جَوَازُ قَوْلِ "يَا عَلِيُّ" وَثُبُوتُهُ بَلْ رُجْحَانُهُ.

 عَدَن مِقْدَادٌ العَبَّاسِيُّ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.      أَشْكُرُ سَعَةَ صَدْرِكُمْ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ عَمَلَكُمْ فِي نَشْرِ التَّوْعِيَةِ وَالتَّبَصُّرِ وَإِزَالَةِ الشُّبُهَاتِ عَنْ دَيْنِنَا الحَنِيفِ.      أَجَبْتُونِي سَابِقًا عَنْ سُؤَالِي عَنْ عِبَارَاتِ "يَا مُحَمَّدُ، يَا زَهْرَاءُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَبَّاسُ، يَا حُسَيْنُ، يَا حَسَنُ، وَكَانَ سُؤَالِي فِي عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَشَرَحْتُمْ بِشَكْلٍ مُوَضِّحٍ عَنْ مَفْهُومِ العِبَارَاتِ وَشَرْحِهَا عَنْ طَرِيقِ رِوَايَاتٍ مَنْقُولَةٍ عَنْ وَعَنْ، وَهِيَ قَابِلَةُ الخَطَأِ وَالصَّوَابِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَصًّا قُرْآنِيًّا، أَوْ مَقُولَةً عَنْ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، أَوْ عَنْ مَقُولَةٍ صَرِيحَةٍ عَنْ أَحَدِ الأُئِمَّةِ المَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)؟      هُنَا أُعِيدُ أَوَّلَ سُؤَالٍ سَابِقٍ طَلَبْتُ الإِجَابَةَ عَنْهُ.      هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ عِنْدَمَا هَجَمَ عَلَيْهِ الكُفَّارُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ وَيُنَادَى عَلِيًّا مُظْهِرَ العَجَائِبِ... إلخ الدُّعَاءِ، وَعِنْدَهَا نَادَى نَبِيُّ الرَّحْمَةِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يَا عَلِيُّ. وَمِنْ هُنَا تَوَالَى المُؤْمِنُونَ جَوَازَ قَوْلِ "يَا عَلِيُّ".      السُّؤَالُ الثَّانِي الَّذِي طَلَبْتُ الإِجَابَةَ عَنْهُ سَابِقًا وَلَمْ تَتِمَّ الإِجَابَةُ عَنْهُ:      لِمَاذَا لَا نَجِدُ أَيَّ دُعَاءٍ أَوْ مَقُولَةٍ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يُنَادِي وَيَلُوذُ وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ... بَلْ عَلَى العَكْسِ كُلُّ أَدْعِيَتِهِ وَمُنَاجَاتِهِ لِلهِ (عَزَّ وَجَلَّ).      وَهَكَذَا الحَالُ فِي كُلِّ أَدْعِيَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَكَذَلِكَ أَدْعِيَةُ كُلِّ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ).      أَرْجُو الإجَابَةَ عَنْ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ وَتَكُونُ الإجَابَةُ مُؤَكَّدَةً بِقَوْلٍ وُدَعَاءٍ صَرِيحٍ عَنْ الإمَامِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)؟

: اللجنة العلمية

      الأَخُ عدن المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     أَمَّا جَوَابُنَا عَلَى سُؤَالِكُمْ الأَوَّلِ: عَنْ ثُبُوتِ اسْتِعَانَةِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) فِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ بَعْدَ نُزُولِ جِبْرِيلَ (عَ) وَطَلَبِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: نَادِ عَلِيًّا مُظْهِرَ العَجَائِبِ *** تَجِدْهُ عَوْنًا لَكَ فِي النَّوَائِبِ. فَالرِّوَايَةُ مَوْجُودَةٌ فِي مِصْبَاحِ الكَفْعَمِي وَبِحَارِ الأَنْوَارِ لِلعَلَّامَةِ المَجْلِسِي، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ مِنْ دُونِ إِسْنَادٍ فَلَا تَثْبُتُ سَنَدًا.

     وَلَكِنَّ عَدَمَ إِمْكَانِ إِثْبَاتِ سَنَدِ رِوَايَةٍ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهَا وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي الوَاقِعِ، خُصُوصًا مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهَا، وَتَوَافُقِهَا مَعَ أُصُولِ الدِّينِ وَالمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ مَعْنَاهَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ قَطْعًا عَلَى جَمِيعِ المَذَاهِبِ حَتَّى الوَهَّابِيَّةِ مِنْهُمْ، فَالإسْتِعَانَةُ بِالأَحْيَاءِ عَادِيَّةٌ جِدًّا وَجَائِزَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ فِرَقِ المُسْلِمِينَ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ، وَقَدْ نَصَّ القُرْانُ عَلَيْهِ دُونَ أَيِّ تَحَفُّظٍ وَنَكِيرٍ مِنْ فِعْلِ نَبِيٍّ مِنْ أَوَّلِي العَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَهُوَ مُوسَى (عَ) حَيْثُ اسْتَغَاثَ بِهِ مُؤْمِنٌ إِسْرَائِيلِيٌّ مِنْ أتْبَاعِهِ فَقَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) القَصَصُ / 15.

