التَّوَسُّلُ وَالتَّشَفُّعُ وَالاِسْتِغَاثَةُ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ لَيْسَ شِرْكَاً.

خَلِيْفَة مَهْرَان/: عَلِيٌّ وَفاَطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا وَهَّابِيَّةً مُوَحِّدِيْنَ للهِ لَمْ يَسْتَغِيْثُوا بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى وَلَيْسُوا بِرَافِضَةٍ مُشْرِكِيْنَ فَهُمْ بُرَاءٌ مِن دِيْنِ الإِمَامِيَّةِ (وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُوْنَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّؤكَ مِثْلُ خَبِيْرٍ).

: اللجنة العلمية

الأَخُ خَلِيْفَةُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ 

لَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ التَّوَسُّلِ وَالتَّشَفُّعِ وَالإِسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللهِ بِأَدِلَّةٍ صَحِيْحَةٍ رَوَتْهَا كُتُبُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الشِّيْعَةِ، وَإِلَيْكَ البَيَانُ:

أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي المُعْجَمِ الكَبِيْرِ، الجُزْءِ التَّاسِعِ، بِرَقَمِ 8311:عَنْ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ: أَنَّ رَجُلَاً كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – فِي حَاجَةٍ لَهُ ، فَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بنُ حَنِيْفٍ: اِئْتِ المَيْضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ اِئْتِ المَسْجِدَ فَصَلِّ فِيْهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ – جَلَّ وَعَزَّ – ، فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي، فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ، فَجَاءَ البَوَّابُ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ، فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّنْفَسَةِ، وَقَالَ: حَاجَتُكَ؟ فَذَكَرَ حَاجَتَهُ، فَقَضَاهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا ذَكَرْتَ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةُ، وَقَالَ: مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةِ فَأْتِنَا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرَاً! مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ حَتَّى كَلَّمْتَهُ فِيَّ، فَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ: وَاللهِ! مَا كَلَّمْتُهُ، وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُوْلَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَتَاهُ ضَرِيْرٌ، فَشَكَا عَلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ – : "أَفَتَصْبِرُ؟ " ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " إِيْتِ المَيْضَأَةَ، فَتَوَضَأ ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ادْعُ بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ".

قَالَ عُثْمَانُ: فَوَاللهِ! مَا تَفَرَّقْنَا وَطَالَ بِنَا الحَدِيْثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ قَطُّ. [المُعْجَمُ الكَبِيْرُ 9: 30 ].

وَهَذَا الحَدِيْثُ صَحَّحَهُ الطَّبَرَانِيُّ نَفْسُهُ ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ج 6 ص 167، وَالحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ ج 1ص ج 1 ص 526 عَنْ طَرِيْقِ أَحْمَدَ بنِ شَبِيْبٍ عَنْ أَبِيْهِ وَلَمْ يَذْكُرِ القِصَّةَ، وَسَلَّمَهُ الذَّهَبِيُّ ،وَأَقَرَّ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ تَصْحِيْحَ الطَّبَرَانِيِّ لَهُ فِي التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ ج 1 ص 273، وَالحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ ج 2 ص279 ... وَيُوْجَدُ هَاهُنَا كَلَامٌ لِلْأَلْبَانِيِّ - فِي سَنَدِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ - يَنْطَوِي عَلَى تَدْلِيْسٍ وَتَزْيِيْفٍ لِلْحَقَائِقِ ذَكَرَهُ حَمْدِي السَّلَفِيِّ مُحَقِّقُ كِتَابِ المُعْجَمِ الكَبِيْرِ لِلطَّبَرَانِيِّ،وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الحَافِظُ ابنُ الصِّدِيْقِ المَغْرِبِيِّ فِي كِتَابِهِ "إِرْغَامُ المُبْتَدِعِ الغَبِيِّ بِجَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ"،  وَرَدِّهِ بِكَلَامٍ مُحْكَمٍ مَتِيْنٍ، فَلْيُرَاجِع ثَمَّةَ!!

