هل كان معاوية كاتباً للوحي ؟!

محي الدين/ الأردن/: بسندٍ متصلٍ صحيح كالشمس في ضحاها أن رسول الله ص إذا نزلت عليه الآيات أرسل إلى معاوية ليكتبها، روى الإمام البيهقي في الدلائل: [ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابِ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ» ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ ].  قال البيهقي: [  أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبُي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلا إِلَيَّ، فَاخْتَبَأْتُ عَلَى بَابِ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، فَقَالَ: ” اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ]. دلائل النبوة للبيهقي (6/ 243)  دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث.

: اللجنة العلمية

الأخ محيي الدين المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد ورد في سؤالك هذا عدة ملاحظات، لا بدّ من بيانها وصولاً إلى حقيقة هذا الأمر.

أولاً: أن البيهقي نفسه قد ذكر إسناداً آخر لهذه القضية قبل هذا الإسناد الذي أوردته هنا، حيث ساق هذا الخبر بإسناده إلى شعبة، قال: حدثنا أبو حمزة قال سمعت ابن عباس، فذكر الخبر نفسه، ولكنه لم يذكر فيه عبارة (وكان يكتب الوحي) التي ذُكِرتْ في حديث أبي عوانة عن أبي حمزة عن ابن عباس، فهي حينئذ تعدُّ زيادة في الحديث، والزيادة لا تُقبل من الراوي إلا بشروط وقرائن معروفة لدى نقّاد الحديث، ومن أهمّ تلك الشروط أن يكون الراوي لهذه الزيادة أحفظ وأضبط من غيره، وبناءً على ذلك: من الذي ضبط هذا الحديث عن أبي حمزة، شعبة أم أبو عوانة؟ وبعبارة أخرى: أيّهما أحفظ وأضبط في الحديث بحسب نقّاد الحديث، شعبة بن الحجاج أم أبو عوانة؟ الجواب: لا شك أنه شعبة؛ وذلك لأن أبا عوانة قد تكلم فيه نقّاد الحديث من جهة حفظه، وأنه كان إذا حدّث من كتابه فهو حجة، وإذا حدّث من حفظه فإنه يهم أو يغلط؛ وحينئذٍ: يحق لنا التشكيك في هذه الزيادة التي لم ترد في حديث شعبة الذي هو أحفظ وأضبط من أبي عوانة. 

وثانياً: أنه على فرض التسليم بهذه الزيادة وأنها ثابتة في هذا الحديث، ولكن لمَ تمسكت بها، وجعلتها كالشمس في ضحاها وكأنها فضيلة من الفضائل الكبيرة التي نالها معاوية ولم ينلها غيره من الصحابة؟ أ لم تعرف أن هناك عدداً من الصحابة كان أيضاً يكتب الوحي، زد على ذلك: أ لم تعرف أن بعضاً من كُتّاب الوحي قد ارتدّ بعد إسلامه وانحرف، كعبد الله بن أبي سرح، والنصراني الذي أسلم ثم ارتد، ورجع إلى النصرانية؛ وحين مات كانت تلفظه الأرض؟ فإذن: نستفيد مما تقدم، أن كتابة الوحي ما هي إلا وظيفة يؤدّيها الصحابي الذي يعرف الكتابة والقراءة في زمنٍ كان كثير من الصحابة لا يعرف الكتابة أو القراءة. كما كان رسول الله (ص) يطلب من الأسرى الذين أسرهم في الحروب أن يعلّموا المسلمين القراءة والكتابة، مقابل إطلاق سراحهم. 

وثالثاً: أن هذا الحديث أساساً يُحسب عليك، وليس لك؛ فلا أدري كيف لم تنتبه لمحتواه ومضمونه الذي يبيِّن لكل قارئ لبيب أن معاوية دعاه النبي(ص) ثلاث مرات، ولم يستجب له، وبقي يأكل ولم يكترث بما يريده منه رسول الله (ص)، فحينئذ دعا عليه النبي (ص) بتلك الدعوة المشهورة التي استحقها معاوية عن جدارة واقتدار، حين قال في حقه: لا أشبع الله بطنه؛ فكان معاوية بعد ذلك يأكل ولا يشبع، حتى إنه كان يأكل في اليوم الواحد سبع مرات طعاماً بلحم، وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيى. (أي إنه كان يتعب)، وقد ذكر هذه الحادثة غير واحد من المحققين كابن كثير في كتابه معجزات النبي (ص). ولقد اشتهر بين أهل العلم أن من كان همّه بطنه فقيمته ما يخرج منها؛ وفي الختام أرجو منك أخي الكريم أن تراجع نفسك قبل فوات الأوان.

 ودمتم سالمين.