     فَاسْتِعَانَةُ رَسُولِ اللهِ (ص) بِأَمْوَالِ خَدِيجَةَ، وَوَجَاهَةِ وَحِمَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَيْفِ عَلِيٍّ (عَ) هِيَ مِنْ المُسَلَّمَاتِ أَيْضًا عِنْدَ الجَمِيعِ، وَاسْتِعَانَتُهُ (ص) بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) فِي مَعَارِكِهِ وَاعْتِمَادُهُ عَلَيْهِ فِيهَا أَمْرٌ مَفْرُوغٌ عَنْهُ، وَخُصُوصًا فِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ حَيْثُ فَرَّ عَنْهُ (ص) الْجَيْشُ وَعَصَوْا أَوَامِرَهُ وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكُفَّارِ حَيْثُ كَانَ فِي نَائِبَةٍ وَشِدَّةٍ كَبِيرَةٍ وَابْتِلَاءٍ عَظِيمٍ، حَتَّى وَقَعَ رُوحِي فِدَاهُ فِي حُفْرَةٍ وَجُرِحَتْ رِجْلُهُ وَشج وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ ربَاعِيَّتُهُ (ص) وَنَادَى المُسْلِمُونَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ (ص)، وَلَكِنَّ وُجُودَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) حَالَ بَيْنَ الكُفَّارِ وَبَيْنَ قَتْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ تَنُصُّ الرِّوَايَةُ عَلَى التَّدَخُّلِ الإِلَهِيِّ وَالنِّدَاءِ السَّمَاوِيِّ لِرَسُولِ اللهِ (ص) بِالإسْتِعَانَةِ بِعَلِيٍّ (عَ) الكَرَّارِ غَيْرِ الفَرَّارِ دُونَ غَيْرِهِ.

      أمَّا أَنَّ المُخَالِفِينَ رَوَوْا حَادِثَةَ اسْتِعَانَةِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِعَلِيٍّ (عَ) أَنَّ مَنْ لَبَّى اسْتِغَاثَتَهُ (ص) إِنَّمَا كَانَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ المَعْرُوفِينَ أَصْلًا وَهُوَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ الْمُزْنِيُّ! وَرَدَّ ثَلَاثَ كَتَائِبَ للمُشْرِكِينَ قَامَتْ بِمُهَاجَمَةِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَهُوَ جَرِيحٌ لِتُجْهِزَ عَلَيْهِ (ص) لِثَلَاثِ مَرَّاتٍ!! وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الحَادِثَةِ كَمَا يَرْوِيهَا أتْبَاعُ أَهْلِ البَيْتِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَنَّ مَنْ اسْتَغَاثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ (ص) هُوَ عَلِيٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَ) كَمَا هُوَ مَنْطِقِيٌّ، وَكَمَا هُمْ رَوَوْا أَنْ عَلَّيًا هُوَ مِمَّنْ لَمْ يُفَارِقْ رَسُولَ اللهِ (ص) دُونَ غَيْرِهِ!

     ثُمَّ إنَّ اسْتِعَانَةَ رَسُولِ اللهِ (ص) بِعَلِيٍّ (عَ) الحَيِّ الحَاضِرِ لَا يُوجَدُ فِيهَا أَيُّ إِشْكَالٍ حَتَّى فِي عَقِيدَةِ الوَهَّابِيَّةِ قَطْعًا وَدُونَ أَدْنَى شَكٍّ، فَلَا نَدْرِي لِمَاذَا هَذَا الإِشْكَالُ وَهَذَا السُّؤَالُ وَهَذَا البَحْثُ المُعَمَّقُ عَنْ صِحَّةِ الحَدِيثِ وَالحَدِيثِ؟!

