هل تعلّمَ أُميرُ المؤمنينَ (ع) حُكمَ المَذيِّ من المقداد؟!

أَيمن/: تقولون إِنَّ الأَئمَّةَ يعلمونَ ما كان وما يكون وأَنَّه لا يَخفى عليهُم الشَّيءُ، وإِنَّ عليَّ ابْنَ أَبي طالبٍ بابُ العلمِ - فكيفَ يَجهلُ عليٌّ حُكمَ المَذيِّ ويُرسِلُ لِلنَّبِيِّ (صلَّى ٱللهُ عليهِ وسلَّم) مَن يُعَلِّمُهُ الأَحكامَ المتعلِّقةَ بذلك؟!

: اللجنة العلمية

الأخُ أيمن المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمَةُ اللهِ وبركاتُهُ 

1. هذه مُغالطةٌ في السُّؤالِ مِن حيثُ ادِّعاءِ أَنَّنا نَنْسِبُ عِلمَ الغَيبِ الذَّاتيِّ لِلأئمَّةِ ﴿ع﴾ وهذا مِن أَبْطَلِ الباطلِ والكذبِ علينا حيثُ لم تُفرِّقوا هُنا بينَ العلمِ الذَّاتيِّ لِلغَيبِ الَّذي هُوَ مِن مُخْتَصَّاتِ ٱللهِ ﴿ﷻ﴾ وبينَ التَّعلُّمِ مِن ذِي عِلمِ الَّذي أَطلعَ ٱللهُ عليهِ أولياءَه وهذا مِنَ الخَلطِ أَو التَّلبِيسِ.

2. ثُم نقول: كيفَ أَصبحَ أَميرُ المؤمنينَ ﴿ع﴾ بابَ مدينةِ علمِ النَّبِيّ﴿ﷺ﴾؟! أَليسَ بالتَّعَلُّمِ؟! وتعلُّمُ حُكمِ المَذيِّ مِن مَصاديقِ ومُفرداتِ التَّعلُّمِ حالُهُ حالُ غيرِهِ مِنَ الأَحكامِ والمعارفِ الَّتي تَعَلَّمَهَا أَميرُ المؤمنينَ وأَخَذَهَا مِن رسولِ ٱللهِ (ص) فما هو الاخْتلافُ أَو الإِشكالُ الَّذي تَرَونَهُ في أَخْذِ أَميرِ المؤمنينَ ﴿ع﴾ هذا الحكمَ مِن مُعَلِّمِهِ وأُستاذِهِ رسولِ ٱللهِ (ص) عَنِ الأَحكامِ الأُخرى إِلَّا الجدلَ واَّللجاجَ الَّذي تُحاولونَ مِن خلالهِ إِيجادَ أَيُّ شُبهةٍ في مُقابلِ البديهةِ دُونَ جَدوى.

3. ثُمَّ إِنَّ اسْتِعانةَ أَميرِ المؤمنينَ ﴿ع﴾ بالمِقدادِ لِسُؤالِ رسولِ ٱللهِ (ص) عن حُكمِ المذيِّ كما نَصَّتِ الرُّوايةُ مُبَرَّرٌ لِحياءِ أَميرِ المؤمنينَ ﴿ع﴾ مِن سُؤالِ رسولِ ٱللهِ (ص) مباشرة عن هكذا حُكمٍ يَخُصُّ العَلاقةَ بينَ الزَّوجينِ لِمكانِ ابْنَتِهِ فاطمة ﴿ع﴾ وخُصوصيَّةِ المَوردِ.

4. حتَّى عُلماءُ العامَّةِ المُنصِفونَ لم يجعلوا هذا السُّؤالَ يَدُلُّ على تعلُّمِ عليٍّ ﴿ع﴾  مِنَ المِقدادِ حاشا وكلَّا واعْترفوا بأَنُّ حياءَ أَميرِ المؤمنين ﴿ع﴾ مِن رسولِ ٱلله ﴿ﷺ﴾  كان مُبَرَّرَاً وحُسْنَاً لِمكانِ فاطمةَ ﴿ع﴾، واحْتمَلَ العَلَّامةُ العَينيُّ بل رَجَّحَ سَماع عليّ ﴿ع﴾ للحُكمِ مِن النَّبِيِّ (ص) مباشرةً، فقال كما في عُمدةِ القاري(2/ 215): (وهذه العِبارةُ تَدُلُّ على أَنَّ عَـلِيَّاً رضي ٱللهُ عنه سَمِعَهُ مِن رسولِ ٱللهِ صلَّى ٱللهُ عليه وسلُّم حيثُ لم يَقُل قال المِقدادُ قال رسولُ ٱللهِ صلَّى ٱلله عليه وسلَّم) نقول: بل صَرَّحت بعضُ طُرُقِ الرُّوايةِ عندَ العامَّةِ أَيضَاً كونِ عَلِيّ ٍ ﴿ع﴾ سَمِعَهَا بِنَفسِهِ مثلَ: ما رواه العَينِيُّ في عُمدةِ القاري(2/ 214) قال:

