الرَّدُّ عَلَى رِوَايَةِ: أَنَّ القُرْآنَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَلْفَ آيَةٍ.

مُحَمَّدٌ أَبُو عَلِيٍّ:      نَقَلَ أَحَدُ المُتَحَدِّثِينَ رِوَايَةً مِنْ كِتَابِ مِرْآةِ العُقُولِ، تَقُولُ الرِّوَايَةُ: إِنَّ كِتَابَ اللهِ سَبَعَ عَشْرَةَ آيَةً، بَيْنَمَا لَا يُوجَدُ فِي القُرْآنِ أَلَا سِتَّةُ آلَافِ آيَةً، كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلِ عُلَمَائِنَا: إِنَّ القُرْآنَ لَا زِيَادَةَ فِيه؟ وَدُمْتُمْ فِي رِعَايَةِ اللهِ. 

: اللجنة العلمية

     الأَخُ مُحَمَّدٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لاَبُدَّ أَنْ نَعْرِفَ مَا هِيَ الضَّابِطَةُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الرِّوَايَاتِ الوَارِدَةِ فِي كُتُبِنَا، فَهَلْ طَبِيعَةُ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ بِكُلِّ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِهِمُ الحَدِيثِيَّةِ أَمْ أَنَّ لَهُمْ ضَوَابِطَ مُعَيَّنَةً فِي ذَلِكَ؟

     نَقُولُ: تُوجَدُ لَنَا ضَوَابِطُنَا الخَاصَّةُ وَالدَّقِيقَةُ جِدًّا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الرِّوَايَاتِ، فَلَسْنَا كَغَيْرِنَا مِمَّنْ يَعْبُدُ الأَسَانِيدَ وَيَتَّخِذُهَا دِينًا لَهُ حَتَّى لَوْ خَالَفَتِ المَعْقُولَ وَالمَنْقُولَ، بَلْ الرِّوَايَةُ الحُجَّةُ عِنْدَنَا هِيَ تِلْكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَثْبُتُ صِحَّتُهَا أَوَّلًا وَبَعْدَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ نُلَاحِظُ هَلْ يُوجَدُ لَهَا مُعَارِضٌ مِنْ رِوَايَاتٍ أُخْرَى أَوْ لَا يُوجَدُ، وَإِذَا وُجِدَ هَذَا المُعَارِضُ، هَلْ تُعَارُضُهُ مِنْ النَّوْعِ المُسْتَقِرِّ أَمْ غَيْرِ المُسْتَقِرِّ، فَإِنْ كَانَ مِنَ النَّوْعِ غَيْرِ المُسْتَقِرِّ جَمَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرَفِ الآخَرِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ ضَوَابِطِ الجَمْعِ العُرْفِيِّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّعَارُضُ مُسْتَقِرًّا، ذَهَبْنَا إِلَى المُرَجِّحَاتِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَنَا فِي عِلْمِ الأُصُولِ فِي بَابِ التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ مِنْ مُوَافَقَةِ الكِتَابِ وَمُخَالَفَةِ العَامَّةِ، فَإِذَا كَانَ المُرَجِّحُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَخَذْنَا بِهِ وَإِلَّا يَتَسَاقَطُ الخَبَرَانِ عِنْدَنَا وَلَا نَأْخُذُ بِهِمَا مَعًا.

     فَكَمَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ سِلْسِلَةً طَوِيلَةً مِنْ المَرَاحِلِ تَمُرُّ بِهَا الرِّوَايَةُ حَتَّى تَكُونَ حُجَّةً لَدَيْنَا.. وَبِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي جِئْتَ بِهَا، فَهِيَ وَإِنْ حَكَمَ الشَّيْخُ المَجْلِسِيُّ بِوَثَاقَتِهَا، إِلَّا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ القُرْآنِ، فَظَاهِرُ القُرْآنِ هُوَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَبِضْعُ مِئَةِ آيَةٍ، وَبِالتَّالِي يُضْرَبُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَرْضُ الجِدَارِ امْتِثَالًا لِأَقْوَالِ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) بِعَرْضِ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى كِتَابِ اللهُ، فَمَا وَافَقَ الكِتَابَ نَأْخُذُ بِهِ وَمَا خَالَفَ الكِتَابَ نَضْرِبُهُ عَرْضَ الجِدَارِ، عَلَى أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ تَصْحِيفًا وَاضِحًا أَشَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الأَعْلَامِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهَا.

     قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد هَادِي مَعْرِفَةٌ فِي كِتَابِهِ "صِيَانَةُ القُرْآنِ مِنَ التَّحْرِيفِ":

     (وَالحَدِيثُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ نَادِرٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ أَوْقَعَ الشُّرَّاحَ فِي مُشْكِلِ العِلَاجِ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ آيُ القُرْآنِ حَسَبَ وَاقِعِيَّتِهِ الرَّاهِنَةِ، المُوَافِقِ لِلمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَالَّتِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهَا عَامَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ كَالطَّبَرْسِيِّ وَغَيْرِهِ لَا تَعْدُو بِضْعًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّةِ آلَافِ آيَةٍ! فَهِيَ لَا تَبْلُغُ سَبْعَةَ آلَافٍ فَكَيْفَ بِسَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا؟!

     وَقَدْ جَزَمَ المَوْلَى أَبُو الحَسَنِ الشَّعْرَانِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ عَلَى شَرْحِ الكَافِي لِلمَوْلَى صَالِحٍ المَازِنْدَرَانيِّ بِأَنَّ لَفْظَةَ "عَشَرَ" مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ أَوْ الرُّوَاةِ، وَالأَصْلُ: هِيَ سَبْعَةُ آلَافٍ عَدَدًا تَقْرِيبِيًّا يَنْطَبِقُ مَعَ الوَاقِعِ نَوْعًا مَا.

     وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الوَافِيِ المَوْلَى مُحْسِنَ الفَيْضِ نَقَلَ الحَدِيثَ عَنِ الكَافِي بِلَفْظِ "سَبْعَةِ آلَافِ آيَةٍ" مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ، الأَمْرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّسْخَةَ الأَصْلِيَّةَ مِنَ الكَافِي الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ.

     قَالَ الشَّعْرَانيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الوَافِي: كَانَتِ النُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَهَا المَجْلِسِيُّ فِي مِرْآة العُقُولِ "سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا" وَكَأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ بَعْضِ النُّسَّاخِ، اسْتَقَلَّ عَدَدَ السَّبْعَةِ فَأَضَافَ إِلَيْهِ عَشْرًا، غَيْرَ أَنَّ السَّبْعَةَ آلَافٍ هِيَ القَرِيبَةُ مِنَ الوَاقِعِ المَوْجُودِ بِأَيْدِينَا، وَظَاهِرُ الحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَدَدِ إِحْصَاءِ عَدَدِ الآيَاتِ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ العَدَدِ التَّامِّ المُتَنَاسِبِ مَعَ الوَاقِعِ بَعْدَ حَذْفِ الكُسُورِ أَوْ تَتْمِيمِهَا كَمَا هِيَ العَادَةُ وَالمُتَعَارَفُ فِي الإِسْتِعْمَالِ، مِنْ بَابِ التَّسَامُحِ، بَعْدَ عَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِذِكْرِ الكَسْرِ النَّاقِصِ أَوْ الزَّائِدِ.

     وَهَذَا نَظِيرُ مَا رُوِيَ: أَنَّ الإِمَامَ زَيْنَ العَابِدِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَمْ يَزَلْ بَاكِيًا بَعْدَ شَهَادَةِ أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

     قَالَ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَجْرِي مَعَ زِيَادَةِ لَفْظِ "عَشَرَ"، قَالَ ذَلِكَ تَدْلِيلًا عَلَى غَلَطِ النُّسْخَةِ قَطْعًا). انْتَهَى [صِيَانَةُ القُرْآنِ مِنَ التَّحْرِيفِ: 224]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.