     إِمَّا بِالنِّسْبَةِ لِجَوَابِ سُؤَالِكَ الثَّانِي فَنَقُولُ:

     إِنَّ الدُّعَاءَ وَالمُنَاجَاةَ تَكُونُ مَعَ اللهِ تَعَالَى وَخُصُوصًا مِنْ المَعْصُومِ (عَ) الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ دُونَ الحَاجَةِ إِلَى تَوَسُّلٍ وَشَفَاعَةٍ وَوِسَاطَةٍ بِغَيْرِهِ مِنْ المَعْصُومِينَ (عَ)، كَوْنُهُمْ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ، وَطِينَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا ثَبَتَتْ مُنَاجَاةُ عَلِيٍّ (عَ) لِلهِ تَعَالَى حَتَّى عِنْدَ المُخَالِفِينَ فِي الطَّائِفِ وَغَيْرِهِ، وَبِالتَّالِي فَالأَصَلُ فِي دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَكَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَ) وَجَمِيعُ المَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) يَكُونُ مُنَاجَاةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ القَرِيبِينَ مِنْهُ وَالمُتَفَانِينَ فِيهِ وَفِي حُبِّهِ وَعِشْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَقُرْبِهِ دُونَ أَنْ يَحْجُبَهُمْ عَنْهُ حِجَابٌ مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ أَكْلِ حَرَامٍ، أَوْ شُبْهَةٍ، أَوْ جَهْلٍ، فَهُمْ لَيْسُوا مِثْلَنَا مُمْتَلِئِينَ بِمَا يُبْعِدُنَا عَنْهُ تَعَالَى مِنْ مُوبِقَاتٍ وَمَعَاصِيَ وَجَهْلٍ، وَبَعْدُ نَحْنُ مَنْ احْتَجَبَ بِهِ عَنْهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مَا احْتَجَبَ عَنْ أَحَدٍ بِحِجَابٍ وَلَكِنَّنَا نَحْنُ مَنْ يَبْتَعِدُ وَيَحْتَجِبُ عَنْهُ تَعَالَى بِذُنُوبِهِ وَعَدَمِ اسْتِجَابَتِهِ لَهُ سُبْحَانَهُ كَوْنُهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) حَقَّ الإِيمَانِ، وَلَمْ نَعْرِفْهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَلَمْ نَعْبُدْهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، فَابْتَعَدْنَا وَاحْتَجْنَا إِلَى شُفَعَاءَ كِرَامٍ مُقَرَّبُونَ مِنْهُ تَعَالَى لِيَسْمَعَ لَنَا وَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُنَا المُتَوَّجَهُ إِلَيْهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ.

     فَهْمُ (صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) أَبْوَابُ اللهِ الَّتِي مِنْهَا يُؤْتَى، وَأَسْمَاؤُهُ الَّتِي بِهَا يُدعَى، وَكَلِمَاتُهُ التَّامَّاتُ، وَعُرْوَتُهُ الوُثْقَى.

     وَهَذَا الأَمْرُ وَهَذَا المَفْهُومُ لَيْسَ غَرِيبًا، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالأَدِلَّةِ القَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا يُنْكِرُهَا أَلَّا مُعَانِدٌ أَوْ جَاهِلٌ

      فَقَدْ صَحَّ عِنْدَ المُخَالِفِينَ تَعْلِيمُ رَسُولِ اللهِ أَحَدَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ حِينَمَا اشْتَكَى لِلنَّبِيِّ (ص) مُعَانَاتَهُ وَصُعُوبَةَ وُصُولِهِ لِلمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ لِلصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) جَمَاعَةً، فَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ (ص) دُعَاءً يَقُولُ فِيهِ: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (ص) نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى وَتَشْفَعُنِي فِيهِ وتُشَفِّعُهُ فِيَّ) فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ. رَوْاهُ أحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ، وَالحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسْنٌ صَحِيحٌ. وَصَحَّحَهُ الهَيْثَمِيُّ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَبْلَهُمْ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَخِيرًا صَحَّحَهُ إِمَامُ الوَهَّابِيَّةِ وَمُحَدِّثُ السَّلَفِيَّةِ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ، بَلْ حَتَّى ابْنِ تَيْمِيَّةَ لَمْ يَسْتَطِعْ تَضْعِيفَهُ، فَالحَدِيثُ ثَابِتٌ بِلَا رَيْبٍ.

     وَقَدْ رُوِيَتْ نَفْسُ هَذِهِ القِصَّةِ عَنْ طَرِيقِ نَفْسِ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهَا وَهُوَ عُثمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فِي زَمَنِ عُثمَانَ حِينَ اشْتَكَى لَهُ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ وَوَجِيهٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ لَهُ حَاجَةً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الوُصُولِ وَالدُّخُولِ إِلَى عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِقَضَائِهَا لَهُ، فَعَلَّمَهُ ابْنُ حُنَيْفٍ هَذَا الدُّعَاءَ وَهَذَا التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ الأَعْظَمِ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ وَفَاتِهِ (ص)، وَدَعَا بِهِ هَذَا الصَّحَابِيُّ وَقَضَى لَهُ عُثمَانُ حَاجَتَهُ وَأَكْرَمَهُ، بَلْ أَجْلَسَهُ مَعَهُ فِي مَجْلِسِهِ الخَاصِّ وَاعْتَذَرَ مِنْهُ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَهُ كُلَّمَا احْتَاجَ شَيْئًا!!