    "وأَخرج النَّسائيُّ عن أَبي عبدِ الرَّحمنِ قال: قال عليّ رضي ٱللهُ عنهُ كنتُ رجلاً مذاء وكانت ابنة النَّبِيِّ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم) تحتي فاسْتَحيَيتُ أَن أَسأل فقلتُ لرجلٍ جالسٍ إِلى جَنبي سَلْهُ فسأله فقال فيه الوضوء وأَخرَجَ التِّرْمِذِيُّ عن عبدِ الرَّحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سألتُ النَّبِيَّ صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم عن المَذِيّ فقال مِنَ المَذِيّ الوضوءُ ومِنَ المَنِيّ الغُسلُ قال حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وأَخْرَجَ أَحمدُ في مُسندِهِ عن أَسودَ بْنِ عامر حدَّثنا إِسرائيلُ عن أَبي إِسحاقَ عن هانىءِ بنِ هانىءِ عن عَلِيٍّ رضي ٱللهُ عنه قال كنتُ رجلاً مذاء فإِذا مَذيتُ اغْتَسَلتُ وأَمرتُ المِقدادَ فسأل النَّبِيّ صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم فضحكَ فقال: فيه الوضوءُ". أهـ

    ومِن هذه الرُّواياتِ يَتَبَيَّنُ أَنًّ أَميرَ المؤمنينَ أَخَذَ الحكمَ عَن رسولِ ٱللهِ (ص) مباشرةً مِن دون واسطةٍ وإِنَّما اسْتعانَ بالمِقدادِ؛ لِيَنْقُلَ السُّؤالَ لِلنَّبِيِّ (ص) فقط دون الجوابِ حيثُ أَنَّه ﴿ع﴾ مَرَّةً يقول فَضَحِكَ النَّبِيّ وأ ُخرى يقول سألتُهُ وثالثةٌ يقول قلتُ لِرَجُلٍ جالسٍ إِلى جَنبِي سَلِ النَّبِيَّ (ص) وهذا يَدُلُّ على كونِ اَميرِ المؤمنينَ ﴿ع﴾ كان حاضراً مجلسَ السُّؤالِ والجوابِ ولم يُباشرِ السُّؤالَ بنفسِهِ حياءً فلا يُعَدُّ هذا الأَمرُ تَعَلُّمَاً مِن غيرِ معصومٍ وٱللهُ العاصمُ عَنِ الزَّلَلِ والنَّصبِ والحِقدِ عياذً بٱللهِ.

5. قد نَصَّت مَرويَّاتُنا لِهذه القِصَّةِ بشكلٍ أوضحَ أَنَّ أَميرَ المؤمنينَ ﴿ع﴾ اسْتعانَ بالمِقدادِ لِإلقاءِ السُّؤالِ فقط دون أَخْذِ الحُكمِ مِنهُ، حيثُ تَحكِي الرُّوايةُ كونَ أَميرِ المؤمنينَ حاضراً عندَ السُّؤالِ والجوابِ فلم يَكُن قد سَألَ المِقدادَ أو تَعَلَّمَ مِنهُ فِعلاً وواقِعاً، فَثَبَتَ أَنَّ أَميرَ المؤمنينَ ﴿ع﴾ لم يَتوسَّط في عِلمِهِ المَعصومُ واسِطةً غيرَ مَعصومةٍ. 

    فقد رَوى الشَّيخ الطُّوسيُّ في الاسْتبصارِ(1/ 91) والتَّهذيبِ(1/ 17): إِسحاق بن عمَّار عن أُبي عبدِ ٱللهِ عليه السَّلام قال: سألته عَنِ المَذِيّ، فقال: إِنَّ عَـلِيَّاً ﴿عليه السَّلام﴾ كان رَجُلاً مذاء فاسْتَحيَى أَن يَسألَ رسولَ ٱللهِ صلَّى ٱللهُ عليهِ وآلِهِ لِمكانِ فاطمةَ ﴿عليها السَّلام﴾ فَأَمَرَ المِقدادَ أَن يَسألَهُ وَهُوَ جالسٌ فسألَهُ فقال: له النَّبِيُّ صلَّى ٱللهُ عليه وآلِهِ ليس بشيءٍ.

  ودُمتُم سالِمين.