لِمَاذَا اغْتِصَابُ الخِلَافَةِ هُوَ السَّبَبُ لِكُلِّ مَآسِينَا؟!!

مُصْطَفَى/: كَتَبَ أَحَدُ المُضَلِّلِينَ عَلَى صَفْحَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ مَوْضُوعًا تَحْتَ عُنْوَانِ: (تَجَرَّأْ وَلَوْ لِمَرَّةٍ) جَاءَ فِيهِ مَا نَصُّهُ:      فَكِّرْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ وَفِي خَلَوَاتِكَ: لِنَفْتَرِضْ جَدَلًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ سَرَقَا أَرْضًا زِرَاعِيَّةً تُسَمَّى بِفَدَكٍ مِنَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ (عَ) قَبْلَ "1429" سَنَةً; فَأَغْضَبَاهَا وَأَغَاظَاهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، لَكِنْ مَا عِلَاقَةُ هَذَا المَوْضُوعِ بِالدِّينِ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَفِي طُولِ عَمُودِ الزَّمَانِ الإِيمَانُ بِهِ وَعَقْدُ القَلْبِ عَلَيْهِ؟! وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ نُقْنِعَ الأَجَانِبَ الَّذِينَ يَوَدُّونَ الدُّخُولَ إِلَى الإِسْلَامِ حَدِيثاً بِاعْتِبَارِهِ الدِّيَانَةَ السَّمَاوِيَّةَ العَالَمِيَّةَ الخَاتِمَةَ بِأَنَّ كُلَّ مَصَائِبِ المُسْلِمِينَ وَتَخَلُّفِهِمْ وَرَجْعِيَّتِهِمْ وَتَقَهْقُرِهِمْ كَانَتْ بِسَبَبِ تَوَلِّي هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ لِلخِلَافَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!      أَعْتَقِدُ جَازِمًا: أَنَّنَا مَخْدُوعُونَ مُخَدَّرُونَ، وَلَا نُحَبِّذُ أَنْ يُبَادِرَ شَخْصٌ لِتَنْبِيهِنَا وَإِيقَاظِنَا إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُزْرِقَنَا بِأَفيون آخَرَ أَكْثَرَ فَاعِلِيَّةً مِنْ القَدِيمِ، فَتَأَمَّلْ تَفُزْ، وَاللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ.      فَمَا رَدُّكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللهُ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ مُصْطَفَى المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     هَذَا الكَلَامُ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الَّذِي تَنْقُلُ عَنْهُ هُوَ مُنْتَهَى الجَهْلِ وَالإِسْتِخْفَافِ بِالحَقَائِقِ، فَمَوْضُوعُ فَدَكٍ هُوَ لَيْسَ أَرْضًا زِرَاعِيَّةً أَخَذَهَا جَمَاعَةٌ وَنَحْنُ نَحْزَنُ لِأَجَلِ ذَلِكَ وَنُقِيمُ المَآتِمَ عَلَيْهِ، بَلْ مَوْضُوعُ فَدَكٍ هُوَ اخْتِطَافُ الدِّينِ وَضَيَاعُ الأُمَّةِ وَالبَدْءُ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ المَظَالِمِ الَّتِي بَدَأَتْ وَلَمْ تَنْتَهِ، وَمَا زِلْنَا نَتَجَرَّعُ غُصَصَهَا إِلَى الآنَ، فَلَيْسَ دَاعِشُ وَأَمْثَالُ دَاعِش اليَوْمَ إِلَّا نِتَاجَ تِلْكَ المَظْلَمَةِ الَّتِي ابْتَدَأَتْ بِفَدَكٍ وَمَا قَبْلَ فَدَكٍ.

     تَقُولُ: وَلِمَاذَا اغْتِصَابُ الخِلَافَةِ هُوَ سَبَبٌ لِكُلِّ المَآسِي كَمَا تَقُولُونَ؟!!

     نَقُولُ: الْقِ بِنَظَرِكَ الآنَ إِلَى الوَاقِعِ العَرَبِيِّ.. وَانْظُرْ إِلَى سَبَبِ تَخَلُّفِهِ وَضَعْفِهِ وَتَرَدِّي الأَوْضَاعِ فِيهِ.. مَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ؟!!

     هَلْ تَرَى السَّبَبَ فِيهِ هُوَ قِلَّةُ الثَّرْوَاتِ.. كَيْفَ وَالبُلْدَانُ العَرَبِيَّةُ هِيَ مِنْ أَغْنَى البُلْدَانِ فِي العَالَمِ.. أَمْ تَرَى السَّبَبَ هُوَ قِلَّةُ الكَوَادِرِ البَشَرِيَّةِ.. كَيْفَ وَالعَرَبُ يَقْتَرِبُونَ مِنْ الأَرْبَعْمِائَةِ مَلْيُونِ نَسَمَةً؟! أَمِ السَّبَبَ هُوَ ضَعْفُ الكَفَاءَاتِ وَالعُقُولِ العَرَبِيَّةِ.. كَيْفَ وَالعُقُولُ العَرَبِيَّةُ هِيَ مِنْ أَذْكَى العُقُولِ فِي العَالَمِ.. فَمَا هُوَ السَّبَبُ إِذَنْ؟

     السَّبَبُ هُوَ انْحِرَافُ الحُكَّامِ وَفَسَادُهُمْ وَخِيَانَتُهُمْ.. هَذَا هُوَ السَّبَبُ الرَّئِيسِيُّ لِضَيَاعِ الأُمَمِ سَابِقًا وَلَاحِقًا هُوَ فَسَادُ الحُكَّامِ لَا غَيْرُ.. فَعِنْدَمَا نَقُولُ: إِنَّ سَبَبَ مَآسِينَا هُوَ اغْتِصَابُ الخِلَافَةِ وَالحُكْمِ مِنْ الأَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ). فَلَا نُجَانِبُ الصَّوَابَ أَبَدًا، وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي شَخَّصَهُ لَنَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِوُضُوحٍ تَامٍّ حِينَ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) [الرَّاوِي: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - خُلَاصَةُ الدَّرَجَةِ :صَحِيحٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ – المُحَدِّثُ: الأَلْبَانِيُّ - المَصْدَرُ: السِّلْسِلَةُ الصَّحِيحَةُ - الصَّفْحَةُ أَوْ الرَّقْمُ: 1761].

     وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي تَحَدَّثَ عَنْهُ الإِمَامُ الْغَزَّالِيُّ بِوُضُوحٍ تَامٍّ حِينَ قَالَ فِي "سِرِّ العَالَمِينَ":

     (لَكِنْ أَسْفَرَتِ الحُجَّةُ وَجْهَهَا، وَأَجْمَعَ الجَمَاهِيرُ عَلَى مَتْنِ الحَدِيثِ، مِنْ خُطْبَتِهِ فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ، بِاتِّفَاقِ الجَمِيعِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ يَا أَبَا الحَسَنِ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. فَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضًى وَتَحْكِيمٌ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَبَ الهَوَى لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَحُمِلَ عَمُودُ الخِلَافَةِ، وَعُقُودُ البُنُودِ، وَخَفَقَانُ الهَوَى فِي قَعْقَعَةِ الرَّايَاتِ، وَاشْتِبَاكُ ازْدِحَامِ الخُيُولِ، وَفَتْحُ الأَمْصَارِ; سَقَاهُمْ كَأْسُ الهَوَى، فَعَادُوا إِلَى الخِلَافِ الأَوَّلِ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) انْتَهَى [مَجْمُوعَةُ رَسَائِلِ الإِمَامِ الْغَزَّالِيِّ، كِتَابُ سِرِّ العَالِمِينَ: 483].

     فَمُنْذُ أَنْ وَاجَهَ تَيَّارُ السَّقِيفَةِ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَنَعَهُ مِنْ كِتَابَةِ كِتَابِهِ الَّذِي يُرِيدُ فِي رَزِيَّةِ يَوْمِ الخَمِيسِ - كَمَا يُسَمِّيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - ارْتَفَعَتِ البَرَكَةُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، كَمَا يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ البَارِي" ج8 ص 101، حِينَ قَالَ: (قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: "فَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ" مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى الإِمْتِثَالِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ، وَلَمَّا وَقَعَ مِنْهُمُ الإِخْتِلَافُ ارْتَفَعَتِ البَرَكَةُ كَمَا جَرَتِ العَادَةُ بِذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ التَّنَازُعِ وَالتَّشَاجُرِ). انْتَهَى.

     وَحِينَ اسْتَوْلَى هَذَا التَّيَّارُ عَلَى الحُكْمِ أَوَّلُ مَا قَامَ بِهِ هُوَ مَنْعُ الصَّحَابَةِ مِنْ التَّحَدُّثِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَأَمَرُوهُمْ بِإِحْضَارِ كُلِّ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَحَادِيثَ مَكْتُوبَةٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) ثُمَّ قَامُوا بِجَمْعِهَا وَحَرْقِهَا [انْظُرْ: تَذْكِرَةَ الحُفَّاظِ للذَّهَبِيِّ 1: 5، وَالطَّبَقَاتِ الكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ 7: 187 وَغَيْرَهُمَا].

     وَبِعِبَارَةٍ ثَانِيَةٍ: أَنَّهُمْ أَرَادُوا إِنْهَاءَ الإِسْلَامِ بِفِعْلِهِمْ هَذَا، لَكِنَّ مَشِيئَةَ اللهِ الَّتِي حَفِظَتِ الدِّينَ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ وَوُجُودِ أَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) حَالَتْ دُونَ مَحْوِ الإِسْلَامِ إِلَى الأَبَدِ.. وَهَذِهِ المُؤَامَرَةُ العُظْمَى مِنْ حَرْقِ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَمَنْعِ النَّاسِ مِنَ التَّحَدُّثِ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) هِيَ الَّتِي فَتَحَتِ البَابَ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ للوَضَّاعِينَ وَالكَذَّابِينَ بِأَنْ يَضَعُوا مِنَ الأَحَادِيثِ مَا يَشَاؤُونَ، فَظَهَرَ لَنَا دِينٌ جَدِيدٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَا يَعْرِفُهُ المُسْلِمُونَ الأَوَائِلُ، هَذَا الدِّينُ الَّذِي يَسْتَقِي مِنْهُ الدَّوَاعِشُ وَأَمْثَالُهُمْ كُلَّ ضَلَالَاتِهِمْ اليَوْمَ.. حَتَّى نَجِدَ إِمَامًا كَبِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ يُصَرِّحُ قَائِلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ سِوَى سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) فَقَطْ.. وَمِنْ هُنَا هَرْوَلَ يَسْتَنْجِدُ بِالقِيَاسِ حَتَّى يَسْتَنْبِطَ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ خِلَالِهِ؟!!

     هَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ مَآسِي تَيَّارِ السَّقِيفَةِ وَاغْتِصَابِ فَدَكٍ وَهَتْكِ حُرْمَةِ بَيْتِ الرِّسَالَةِ.. حَتَّى يَعْرِفَ هَذَا المُتَنَطِّعُ وَأَمْثَالُهُ لِمَاذَا نُقِيمُ المَآتِمَ لِمَصَائِبِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)!!

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.