     وَأَمَّا قَوْلُكَ بِأَنَّ عَلِيًّا (عَ) لَمْ يَقُلْ فِي أَدْعِيَتِهِ يَا مُحَمَّدُ (ص)، وَلَا الزَّهْرَاءُ تَوَسَّلَتْ بِأَبِيهَا رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَا أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامَ)، وَهَذَا أَمْرٌ مُجَانِبٌ لِلصَّوَابِ، فَقَدْ وَرَدَتْ الكَثِيرُ مِنْ الأَدْعِيَةِ وَالإسْتِغَاثَاتِ بِالنَّبِيِّ الأَعْظَمِ (ص) وَبِالزَّهْرَاءِ (عَ) وَبِالأَئِمَّةِ (عَ) فَلَا يُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّ الأَئِمَّةَ (عَ) لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، بَلْ فَعَلُوا ذَلِكَ رُغْمَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَالَاتِهِمْ القُدْسِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ (عَ) فَعَلُوهُ لِكَوْنِهِ أَمْرًا رَاجِحًا مَحْبُوبًا لِلهِ تَعَالَى، بِالإِضَافَةِ إِلَى تَعْلِيمِهِمْ إيَّانَا ذَلِكَ الأَمْرَ رَحْمَةً بِنَا وَتَعْرِيفًا لَنَا بِمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ الله تَعَالَى وَإِكْرَامِهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْهُ وَتَعْظِيمِهِ لِشَأْنِهِمْ.

     فَقَدْ رَوَى المَشْهَدِيُّ فِي مَزَارِهِ ص250 دُعَاءً، وَفِيهِ:

"فَأَنْتُمْ الذُّرِّيَّةُ المُخْتَارَةُ، وَالأَنْفُسُ المُجَرَّدَةُ، وَالأَرْوَاحُ المُطَهَّرَةُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، يَا فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءَ، يَا حَسَنُ، يَا حُسَيْنُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، يَا مَوَالِيَّ الطَّاهِرِينَ، يَا ذَوِي النُّهَى وَالتُّقَى، يَا أَنْوَارَ اللهِ فِي أَرْضِهِ الَّتِي لَا تُطْفَى، يَا عُيُونَ اللهِ فِي خَلْقِهِ... وَأَشْهَدُ يَا مَوَالِيَّ أَنَّكُمْ تَسْمَعُونَ كَلَامِي، وَتَرَوْنَ مَقَامِي، وَتَعْرِفُونَ مَكَانِي، وَتَرُدُّونَ سَلَامِي... فَاذْكُرُونِي عِنْدَ رَبِّكُمْ... فَإنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ مَقَامًا مَحْمُودًا، وَجَاهًا عَرِيضًا، وَشَفَاعَةً مَقْبُولَةً".

     وَكَذَا رَوَى المَشْهَدِيُّ فِي ص591:

     (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الَّذِينَ فَرَضْتَ عَلَيْنَا طَاعَتَهُمْ، وَعَرَّفْتَنَا بِذَلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَفَرِّجْ عَنَّا بِحَقِّهِمْ فَرَجًا عَاجِلًا كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، انْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، وَاكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، يَا َمَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ، الغَوْثَ الغَوْثَ الغَوْثَ، أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي).

     وَرَوَى العَلَّامَةُ المَجْلِسِيُّ فِي بِحَارِ الأَنْوَارِ 88 / 357:

     صَلَاةُ الغِيَاثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: إِذَا كَانَتْ لَأَحَدِكُمْ اسْتِغَاثَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقُولُ: "يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ، يَا عَلِيُّ يَا سَيِّدَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، بِكُمَا أسْتَغِيثُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ أسْتَغِيثُ بِكُمَا يَا غَوْثَاهُ، بِاللهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - وَتَعُدُّ الأَئِمَّةَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامَ) - بِكُمْ أَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)".

