مَتَى ظَهَرَتْ تَسْمِيَةُ أهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ؟

النُّجَبَاءُ :/ مَا العِلَّةُ فِي تَسْمِيَةِ العَامَّةِ بِأهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ؟ وَمَتَى ظَهَرَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؟ وَهَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ؟

: اللجنة العلمية

      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     لَا يُوجَدُ تَحْدِيدٌ وَاضِحٌ لِلفَتْرَةِ الزَّمَنِيَّةِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا هَذَا الإسْمُ (أهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ) إِلَّا أنَّ الأمْرَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ أنَّ الإسْمَ المَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أيَّامَ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَلَا فِي عَهْدِ الخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ، وَالرَّاجِحُ ظُهُورُهُ بِشَكْلٍ أولَى فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ، حَيْثُ بَدَأَتْ تَتَبَلْوَرُ سُنَّةٌ جَدِيدَةٌ لَمْ يَأْلَفَهَا المُسْلِمُونَ مِنْ قَبْلُ وَهِيَ سُنَّةُ سَبِّ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى المَنَابِرِ بِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ، حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ (أيْ سُنَّةُ لَعْنِ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى المَنَابِرِ) يَشِيبُ عَلَيْهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، عَلَى حَدِّ تَعْبِيرِ مُعَاوِيَةَ نَفْسِهِ.

     رَوَى يَاقُوتٌ الحَمَوِيُّ فِي عُنْوَانِ: "سجستان" مِنْ كِتَابِهِ: مُعْجَمِ البُلْدَانِ ج 5 ص 38 قَالَ:

     ((لُعِنَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى مَنَابِرِ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ)). انْتَهَى.

     وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحِ البَارِي) 7: 57: ((ثُمَّ اشْتَدَّ الخَطْبُ فَتَنَقَّصُوهُ وَاتَّخَذُوا لَعْنَهُ عَلَى المَنَابِرِ سُنَّةً، وَوَافَقَتْهُمْ الخَوَارِجُ عَلَى بُغْضِهِ)). انْتَهَى. 

     وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي (رَبِيعِ الأَبْرَارِ): ((إنَّهُ كَانَ فِي أيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ أكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ ألْفَ مِنْبَرٍ يُلْعَنُ عَلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ بِمَا سَنَّهُ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ فِي ذَلِكَ))، ذَكَرَهُ العَلَّامَةُ الأمِينِيُّ فِي (الغَدِيرِ) 2: 120 نَقْلًا عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ.

      وَقَالَ المَسْعُودِيُّ فِي (مُرُوجِ الذَّهَبِ) 3: 42 ((ثُمَّ ارْتَقَى بِهِمْ الأمْرُ فِي طَاعَتِهِ - أيْ مُعَاوِيَةُ - إِلَى أنْ جَعَلُوا لَعْنَ عَلِيٍّ سُنَّةً يَنْشَأُ عَلَيْهَا الصَّغِيرُ وَيَهْلِكُ عَلَيْهَا الكَبِيرُ)). انْتَهَى.

     وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (حَدِيثُ 4420): (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أنْ تَسُبَّ أبَا التُّرَابِ، فَقَالَ: أمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ (ص) فَلَنْ أسُبَّهُ.. الحَدِيثُ). انْتَهَى.

     وَفِي "مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ" لِابْنِ تَيْمِيَّةَ ج5 ص42 :(وَأمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ لَمَّا أمَرَهُ مُعَاوِيَةُ بِالسَّبِّ فَأبَى فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أنْ تَسُبَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: ثَلَاثٌ قَالَهُنَّ رَسُولُ اللهِ (ص) فَلَنْ أسُبَّهُ لِأنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النّعَمَ.. الحَدِيثُ. فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ)؟ انْتَهَى.

     فِي هَذِهِ الأجْوَاءِ مِنْ النَّصْبِ وَالعَدَاءِ وَسَنِّ لَعْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى المَنَابِرِ ظَهَرَ هَذَا الإسْمُ (أهْلُ السُّنَّةِ) أيْ سُنَّةُ لَعْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَسَبِّهِ، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهَا لَفْظُ (الجَمَاعَةِ) لَمَّا سُمِّيَ العَامُ الَّذِي اسْتَوْلَى فِيهِ مُعَاوِيَةُ عَلَى السُّلْطَةِ بِ (عَامِ الجَمَاعَةِ).

     فَهَذِهِ هِيَ الجُذُورُ التَّارِيخِيَّةُ لِلتَّسْمِيَةِ المَذْكُورَةِ.. ثُمَّ هُذِّبَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ وَشُذِّبَتْ مِنْ مَضْمُونِ السَّبِّ وَاللَّعْنِ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَصَارَتْ اسْمًا لِعَقِيدَةٍ مَذْهَبِيَّةٍ خَاصَّةٍ مَفَادُهَا الإعْتِقَادُ بِخِلَافَةِ الخُلَفَاءِ الأرْبَعَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) وَعَدَالَةِ الصَّحَابَةِ أجْمَعِينَ، قِبَالَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أنَّ الخِلَافَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ لِأئِمَّةِ أهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الغَدِيرِ وَحَدِيثِ الثِّقْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الأدِلَّةِ المُتَظَافِرَةِ المُتَوَاتِرَةِ. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.