وَأَيْضَاً جَاءَ فِي المَوْسُوْعَةِ الفِقْهِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ وِزَارَةِ الأَوْقَافِ وَالشُّؤُوْنِ الإِسْلَامِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ، مَا نَصُّهُ: ((د - التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ:

اِخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي مَشْرُوْعِيَّةِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَقَوْلِ القَائِلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِنَبِيِّكَ أَوْ بِجَاهِ نَبِيِّكَ أَوْ بِحَقِّ نَبِيِّكَ، عَلَى أَقْوَالٍ: 

القَوْلُ الأَوَّلُ:

ذَهَبَ جُمْهُوْرُ الفُقَهَاءِ - المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُو الحَنَفِيَّةِ وَهُوَ المَذْهَبُ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ - إِلَى جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّوَسُّلِ سَوَاءَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ)). اِنْتَهَى  [المَوْسُوْعَةُ الفِقْهِيَّةُ 14: 156].

ثُمَّ ذَكَرُوا فِي الهَامِشِ المَصَادِرَ لِهَذِهِ الأَقْوَالِ، وَهِيَ: شَرْحُ المُوَاهِبِ 8: 304 ، المَجْمُوْعُ  8: 274، المَدْخَلُ 1: 248 وَمَا بَعْدَهَا ، وَإبْنُ عَابِدِيْنَ 5: 254، وَالفَتَاوَى الهِنْدِيَّةِ 1: 266 ، 5: 318 ، وَفَتْحُ القَدِيْرِ 8 : 497-498، وَالفُتُوْحَاتُ الرَّبَّانِيَّةِ عَلَى الأَذْكَارِ النُّوَوِيَّةِ 5: 36.

وَأَيْضَاً فِيْمَا وَرَدَ مِنَ الأَثَرِ الصَّحِيْحِ الصَّرِيْحِ عَنِ إبنِ عُمَرَ ، فِيْمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ المُفْرَدِ"، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: خَدِرَتْ رِجْلُ إبنِ عُمَرَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ. إنْتَهَى [ الأَدَبُ المُفْرَدُ 1: 535، حَدِيْث 959]

وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيْحٌ ، فَأَبُو نَعِيْمٍ هُوَ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، ثِقَةٌ إِمَامٌ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَأَمَّا سُفْيَانُ فَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِمَامُ الحُفَّاظِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَهُوَ السُبَيْعِيُّ ثِقَةٌ مِنْ  أَجِلَّةِ التَّابِعِيْنَ. لَكِنَّهُ لَمَّا كَبِرَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ وَاخْتَلَطَ ، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيَّ عَنْهُ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ،قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي "تَهْذِيْبِ التَّهْذِيْبِ": ((إنَّ الثَّوْرِيَّ هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي السُّبَيْعِيِّ)). [تَهْذِيْبُ التَّهْذِيْبِ 8: 57].

وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ فَقَدْ وَثَّقَهُ النِّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ إبنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ.

وَأَيْضَاً يَرْوِيْ هَذَا الأَثَرَ الحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ "غَرِيْبُ الحَدِيْثِ" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ: ( كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيْسَ ثَلَاثَةٍ: الأَعْمَشِ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَقُتَادَةَ) ، نَقَلَهُ عَنْهُ الحَاكِمُ وَالبَيْهَقِيُّ وَالحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ وإبْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ إبنُ حَجَرٍ مُعَقِّبَاً عَلَى كَلَامِ شُعْبَةَ: فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ جَيِّدَةٌ فِي أَحَادِيْثِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيْقِ شُعْبَةَ دَلَّتْ عَلَى السَّمَاعِ وَلَوْ كَانَتْ مُعَنْعَنَةً [انْظُرْ: تُحْفَةُ الأَحْوَذِيِّ 4: 140 ]..وَبِالتَّالِي تَنْتَفِي العِلَّتَانِ اللّتَانِ يَتَبَجَّحُ بِهِمَا البَعْضُ - مِنْ غَيْرِ تَحْصِيْلٍ - فِي رَدِّ هَذَا الأَثَرِ بِدَعْوَى اِخْتِلَاطِ السُّبَيْعِيِّ وَتَدْلِيْسِهِ. وَالأَثَرُ المَذْكُوْرُ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي المُنَادَاةِ بِاسْمِ النِّدَاءِ: يَا مُحَمَّدُ، لِمَيِّتٍ غَائِبٍ عَنِ الدُّنْيَا وَهُوَ النَّبِيُّ الأَعْظَمُ ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَكَذَلِكَ حُصُوْلُ الأَثَرِ التَّكْوِيْنِيِّ لِهَذَا النِّدَاءِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الحَرْبِيِّ: (قُلْتُ: ادْعُ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَبَسَطَهَا) [ انْظُرْ: تُحْفَةُ الأَحْوَذِيِّ 4: 140].