     وَفِي البِحَارِ أَيْضًا عَنْ إِمَامِنَا البَاقِرِ (عَ) (92/200)  فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي كَيْفِيَّةِ الزِّيَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَفِيه:

     وَتَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شِئْتَ وَتَسْأَلُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيْمَنَ عَلَى الأَرْضِ وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: "يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ" وَتَضَعُ خَدَّكَ الأَيْسَرَ عَلَى الأَرْضِ وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: "أَدْرِكْنِي" وَتُكَرِّرُهَا كَثِيرًا، وَتَقُولُ: الغَوْثَ الغَوْثَ حَتَّى يَنْقَطِعَ نَفَسُكَ، وَتَرْفَعُ رَأْسَكَ، فَإنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

     وَفِي البِحَارِ أَيْضًا (87 / 294) رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي يَوْمِ الإثْنَيْنِ وَفِيهَا:

     (... وَيَسْأَلُ حَاجَتَهُ ثُمَّ يُقَلِّبُ خَدَّهُ الأَيْسَرَ عَلَى الأَرْضِ وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، يَا جَبْرَئِيلُ، بِكُمْ أَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ.

     وَفِي (99 / 18) مِنْ البِحَارِ وَرَدَ فِي إِحْدَى زِيَارَاتِ الإمَامِ الكَاظِمِ (عَ):

     (.... يَا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ، وَيَا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ، وَيَا أُسْرَعَ الحَاسِبِينَ، وَيَا أَحْكَمَ الحَاكِمِينَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، يَا مُصْطَفَى يَا مُرْتَضَى، يَا مُرْتَضَى يَا مُصْطَفَى، انْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، وَاكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ، الغَوْثَ الغَوْثَ الغَوْثَ، أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي. تَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، ثُمَّ تَسْأَلُ حَاجَتَكَ فَإِنَّهَا تَقْضَى بِإِذْنِ اللهِ.

     وَفِي البِحَارِ (99 / 254) عَنْ البَلَدِ الأَمِينِ: تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا سَلَّمْتَ فَكَبِّرْ اللهَ ثَلَاثًا وَسَبِّحْ تَسْبِيحَ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، وَاسْجُدْ وَقُلْ مِائَةَ مَرَّةٍ: يَا مَولَاتِي يَا فَاطِمَةُ أَغِيثِينِي. ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأَيْمَنَ وَقُلْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُدْ إِلَى السُّجُودِ وَقُلْ كَذَلِكَ، ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأَيْسَرَ عَلَى الأَرْضِ وَقُلْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُدْ إِلَى السُّجُودِ وَقُلْ كَذَلِكَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَعَشْرَ مَرَّاتٍ، وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ تُقْضَى. 

     وَفِي جَامِعِ أَحَادِيثِ الشِّيعَةِ لِلسَّيِّدِ البرُوجَرْدِي (7 / 279): مُسْتَدْرَك 462 - السَّيِّدُ عَلِيُّ بْنُ طَاوُوسٍ فِي فَرَجِ الهُمُومِ وَفَلَاحِ السَّائِلِ، عَنْ الدَّلَائِلِ لِلشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ:

      فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زِيَارَتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَقْبَلَ إِلَى عِنْدِ مَوْلَانَا أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَزَارَ مِثْلَ تِلْكَ الزِّيَارَةِ، وَذَلِكَ السَّلَامِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا خَائِفٌ مِنْهُ إِذْ لَمْ أَعْرِفْهُ، وَرَأَيْتُهُ شَابًّا تَامًّا مِنْ الرِّجَالِ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَعِمَامَةٌ مُحَنَّكٌ بِهَا بذؤابة، وَرِدَائُهُ عَلَى كَتِفِهِ مُسْبَلٌ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي البَغْلِ! أَيْنَ أَنْتَ عَنْ دُعَاءِ الفَرَجِ. فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَتَقُولُ: يَا مَنْ أَظْهَرَ الجَمِيلَ، وَسَتَرَ القَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بالجَرِيرَةِ، وَلَمْ يَهْتِكْ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ اليَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ... أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسْمَاءِ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)، إلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبِي، وَنَفَّسْتَ هَمِّي، وَفَرَّجْتَ غَمِّي، وَأَصْلَحْتَ حَالِي. وَتَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ، وَتَسْأَلُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيْمَنَ عَلَى الأَرْضِ، وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ. وَتَضَعُ خَدَّكَ الأَيْسَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَتَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: أَدْرِكْنِي. وَتُكَرِّرُهَا كَثِيرًا، وَتَقُولُ: الغَوْثَ الغَوْثَ الغَوْثَ، حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ، وَتَرْفَعُ رَأّْسَكَ، فَإنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

     فَهَذَا بَعْضُ مَا وَرَدَ عَنْ أَئِمَّةِ الهُدَى، وَعَلَّمُوهُ شِيعَتَهُمْ وَمُحِبِّيهِمْ فِي الإسْتِغَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِهِمْ (عَ) وَلَا يَصِحُّ إِنْكَارُ وُرُودِهَا.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.