مُقْتَطَفَاتٌ مِنْ تَصَدِّي أُبَيٍّ بنِ كَعْبٍ لِلْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ.

جَلِيْلٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. مَنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ أُبَيٌّ بنُ كَعْبٍ وَكَيْفَ كَانَ حَالُهُ قَبْلَ وَبَعْدَ الإِسْلَامِ؟ مَا هُوَ مَوْقِفُ الشِّيْعَةِ مِنْهُ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ عَلِيٌّ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ

هُوَ أُبَيٌّ بنُ كَعْبٍ بنِ قَيْسٍ مِنَ الخَزْرَجِ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ المَدِيْنَةِ المُنَوَّرَةِ وَأُمُّهُ هِيَ صَهِيْلَةُ بِنْتُ النَّجَّارِ، وَهِيَ عَمَّةُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيّ وَلِلصَّحَابِيِّ الجَلِيْلِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ كُنْيَةٌ كَنَّاهُ بِهَا رَسُوْلُ االلهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُكَنِّيْهِ بِأَبِي الطَّفَيْلِ فَيُنَادِيْهِ بِاسْمِ ابْنِهِ الطَّفَيْلِ!

وَجَمَعَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ أُبَيٌّ بنُ كَعْبٍ القُرْآَنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَهُ… وَقَدْ أَسْنَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ بنِ كَعْبٍ مُهِمَّةَ تَعْلِيْمِ الوُفُوْدِ القُرْآَنَ وَتَفْقِيْهَها فِي الدِّيْنِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إِذَا غَابَ عَنِ المَدِيْنَةِ يَسْتَخْلِفُهُ لِإِمَامَةِ المُسْلِمِيْنَ فِي الصَّلَاةِ.

أَسْلَمَ قَدِيْمَاً بَلْ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ العَقْبَةِ الثَّانِيَةِ الَّذِيْنَ هَاجَرُوا لِيُبَايِعُوا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ عِنَدَ العَقَبَةِ فِي مِنَى وَكَانَ قَدْ شَهِدَ المَعَارِكَ كُلَّهَا كَمَعْرَكَةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالخَنْدَقِ وَغَيْرِهَا. وَكَانَ كَاتِبَاً لِلْوَحْيِّ بَلْ هُوَ أَوَّلُ كُتَّابِ الوَحْيِّ بَعْدَ هِجْرَةِ الرَّسُوْلِ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ يُشِيْرُ إِلَى عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَيُوْصِي بِأَخْذِ القُرْآَنِ عَنْهُ فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوَلَهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ: (خُذُوا القُرْآَنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ ابنِ أُمِّ عَبْدٍ فَبَدَأَ بِهِ وَمُعَاذٍ بنِ جَبَلٍ وَأُبَيٍّ بنِ كَعْبٍ وسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) بَلْ قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ:(إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ قَالَ أُبيٌّ: اللهُ سَمَّانِي لَكَ ؟ قَالَ : '' اللهُ سَمَّاكَ لِي. فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي).

     كَانَ مُلَازِمَاً لِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عَارِفَاً بِحَقِّهِ، يَأْخُذُ عَنْهُ القُرْآَنَ والْأَحْكَامَ وَالفِقْهَ وَالعِلْمَ وَكَانَ مِنْ شِيْعَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ.

وَمِنْ أَهَمِّ مَوَاقِفِ أُبَيٍّ بنِ كَعْبٍ العَظِيْمَةِ هُوَ كَوْنُهُ مِنَ الإِثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيَّاً الَّذِيْنَ نَصَرُوا الحَقَّ وَتَصَدَّوا لِلْبَاطِلِ وَأَنْكَرُوا عَلَى أَبِيْ بَكْرٍ خِلَافَتَهُ وَغَصْبِهَا مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَوَصِيِّ رَسُوْلِ رَبِّ العَالَمِيْنَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بِخُطْبَةٍ عَصْمَاءَ قَوِيَّةٍ مُزَلْزِلَةٍ ذَكَرَهَا السَّيِّدُ بَحْرُ العُلُوْمِ فِي فَوَائِدِهِ الرِّجَالِيَّةِ، وَكَذَلِكَ تَصَدِّيْهِ لِعُمَرَ وَكَشْفِ جَهْلِهِ وَبَيَانِ قَدْرِهِ الحَقِيْقِيِّ وَهَذَا مِنَ الجِهَادِ العَظِيْمِ وَنُصْرَةُ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ، الَّذِي تَنَصَّلَ عَنْهُ الكَثِيْرُ وَقَامَ بِوَاجِبِهِ أَقَلُّ القَلِيْلِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَبِيْ ذَرٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالمِقْدَادَ وَسَلْمَانَ وَعَمَّارٍ وَزَيْدٍ بنِ أَرْقَمٍ وَجَابِرٍ الأَنْصَاْرِيَّ وَسَهْلٍ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَأُبَيٍّ بنِ كَعْبٍ وَعُبَادَةَ وَالبَرَاءِ وَأَبِي الهَيْثَمِ وَذِي الشَّهَادَتَيْنِ وَقَدْ تَرَبَّى عَلَى يَدِ بَابِ مَدِيْنَةِ عِلْمِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِه فَكَانَ نِعْمَ التِّلْمِيْذُ الَّذِيْ تَصَدَّى لِبَيَانِ تَنْزِيْلِ القُرْآَنِ الكَرِيمِ الَّذِي يَحْتَوِيْ عَلَى تَفْسِيْرٍ وَتَأْوِيْلٍ وَبَيَانٍ لِلْآَيَاتِ القُرْآَنِيَّةِ لَمْ يَكْتُبْهُ أَحَدٌ وَلَكِنَّ أُبَيَّاً كَانَ يَحْفَظُهُ وَيُتْقِنُهُ فَكَانَ يَتَحَدَّى عُمَرَ وَيَتَصَدَّى لَهُ حِيْنَمَا يُرِيْدُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ عَالمٌ بِشَيءٍ مِنَ القُرْآَنِ وَالشَّرِيْعَةِ وَنَذْكُرُ بَعْضَ مَوَاقِفِهِ مَعَ عُمْرَ وَأَقْوَالِهِ فِيْهِ:

