ماذا لو فُسِّر الولي في آية الولاية بالصديق أو الناصر؟!

: السيد مهدي الجابري الموسوي

  إن ولاية علي (عليه السلام) وإمامته للأمة الإسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثابتة عندنا بالتواتر والدليل القطعي، وقد سطرت في ذلك مجلدات ودونت دونها المعاجم والقراطيس، ومن تلك الأدلة، قوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )(1) ، حيث وردت جملة وافرة من الروايات بلغت حدّ التواتر، تشير – كلها – إلى نزولها في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذلك حين تصدق بالخاتم على فقير في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكننا – للأسف – نجد مع كل هذا من يرفع عقيرته بإشكال مفاده: ليس المراد بالولي في الآية هو الأولى بالتصرف، بل المراد منه الصديق أو الناصر!!.

ماذا لو فُسِّر الولي بمعنى الصديق؟

إنّ الآية لو فسرت بهذا المعنى فإنّها ستعطي خلاف المعهود لوجود أداة الحصر (إنّما) إذ يكون معنى الآية كالتالي : (إنّما صديقكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون) أوتكون بهذا المعنى: (ليس لنا من صديق إلّا الله و رسوله و الذين يعطون الزكاة وهم راكعون) ، وهذا خلاف المعهود ؛ فالصداقة لا تنحصر بالثلاثة المذكورين فقط ، بل لم يعهد أن تطلق على العلاقة بين الله ورسوله ، والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون أنّها علاقة صداقة ؟!

وأيضا: أنّ علاقة الأخوّة هي أسمى من علاقة الصداقة وقد وسم المولى سبحانه المؤمنين بالأخوّة فقال عزّ من قائل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(2) ، ولذا لا يكون من المناسب أن نقصر الصداقة وطلب العون على مُعطي الزكاة وهو في حال الركوع في الصلاة وحده بينما نجد القرآن قد اعتبر جميع المؤمنين إخوة بعضهم لبعض؟!

وماذا لو فُسِّر الولي بمعنى الناصر؟ 

وأمّا لو فسّرنا لفظة (الولي) بالناصر، فإنّه حينئذٍ يكون كالتالي: (إنّما ناصركم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة حال ركوعهم في الصلاة) والحال أنّ النصرة -كما هو واضح- لا وجه لاختصاصها بفريق دون آخر ولا بأُناس دون آخرين وأوضح شاهد على ذلك قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)(3). 

وبلحاظ ما تقدّم تبيّن لنا: أنّ تفسير (الولي) في الآية - محلّ البحث- بالصديق أوالناصر، يناهض جملة من آيات القران الكريم بل يخالف المعهود كما تقدّم بيانه، ولو سلّم فلا وجه لحصر الصداقة والنصرة بالثلاثة المذكورين فإنّ الناصر و الصديق، معناهما عام ولايمكن حصرهما في أفراد أو جهات معيّنة دون غيرها ، مع وجود غيرهم من أهل النصرة والصداقة ، فلا وجه للاختصاص المذكور ؛ لذا لا يمكن الركون الى هذين المعنيين  في تفسير الآية .

وماذا لو فُسِّر الولي بمعنى الأولی بالتصرف؟

 وهنا إذا أردنا أن نفسر لفظة (ولي) الواردة في الآية الكريمة بمعنى (الأولى بالتصرف) فعلينا أن نلاحظ أن جعل هذا المعنى عامّاً بمعنى أن يكون كلّ أحد له الأمر والنهي علی العباد فهذا واضح البطلان من ناحيتين:

الأولى : واقعية خارجية ؛ لما فيها من أختلال النظام ، فإنّ نظام الدنيا قائم على الرئاسة والمرؤوسين كما يرشد إليه قوله تعالى : (رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً)(4).

والثانية : لـ محل (إنّما) الدالة على الحصر كما تقدّم بيانه ، بمعنى أن الولاية التي عُني بها الأولى بالتصرف ينبغي أن تكون محصورة بثلاثة لا غير : الله سبحانه تعالى، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن كانت صفته أنّه أدّى الصلاة وآتى الزكاة وهو في حال الركوع.

فان قلت: لا نسلّم انّ المراد بالولي المتوّلي للأمور والمستحق للتصرف فيها تصرفاً عاماً، بل لا بد أن يكون المراد الناصر، لأنّ كلمة (إِنَّمَا) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى، لأنّ الحصر يكون فيما يحتمل إعتقاد الشركة والتردد والنزاع، ولم يكن وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف، بل كان بالنصرة والمحبة.

نقول : انّ وقوع التنازع في الإمامة وولاية التصرف قبل نزول الآية أو عدم وقوعه قبل نزولها مما يثبته النقل الصحيح ، فدليل النقل الصحيح على وقوع التنازع قبل نزول الآية هو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: ( أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت  لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فاعطاه إياها)(5). 

وأمّا القول بعدم وقوع التنازع قبل النزول فمجرد دعوى لا دليل عليها.

وإن قلت : إنّ السياق – الذي وردت فيه آية الولاية – دال على إرادة المحب أو الناصر أو الصديق أو نحو ذلك من لفظة (ولي) ؛ لأنّها جاءت في إطار النهي عن اتخاذ الكفار أولياء ، ويشهد لذلك ما قبلها وما بعدها من الآيات .

قلنا: إنّ الآية – بعد التدبّر فيها – تجدها مفصولة عمّا قبلها من الآيات الناهية عن إتخاذ الكفّار أولياء ، بل هي مرشحة عن الآية التي قبلها بلا فصل ، وهي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(6) ، فإنّ هذه الآية مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام) ، ومنذرة ببأسه وبأس أصحابه ، كما ذكره الثعلبي في تفسيره (كشف البيان) ، وتواتر نقله عند الشيعة ، مما يكون من المجمع عليه بين الفريقين ، وهو ما يشهد له ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: « أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ، فتساورتُ  لها رجاءَ أن ادعى لها. قال: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطاه إياها)(7) ، الدال على أنّ من كانت هذه صفته ينبغي أن يكون هو الأمير دون غيره.

      لذا تكون آية الولاية – الواردة بعد هذه الآية – مفصّلة لما اشير إليه هنا من التوّلي لصاحب هذا البأس وقطب الرحى لعزة المؤمنين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة المائدة: الآية 55.

(2) سورة الحجرات : الآية 10 .

(3) سورة الأنفال : الآية 72 .

(4) سورة الزخرف : الآية 32 .

(5) صحيح مسلم 7: 121، باب من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، السنن الكبرى – للنسائي – 5: 111، خصائص أمير المؤمنين (ع)، 57، رياض الصالحين – النووي – 108.

(6) سورة المائدة : الآية 54 .

(7) صحيح مسلم 7: 121، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، السنن الكبرى – للنسائي – 5: 111، خصائص أمير المؤمنين (ع)، 57، رياض الصالحين – النووي – 108.