وَمَنْ أَرَادَ مُخَالَفَةَ هَذَا الظُّهُوْرِ المُسْتَفَادِ مِنَ الأَثَرِ، عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الأَثَرِ بِقَرِيْنَةٍ لَفْظِيَّةٍ أَو حَالِيَّةٍ، وَالحَالُ أَنَّهُ لَا قَرِيْنَةَ فِي البَيْنِ تُثْبِتُ مُدَّعَاهُ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ المَطْلُوْبُ وَالحَمْدُ للهِ.

هَذَا، وَقَدْ سُئِلَ العَلَّامَةُ شِهَابُ الدِّيْنِ الرَّمْلِيِّ  (المُلَقَّبُ بِالشَّافِعِيِّ الصَّغِيْرِ): عَمَّا يَقَعُ مِنَ العَامَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ عِنْدَ الشَدَائِدِ يَا شَيْخُ فُلَانٌ ، يَا رَسُوْلَ اللهِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الاِسْتِغَاثَةِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِيْنَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ، فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ لِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ وَالمَشَايِخِ إِغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَمَاذَا يُرَجِّحُ ذَلِكَ؟

فَأَجَابَ: ((الاِسْتِغَاثَةُ بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِيْنَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ جَائِزَةٌ، وَلِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ إِغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، لِأَنَّ مُعْجِزَةَ الأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ لَا تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ.

أًمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُوْرِهِمْ يُصَلُّوْنَ وَيَحُجُّوْنَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الأَخْبَارُ وَتَكُوْنُ الإِغَاثَةُ مِنْهُمْ مُعْجِزَةً لَهُمْ، وَالشُّهَدَاءُ أَيْضَاً أَحْيَاءٌ شُوْهِدُوا نَهَارَاً جَهَارَاً يُقَاتِلُوْنَ الكُفَّارَ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَهِيَ كَرَامَةٌ لَهُمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الحَقِّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ مِنَ الأَوْلِيَاءِ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ أُمُوْرٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ يُجْرِيْهَا اللهُ تَعَالَى بِسَبَبِهِمْ، وَالدَّلِيْلُ عَلَى جَوَازِهَا أَنَّهَا أُمُوْرٌ مُمْكِنَةٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ وُقُوْعِهَا مُحَالٌ وَكُلُّ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ جَائِزُ الوُقُوْعِ، وَعَلَى الوُقُوْعِ قِصَّةُ مَرْيَمَ وَرِزْقِهَا الآَتِي مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيْلُ، وَقِصَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَأَضْيَافِهِ كَمَا فِي الصَّحِيْحِ ، وَجَرَيَانُ النِّيْلِ بِكِتَابِ عُمَرَ ، وَرُؤْيَتِهِ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ بِالمَدِيْنَةِ جَيْشَهُ بِنَهَاوَنْدَ حَتَّى قَالَ لِأَمِيْرِ الجَيْشِ: يَا سَارِيَةُ الجَبَلَ، مُحَذِّرَاً لَهُ مِنْ وَرَاءِ الجَبَلِ لِكَمِيْنِ العَدُوِّ هُنَاكَ وَسَمَاعِ سَارِيَةَ كَلَامَهُ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شَهْرَيْنِ، وَشُرْبِ خَالِدٍ السُّمَّ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِهِ.

وَقَدْ جَرَتْ خَوَارِقُ عَلَى أَيْدِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا يُمْكِنُ إِنْكَاْرُهَا لِتَوَاتُرِ مَجْمُوْعِهَا وَبِالجُمْلَةِ مَا جَازَ أَنْ يَكُوْنَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا التَّحَدِّي)) . إنْتَهَى  [كِتَابُ فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ فِي فُرُوْعِ الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ : 733].