1- رَوَى الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ: ...فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ تَلَقَّنْتَهَا كَذَلِكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ غَضْبَانٌ: نَعَمْ وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى جِبْرِيْلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْزَلَهَا جِبْرِيْلُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَلَمْ يَسْتَأْمِرْ فِيْهَا الخَطَّابَ وَلَا ابْنَهُ. فَخَرَجَ عُمَرُ رَافِعَاً يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ كَعْبٍ القَرْظِيِّ مَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ هَذِهِ الآَيَةَ: "وَالسَّابِقُوْنَ". وَفِي لَفْظٍ مِنْ طَرِيْقِ عُمَرَ بنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ: فَقَالَ أُبَيُّ: واللهِ أَقْرَأْنِيْهَا رَسُوْلُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَأَنْتَ تَبِيْعُ الخَبْطَ. فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ إِذَنْ فَنَعَمْ، إِذَنْ نُتَابِعُ أُبَيَّاً. 

وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلَاً يَقْرَأُهُ بِالوَاوِ فَقَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ؟ قَالَ: أُبَيٌّ. فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَإِنَّكَ لَتَبِيْعُ القَرَظَ بِالْبَقِيْعِ. قَالَ: صَدَقْتَ وَإِنْ شِئْتُ قُلْتُ: شَهِدْنَا وَغِبْتُمْ، وَنَصَرْنَا وَخَذَلْتُمْ، وَآَوَيْنَا وَطَرَدْتُمْ.

2. عَنْ أَبِي إِدْرِيْسٍ الخَوْلَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبِيْ يَقْرَأُ: إِذْ جَعَلَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا فِيْ قُلُوْبِهِمُ الحَمِّيَّةَ حَمِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ حَمَيْتُمْ كَمَا حَمَوا لَفَسَدَ المَسْجِدُ الحَرَامُ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَى رَسُوْلِهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَاشْتَدَّ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَدَعَا نَاسَاً مِنْ أَصْحَابِهِ فِيْهِمْ زَيْدٌ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: مَنْ يَقْرَأُ مِنْكُمْ سُوْرَةَ الفَتْحِ؟ فَقَرَأَ زَيْدٌ عَلَى قِرَاءَتِنَا اليَوْمَ فَغَلُظَ لَهُ عُمَرُ فَقَالَ أُبَيُّ، أَأَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: تَكَلَّمْ. فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّيْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَيُقْرِؤنِي وَأَنْتَ بِالبَابِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُقْرِئَ النَّاسَ عَلَى مَا أَقْرَأَنِي أَقْرَأْتُ وَإِلَّا لَمْ أَقْرَأْ حَرْفَاً مَا حَييّتُ ؟ قَالَ: بَلْ أَقْرِيء النَّاسَ.

وَفِيْ لَفْظٍ: فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللهِ يَا عُمَرُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَحْضَرُ وَتَغِيْبُوْنَ، وَأُدْعَى وَتُحْجَبُوْنَ، وَيُصْنَعُ بِي، وَاللهِ لَئِنْ أَحْبَبْتُ لَأَلْزَمَنَّ بَيْتِي فَلَا أُحَدِّثُ أَحَدَاً بِشَيْءٍ؟

3. عَنِ ابنِ مِجْلِزٍ قَالَ: إِنَّ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ قَرَأَ: مِنَ الَّذِيْنَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَولِيانِ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ. قَالَ: أَنْتَ أَكْذَبُ. فَقَالَ رَجُلٌ: تُكَذِّبُ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: أَنَا أَشَدُّ تَعْظِيْمَاً لِحَقِّ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْكَ، وَلَكِنْ كَذَّبْتُهُ فِي تَصْدِيْقِ كِتَابِ اللهِ، وَلَمْ أُصَدِّقْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي تَكْذِيْبِ كِتَابِ اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ.

4. عَنْ بَجَالَةَ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بِغُلَامٍ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي المِصْحَفِ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ. فَقَالَ: يَا غُلَامُ حُكَّهَا. قَالَ: هَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ: إِنَّهُ كَانَ يُلْهِيْنِي القُرْآَنُ وَيُلْهِيْكَ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. وَأَغْلَظَ لِعُمَرَ.

5. قَرَأَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتَاً وَسَاءَ سَبِيْلَاً إِلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوْرَاً رَحِيْمَاً. فَذُكِرَ لِعُمَرَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْ فِيهِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَلَيْسَ لَكَ عَمَلٌ إِلَّا الصَّفْقُ بِالبَيْعِ. 

وَأَكْمَلَ أُبَيُّ مَوَاقِفَهُ العَظِيْمَةَ بِالتَّصَدِّي لِعْثُمَانَ هَذِهِ المَرَّةَ حَيْثُ أَرَادَ فَضْحَهُ وَبَيَانَ ذَمِّهِ وَسُوْءَ أَعْمَالِهِ وَتَوَعَّدَ بِأَنْ يَقُوْمَ بِذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِيُعْلِنَ الحَقَّ لِلنَّاسِ وَلَكِنَّ يَدَ الغَدْرِ امْتَدَّتْ لَهُ يَوْمَ الخَمِيْسِ فَمَاتَ (قُتِلَ) بَعْدَ أَنْ تَوَقَّعَ قَتْلَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلُطَاتِ كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي أَقْوَالِهِ الآَتِيَةِ: 

حَيْثُ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى (3/ 380): عَنْ عُتَيٍّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَا لَكُمْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ(ص) نَأْتِيكُمْ مِنَ الْبُعْدِ نَرْجُو عِنْدَكُمُ الْخَبَرَ أَنْ تُعَلِّمُونَا فَإِذَا أَتَيْنَاكُمُ اسْتَخْفَفْتُمْ أَمْرَنَا كَأَنَّا نَهُونُ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى هَذِهِ الْجُمُعَةِ لأَقُولَنَّ فِيهَا قَوْلاً لا أُبَالِي اسْتَحْيَيْتُمُونِي عَلَيْهِ أَوْ قَتَلْتُمُونِي، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا أَهْلُهَا يَمُوجُونَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فِي سِكَكِهِمْ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ هَؤُلاءِ النَّاسِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. 

 وَرُوِيَ نَفْسُ مَضْمُوْنِ هَذِهِ القِصَّةِ عَنْ صَحَابِيٍّ آَخَرَ هُوَ جُنْدُبَ بنَ عَبْدِ اللهِ البَجْلِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فَدَخَلْتُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا النَّاسُ فِيهِ حَلَقٌ يَتَحَدَّثُونَ. فَجَعَلْتُ أَمْضِي الْحَلَقَ حَتَّى أَتَيْتُ حَلْقَةً فِيهَا رَجُلٌ شَاحِبٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ كَأَنَّمَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هَلَكَ أَصْحَابُ الْعُقْدَةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَلا آسَى عَلَيْهِمْ. أَحْسَبُهُ قَالَ مِرَارًا. قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَتَحَدَّثَ بِمَا قُضِيَ لَهُ. ثُمَّ قام. قالَ فسَألتُ عنهُ بعدَ ما قَامَ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. قَالَ فَتَبِعْتُهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ فَإِذَا هُوَ رَثُّ الْمَنْزِلِ رَثُّ الْهَيْئَةِ. فَإِذَا رَجُلٌ زَاهِدٌ مُنْقَطِعٌ يُشْبِهُ أَمْرُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ ثُمَّ سَأَلَنِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: أَكْثَرُ مِنِّي سُؤَالاً. قَالَ لَمَّا قال ذَلِكَ غَضِبْتُ. قَالَ فَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَرَفَعْتُ يَدَيَّ. هَكَذَا وَصَفَ. حِيَالَ وَجْهِهِ فَاسْتَقْبَلْتُ الْقِبْلَةَ. قَالَ قُلْتُ: اللَّهُمَّ نَشْكُوهُمْ إِلَيْكَ إِنَّا نُنْفِقُ نَفَقَاتِنَا وَنُنْصِبُ أَبْدَانَنَا وَنُرْحِلُ مَطَايَانَا ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فَإِذَا لَقِينَاهُمْ تَجَهَّمُوا لَنَا وَقَالُوا لَنَا. قَالَ فَبَكَى أُبَيُّ وَجَعَلَ يَتَرَضَّانِي وَيَقُولُ: وَيْحَكَ لَمْ أَذْهَبْ هُنَاكَ. قَالَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَاهِدُكَ لَئِنْ أَبْقَيْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لأَتَكَلَّمَنَّ بِمَا سَمِعْتُ مِنَ رَسُولِ اللهِ لا أَخَافُ فِيهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. قَالَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ عَنْهُ وَجَعَلْتُ أَنْتَظِرُ الْجُمُعَةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَإِذَا السِّكَكُ غَاصَّةٌ مِنَ النَّاسِ لا أَجِدُ سِكَّةً إِلا يَلْقَانِي فِيهَا النَّاسُ. قَالَ قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: إِنَّا نَحْسَبُكَ غَرِيبًا. قَالَ قُلْتُ: أَجَلْ. قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.