ مِن‌ رسول إِلّا كانُوا به يستهزؤون [‌سورة‌ يس‌، ‌الآية‌: ٣٠] والمؤمنين‌ أيضا، وحيثُ‌ ‌أنّ‌ الاستهزاء بأنبياء اللّه‌ يرجعُ‌ ‌إلى‌ الاستهزاء باللّه‌ ‌تعالى‌ فنسبَ‌ جزاءَ المستهزئين‌ بهم‌ ‌إلي‌ نفسه‌ ‌فقال‌ ‌تعالى‌: الله يستهزئ بِهِم‌ وقال‌ ‌تعالى‌: فَسَيَأتِيهِم‌ أَنبؤُا ما كانُوا بِه‌ِ يستهزؤون [‌سورة‌ الشعراء، ‌الآية‌: ٦]، و‌قال‌ ‌تعالى‌: وحاق بِهِم‌ ما كانُوا به يَستَهزِؤُن‌َ [‌سورة‌ الزمر، ‌الآية‌: ٤٨]، فيصحّ‌ ‌أن‌ يُقال‌: الله يستهزئ بِهِم‌ جزاءاً لأعمالهم‌ ‌أو‌ حاق بِهِم‌ ما كانُوا بِه‌ِ يَستَهزِؤُن‌َ.