سُؤَالٌ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَكِتَابِهِ "الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ".

جَلِيلٌ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ....      هَلْ يُعْتَبَرُ كِتَابُ "الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ" حُجَّةً عَلَى أَبْنَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمْ لَا؟      وَبِالتَّحْدِيدِ شَخْصِيَّةُ ((ابْنِ قُتَيْبَةَ)) هَلْ هِيَ وَهْمِيَّةٌ أَمْ أَنَّهَا بِالفِعْلِ مَوْجُودَةٌ؟      وَمَاذَا تَقُولُونَ فِي مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِ مَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ؟....

: اللجنة العلمية

     الأَخُ جَلِيلٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     أَمَّا عَنْ شَخْصِيَّةِ ابْنِ قُتَيْبَةَ، فَهُوَ شَخْصِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَرْجَمَ لَهُ الكَثِيرُ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، قَالَ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الفَهْرَسَت (ص 85): كَانَ صَادِقًا فِيمَا كَانَ يَرْوِيهِ، عَالِمًا بِاللُّغَةِ، وَالنَّحْوِ، وَغَرِيبِ القُرْآنِ وَمَعَانِيهِ، وَالشِّعْرِ، وَالفِقْهِ; كَثِيرَ التَّصْنِيفِ وَالتَّأْلِيفِ.

      وَقَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ (10/170): كَانَ ثِقَةً دَيِّنًا فَاضِلًا، وَهُوَ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ المَشْهُورَةِ. 

     وَقَالَ أَبُو البَرَكَاتِ الأَنْبَارِيُّ فِي نُزْهَةِ الأَلِبَّاءِ (ص 209): كَانَ فَاضِلًا فِي اللُّغَةِ، وَالنَّحْوِ، وَالشِّعْرِ; مُتَفَنِّنًا فِي العُلُومِ.

     وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي المُنْتَظِمِ (5/102): كَانَ عَالِمًا ثِقَةً دَيِّنًا فَاضِلًا، وَلَهُ التَّصَانِيفُ المَشْهُورَةُ.

     أَمَّا كِتَابُهُ "الإِمَامَةُ وَالسِّيَاسَةُ" فَقَدْ وَقَعَ مَحَلَّ الأَخْذِ وَالرَّدِّ فِي نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ، وَالسَّبَبُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وَقَائِعَ يَتَجَنَّبُ أَهْلُ السُّنَّةِ التَّعَرُّضَ إِلَيْهَا فِي مَوْضُوعِ الخِلَافَةِ وَطَرِيقَةِ عَقْدِهَا; لِأَنَّهَا تَمَسُّ شَأْنَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُمْ، قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ فِي "العَوَاصِمِ مِنَ القَوَاصِمِ": "وَمِنْ أَشَدِّ شَيْءٍ عَلَى النَّاسِ جَاهِلٌ عَاقِلٌ أَوْ مُبْتَدِعٌ مُحْتَالٌ، فَأَمَّا الجَاهِلُ فَهُوَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فَلَمْ يَبْقَ وَلَمْ يَذَرْ لِلصَّحَابَةِ رَسْمًا فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ إِنْ صَحَّ عَنْهُ جَمِيعُ مَا فِيهِ". [ج 1 / 261].

     هَذَا هُوَ سَبَبُ التَّشْكِيكِ فِي النِّسْبَةِ لَا غَيْرَ، وَبَقِيَّةُ الأُمُورِ الَّتِي حَاوَلُوا مِنْ خِلَالِهَا تَبْرِيرَ عَدَمِ صِحَّةِ نِسْبَةِ الكِتَابِ إِلَيْهِ كُلُّهَا لَا تَصِحُّ عِلْمِيًّا وَلَا مَنْهَجِيًّا، مِنْهَا: أَنَّ الكِتَابَ يَنْقُلُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ فِي بَعْضِ مَرْوِيَّاتِهِ.. وَهَذِهِ دَعْوًى لَا يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهَا نَفْيُ نِسْبَةِ الكِتَابِ إِلَى صَاحِبِهِ، فَكَمْ مِنْ مُؤَرِّخٍ وَمُؤَرِّخٍ يَنْقُلُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ الأَحْدَاثَ الَّتِي يَذْكُرُهَا، اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى شُهْرَتِهَا وَوُجُودِهَا فِي مَصَادِرَ قَدْ تَكُونُ مُتَدَاوَلَةً فِي زَمَانِهِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ عُلُومٍ لَيْسَ لَهَا أُصُولٌ: المَغَازِي، وَالمَلَاحِمُ، وَالتَّفْسِيرُ، وَفِي لَفْظٍ: لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ) [تَلْخِيصُ كُتُبِ الإِسْتِغَاثَةِ المَعْرُوفِ بِالرَّدِّ عَلَى البَكَرِيِّ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ: 76].

     وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا قَبْلَ مَوْلِدِ ابْنِ قُتَيْبَةَ بِخَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً... وَهَذِهِ أَيْضًا لَا تُوجِبُ نَفْيَ النِّسْبَةِ; لِأَنَّ المَوْجُودَ فِي كِتَابِ "الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ" هُوَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى التجيبي [ج2 ص 64 تَحْقِيقِ الشيري]، وَالقَاضِي المُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ لَيْسَ التجيبي، فَهُنَاكَ خَلْطٌ وَخَبْطٌ فِي الدَّعَاوَى لَا يَصِحُّ الرُّكُونُ إِلَيْهِ فِي نَفْيِ النِّسْبَةِ.

     وَعَلَى العُمُومِ قَدْ ذَكَرَ جُمْلَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ وَمُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ نِسْبَةَ الكِتَابِ المَذْكُورِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ، نَذْكُرُ مِنْهُمْ:

     - ابْنُ حَجَرِ الهَيْتَمِيُّ فِي كِتَابِهِ "تَطْهِيرِ الجَنَانِ وَاللِّسَانِ"، ص: 72.

     - نَجْمُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ المَشْهُورُ بِابْنِ فَهْدٍ (المُتَوَفَّى سَنَةَ 885 ه) فِي كِتَابِهِ "إِتْحَافِ الوَرَى بِأَخْبَارِ أُمِّ القُرَى"، قَالَ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ 93 ه: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ.... 

     - القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ التوزي – التَّنُّورِيُّ - المَعْرُوفُ بِابْنِ شُبَاطٍ فِي كِتَابِهِ الصِّلَةِ السَّمْطِيَّةِ/ الفَصْل الثَّانِي / البَاب 34.

     - تَقِيُّ الدِّينِ الفَاسِي فِي العَقْدِ الثَّمِينِ ذَكَرَهُ فِي ج 6 ص 72.

     - فَرِيدٌ وَجْدِيٌّ فِي كِتَابِهِ "دَائِرَةِ مَعَارِفِ القَرْنِ العِشْرِينَ" 2: 754، قَالَ: أَوْرَدَ العَلَّامَةُ الدَّيْنُورِيُّ فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ....

     وَقَالَ فِي صَفْحَةٍ أُخْرَى: كِتَابُ السِّيَاسَةِ وَالإِمَامَةِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ الدَّيْنُورِيِّ المُتَوَفَّى 270 ه. ج 2 ص 749.

    - أَحْمَدُ زَكِي صَفْوَتْ نَقَلَ فِي كِتَابِ "جَمْهَرَةِ خُطَبِ العَرَبِ" فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ بَعْضَ المُطَالِبِ مِنْ كِتَابِ الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَنِسْبَتَهُ إِلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: وَزَادَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ: "وَاللهِ يَا أَهْلَ العِرَاقِ، مَا أَظُنُّ هَؤُلَاءِ القَوْمَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَّا ظَاهِرِينَ عَلَيْكُمْ". [جَمْهَرَةُ خُطَبِ العَرَبِ1: 422].

     وَقَالَ فِي نَصٍّ آخَرَ: "وَرَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ هَذِهِ الخُطْبَةَ فِي الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ بِصُورَةٍ أُخْرَى" [جَمْهَرَةُ خُطَبِ العَرَبِ 2: 316].

    - يُوسُفُ اليان سركيس فِي كِتَابِهِ "مُعْجَمِ المَطْبُوعَاتِ العَرَبِيَّةِ" عِنْدَمَا تَعَرَّضَ لِشَرْحِ حَيَاةِ ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَذَكَرَ لَهُ كِتَابَ الإِمَامَةِ وَالسِّيَاسَةِ، قَالَ: 2 - الإِمَامَةُ وَالسِّيَاسَةُ ابْتَدَأَ فِيهِ بِذِكْرِ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. [ج 1 ص 211].

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.