وَمِمَّا جَاءَ فِي تَرْجَمَةِ العَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ، مَا ذَكَرَهُ الزَّرَكْلِيُّ فِي"الأَعْلَامِ"، حَيْثُ قَالَ: (((شَمْسُ الدِّيْنِ الرَّمْلِيِّ) * (919 - 1004 هـ = 1513 - 1596 م) مُحَمَّدٌ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْزَةٍ، شَمْسُ الدِّيْنِ الرَّمْلِيِّ: فَقِيْهُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ فِي عَصْرِهِ، وَمَرْجِعُهَا فِي الفَتْوَى. يُقَالُ لَهُ: الشَّافِعِيُّ الصَّغِيْرُ، نِسْبَتُهُ إِلَى الرَّمْلَةِ (مِنْ قُرَى المَنُّوْفِيَّةِ بِمِصْرَ) وَمَوْلِدُهُ وَوَفَاتُهُ بِالقَاهِرَةِ، وَلِيَ إِفْتَاءَ الشَّافِعِيَّةِ، وَجَمَعَ فَتَاوَى أَبِيْهِ، وَصَنَّفَ شُرُوْحَاً وَحَوَاشِيَ كَثِيْرَةٍ، مِنْهَا (عُمْدَةُ الرَّابِحِ - خ) شَرْحٌ عَلَى هَدِيَّةِ النَّاصِحِ فِي فِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ، وَ (غَايَةُ البَيَانِ فِي شَرْحِ زَبَدٍ ابنِ رَسْلَانَ - ط) وَ (غَايَةُ المُرَامِ - خ) فِي شَرْحِ شُرُوْطِ الإِمَامَةِ لِوَالِدِهِ، وَ (نِهَايَةُ المُحْتَاجِ إِلَى شَرْحِ المِنْهَاجِ - ط) فِقْهٌ)). إنْتَهَى  [ الأَعْلَامُ- لِلزَّرَكْلِيِّ- 7: 6]. 

وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ لَا يَحِقُّ لَكَ أَيُّهَا  (الخَبِيْرُ) أَنْ تُكَفِّرَ النَّاسَ وَتَرْمِيْهِمْ بِالكُفْرِ وَالشِّرْكِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ مُسْتَنَدٌ وَلَو ضَعِيْفٌ فِي فِعْلِهِمْ، فَقَدِ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ المُسْلِمِيْنَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ تَكْفِيْرُ المُسْلِمِ الَّذِي يَكُوْنُ عِنْدَهُ مُسْتَنَدٌ وَلَو ضَعِيْفٌ فِيْمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ.

جَاءَ فِي "البَحْرِ الرَّائِقِ" لِابْنِ نُجَيْمٍ الحَنَفِيِّ المَصْرِيِّ: ((وَلَا يُكَفَّرُ بِالمُحْتَمَلِ لِأَنَّ الكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي العُقُوْبَةِ، فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الجِنَايَةِ، وَالَّذِي تَحَرَّرَ: أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ، أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اِخْتِلَافٌ وَلَو رِوَايَةٌ ضَعِيْفَةٌ)). انْتَهَى  [البَحْرُ الرَّائِقُ شَرْحُ كَنْـِز الدَّقَائِقِ  3: 428].

وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدْ عَبْدُه: ((لَقَدِ اشتُهِرَ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَعُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِ دِيْنِهِمْ، أَنَّهُ إِذَا صَدَرَ قَوْلٌ مِنْ قَائِلٍ يَحْتَمِلُ الكُفْرَ مِنْ مَائَةِ وَجْهٍ، وَيَحْتَمِلُ الإِيْمَانَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، حُمِلَ عَلَى الإِيْمَانِ وَلَا يَجُوْزُ حَمْلُهُ عَلَى الكُفْرِ)). إنْتَهَى [ الأَعْمَالُ الكَامِلَةُ لِلإِمَامِ مُحَمَّدْ عَبْدُه 3: 302. دِرَاسَةُ وَتَحْقِيْقُ الدُّكْتُوْر مُحَمَّدْ عَمَارَة].

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.