افتاء فقهاء الشيعة الإمامية بكفر المخالفين.

نص الشبهة: السلام عليكم / ما هو تفسير كلام السيد الخوئي رحمه الله في النص الذي سأذكره ادناه بخصوص 1ـ ما ورد في الفقرة الاولى والرابعة من وجوب التبري من المخالفين ولعنهم وسبهم والوقيعة فيهم ولا شبهة في كفرهم مع الاخذ بنظر الاعتبار ان كلامه كان عن عموم المخالفين وليس محصور (بالنواصب) كما ان ظاهر النص يدل على العموم وليس التقييد بفئة معينة من ظلمة اهل البيت (ع) او الخلفاء والحكام  2ـ في كون المخالفين ليسوا اخوتنا على نقيض ما ورد في كلام السيد السيستاني (حفظه الله) انهم (أنفسنا)  المصدر مصباح الفقاهة ـ تقرير ابحاث السيد الخوئي / ج1/ ص 503 (  حرمة الغيبة مشروطة بالايمان:  قوله: ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن.  أقول: المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمة  الاثني عشر (عليهم السلام)، أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره، ومن أنكر واحدا منهم جازت غيبته لوجوه:  1 - أنه ثبت في الروايات (1) والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، واكثار السب عليهم واتهامهم، والوقيعة فيهم أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب (2).  بل لا شبهة في كفرهم، لأن انكار الولاية والأئمة (عليهم السلام) حتى الواحد منهم والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة (3) الظاهرة في كفر منكر الولاية وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات.  ويدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة: ومن جحدكم كافر، وقوله (عليه السلام) فيها أيضا: ومن وحده قبل عنكم، فإنه ينتج بعكس  النقيض أن من لم يقبل عنكم لم يوحده بل هو مشرك بالله العظيم. وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر: أن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة (4).  وفي جملة من الروايات: الناصب لنا أهل البيت شر من اليهود والنصارى وأهون من الكلب، وأنه تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه (1). ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة، بل قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضلال، والوقيعة هي الغيبة.  نعم قد ثبت حكم الاسلام على بعضهم في بعض الأحكام فقط تسهيلا للأمر وحقنا للدماء.  2 - إن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق، لبطلان عملهم رأسا كما في الروايات المتظافرة (2)، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق كما عرفت، وسيجئ أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته.  3 - إن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي أنه لا إخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين، وهذا هو المراد أيضا من مطلقات أخبار الغيبة، لا من جهة حمل المطلق على المقيد لعدم التنافي بينهما، بل لأجل مناسبة الحكم والموضوع. على أن الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط، وسيأتي، فتكون هذه الروايات مقيدة للمطلقات، فافهم.  وقد حكي عن المحقق الأردبيلي تحريم غيبة المخالفين، ولكنه لم يأت بشيء تركن إليه النفس.  4 - قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين، بل سبهم ولعنهم في جميع الأعصار والأمصار، بل في الجواهر: أن جواز ذلك من الضروريات). تقرير الشبهة: إنّ علماء الشيعة يفتون بكفر المخالفين، وأقاموا على ذلك أدلة ذكروها في مطولاتهم، فكيف ينسجم ذلك مع كلام السيد السيستاني (حفظه الله) من أنّهم إخواننا، لأنّ الأخوّة تمنع جواز الغيبة.

: اللجنة العلمية

جواب الشبهة إجمالاً: 

إنّ كلام علمائنا (رحمهم الله من مضى وحفظ الله من بقي منهم) عن كفر المخالفين، لم يكن عن الكفر المصطلح الذي لازمه القول بنجاستهم، وعدم جواز النكاح منهم ... الخ، فإنّهم مُجمِعون على طهارتهم وجواز النكاح معهم وحلّ ذبائحهم ووو... الخ. بل مُرادهم الكفر العملي الذي سنبينه في الجواب التفصيلي.

الجواب التفصيلي: 

أولاً: إنّ ما ذكره المستشكل أو السائل مِن الفقرات، هي تقرير لأبحاث السيد الخوئي (رحمه الله) في كتابه مصباح الفقاهة(1) .

ثانياً: إنّ مراد السيد الخوئي (رحمه الله) من كل ما ذكره في فقرات الإستدلال التي جاء بها السائل، هو الحديث عن الكفر العملي وليس الكفر المصطلح. 

ثالثاً: إنّ الإيمان ينقسم إلى قسمين:

أ. الإيمان الظاهري، وقد يسمى بالإيمان النظري.

ب. الإيمان الواقعي، وقد يسمى بالإيمان العملي. 

وهذه التقسيمات التي جرت على الإيمان تجري على الكفر أيضاً.

وعلى هذا فمُراد السيد الخوئي (رحمه الله)، وباقي الفقهاء الذين أفتوا بكفر المخالفين هو الكفر العملي (الواقعي)، وليس الكفر الظاهري، والإسلام مبني على الإسلام الظاهري لا الواقعي، فكل من تشهّد الشهادتين فهو مسلم، وهذا ما عليه إجماع علماء المسلمين بما فيهم فقهاء الشيعة. 

إذا تبيّن هذا سيتضح لنا أنّ من أفتى بكفرهم فمُراده الكفر الواقعي العملي، ومن أفتى بإسلامهم فمُراده الظاهري، ولا تناقض بين القولين، وكلا الفريقين يقولون بأنّ أهل السنّة والجماعة إخوان لنا في الدين، وهذا لعمري واضح.  

رابعاً: إنّ هذه الحقيقة قد أشار إليها القرآن قبل ذلك في آيات عديدة، منها قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} (النساء 136).

 فماذا يعني مخاطبة من آمن بالله بأنْ يؤمنوا بالله، أ ليس معناه الآتي:( يا أيها الذين آمنوا بظاهرهم آمنوا إيماناً واقعياً وعملياً) 

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} (آل عمران 156).

أ ليس معنى هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا بظواهرهم وألسنتهم لا تكونوا كفاراً بأفعالكم).

خامساً: لو كان مُراد من أفتى بكفر المخالفين هو الكفر المصطلح، فكيف أفتوا بطهارتهم، وبجواز المصاهرة معهم، وحلّ ذبائحهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، إلى ما لا يُحصى من الأحكام التي تخص المسلمين؟

سادساً: إنّ السيد الخوئي (رحمه الله) كغيره من الفقهاء، إنّما جوزوا غيبة المخالف من جهة فسقه لا من جهة كفره، وهذه الجهة مشتركة بين المخالف والإمامي الإثني عشري الفاسق، أو المتجاهر بفسقه.

خلاصة الجواب: 

1 - إنّ الفقهاء حين حكموا بكفر المخالفين أرادوا بذلك الكفر العملي الذي يعمّ حتى الإمامي, وقد ورد مثل هذا الإستعمال في القرآن مواضع عدة.

2 - إنّ الفقهاء مُجمِعون على إسلام المخالفين، لذلك هم يفتون بجواز النكاح منهم، وجواز دفنهم في مقابر المسلمين، بل وجواز الصلاة خلفهم في كثير من الموارد.

3 - من خلال ذلك تبيّن أنّ مُراد مَنْ كفّرهم أراد بذلك كفرهم العملي، وهذا لا يتنافى مع ظاهر إسلامهم، ومن قال هم إخواننا مُراده إخواننا في الدين، لأنهم على ظاهر الإسلام.

___________________

  (1) مصباح الفقاهة للسيد الخوئي ج 1 / ص 503