لَا وَجْهَ لِلشِّيعَةِ للتَّمَسُّكِ بِحدِيثِ المَنزِلَةِ .. اِنْتَهَتْ مُهمَّةُ الاِستِخْلافِ بِمُجرَّدِ رُجوعِ مُوسى (ع)!!

ثَابِت/: ((أنتَ مِنِّي بِمَنزلةِ هَارونَ مِن مُوسى إلَّا أنَّهُ لَا نَبيَّ بَعدي)) وَباِنتِزاعِ النُّبوَّةِ مِنْ عَلِيٍّ لَمْ يَبقَ لَهُ إِلَّا الاِستِخلَافُ الوَقتِيُّ ..اِنْتهَتْ مُهمَّةُ هَارونَ بالاِستِخلافِ بِمجرَّدِ رُجوعِ مُوسَى .. كَمَا اِنتهَتْ مُهمَّةُ عَليٍّ بِرجُوعِ النَّبيِّ .... فَأيُّ مَنزلَةٍ دَائِمةٍ يُحاولُ الشِّيعَةُ إثبَاتَهَا؟!

: اللجنة العلمية

الأخُ ثَابتٌ، السَّلامُ عَليكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ 

جِهَةُ الاِستِدلالِ فِي حَديثِ المَنزلَةِ عَلى إمامَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ (عَليهِ السَّلامُ) وَخلافَتِهِ بَعدَ رَسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) هِيَ مِنْ جِهَةِ العُمُومِ المُستَفَادِ فِي ألفَاظِ الحَديثِ، فَقدْ وَرَدَ فِيه العُمُومُ مِنْ جِهَتَيْنِ: 

 الأُولَى: مِن جِهَةِ وُجُودِ اِسْمِ الجِنسِ المُضَافِ، أَيْ إِضافَةُ اِسْمِ الجِنْسِ (مَنْزِلَة) إلَى (هَارُونَ)، فَقَدْ نَصَّ أكَابِرُ عُلمَاءِ الفِقْهِ  وَاللُّغَةِ وَالأصُولِ عَلى أنَّ اسْمَ الجِنسِ المُضَافِ يُفيدُ العُمومَ، حَيثُ قَالوا: لَو حَلفَ أنَّهُ لَا يَشرَبُ مِنْ مَاءِ الفُراتِ ثُمَّ شَربَ مِنْ جَدوَلٍ يَجرِي مِن نَهرِ الفُراتِ فَإنَّهُ يَكونُ قَدْ حَنثَ بِيَمينِهِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لأنَّ (مَاء) اِسْمُ جِنْسٍ أُضِيْفَ إلَى عَلَمٍ (الفُرَاتِ) فَأفَادَ العُمُومَ، وَلأجلِ أنَّهُ أَفَادَ العُمُومَ حَنَثَ بيمِينِهِ.

رَاجِع: المَجمُوع للنُّوويِّ 17 : 75، وَالمُغنِي لابنِ قُدامَةَ 11: 306، وَكَشْف القِناعِ للبَهُوتِيِّ 5 : 366.

وَجَاءَ عَن عَضُدِ الدِّينِ الإيجيِّ: "ثُمَّ الصِّيْغَةُ المَوضُوعَةُ لَهُ. أَيْ لِلعُمُومِ عِندَ المُحقِّقينَ هِيَ هَذهِ:

فَمِنْهَا: أَسمَاءُ الشَّرطِ وَالاِستِفهَامِ، نَحوَ: مِن وَمَا وَمَهمَا وَأينَمَا.

وَمِنْهَا: المَوصُولَاتُ، نَحوَ: مَنْ وَمَا وَالَّذِي.

وَمِنهَا: الجُمُوعُ المُعَرَّفَةُ تَعريفَ جِنسٍ لَا عَهدٍ، وَالجُمُوعُ المُضَافَةُ نَحوَ:

العُلَمَاءِ وَعُلمَاءِ بَغدَادَ.

وَمِنْهَا اِسمُ الجِنْسِ كَذَلِكَ. أيْ مُعَرَّفَاً تَعريفَ جِنْسٍ، أَوْ مُضَافَاً".  [ شَرحُ مُختصرِ الأصولِ 2: 102]

وَعَن اِبنِ نَجِيمٍ المَصريِّ:

" قَاعِدةٌ - المُفردُ المُضَافُ إلى المَعرفَةِ للعُمُومِ. صَرَّحُوا بِهِ فِي الاِستِدلالِ عَلَى أنَّ الأمرَ للوُجُوبِ فِي قَولهِ تَعالى: * (فليحذرِ الذينَ يُخالفونَ عن أمره) *أَيْ كُلُّ أَمرِ اللهِ تَعالى.

وَمِنْ فُرُوعِهِ الفِقهيَّةِ: لَو أوصَى لِوَلَدِ زَيْدٍ أو وَقَفَ عَلى وَلَدِهِ وَكَانَ لَهُ أولادٌ ذُكورٌ وَإناثٌ، كَانَ لِلكُلِّ. ذَكَرَهُ فِي فَتحِ القَديرِ، مِنَ الوَقفِ. وَقَدْ فَرَّعتُهُ عَلى القَاعِدَةِ. وَمِنْ فُرُوعِهَا: لو قَالَ لِامرَأتِهِ: إِنْ كَانَ حَملُكِ ذَكَرَاً فَأنتِ طَالقٌ وَاحدةً ، وَإنْ كَانَ أُنثَى فإَثنَتَينِ. فَوَلَدَتْ ذَكرَاً وَأنْثَى. قَالوا: لَا تُطَلَّقْ. لأنَّ الحَملَ اِسْمٌ للكُلِّ، فَمَا لَمْ يَكُنِ الكُلُّ غُلامَاً أو جَاريَةً لمْ يُوجِدْ لِشَرْط . ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، مِنْ بَابِ التَّعليقِ. وَهُوَ مُوافِقٌ للقَاعِدَةِ، فَفَرَّعْتُهُ عَليهَا. وَلَو قُلنَا بِعَدَمِ العُمُومِ للَزِمَ وُقوعُ الثَّلاثِ". [الأشبَاهُ وَالنَّظَائِرُ : 381].

وَبِلِحَاظِ مَا تَقدَّمَ  فَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): (أنتَ مِنِّي بِمَنزلَةِ هَارونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أنَّهُ لَا نَبيَّ بَعدِي)، أمَّا إضَافَةُ لَفظَةِ (مَنزِلَة) وَهِيَ اِسْمُ جِنسٍ إلَى اسْمِ مَعْرِفَةٍ وَهُوَ (هَارُونَ)، فَأفَادَ هَذا التَّعبِيرُ عُمُومَ المَنَازلِ الَّتِي كَانَت لِهارُونَ تَكُونُ لعلِيٍّ (عَليهِ السَّلَامُ) مَا خَلا النُّبُوَّةَ المُسْتَثْنَاةَ فِي الحَديثِ نَفسِهِ، وَمِنَ المَعلومِ أنَّ مِنَ المَنَازِلِ الَّتِي كَانَتْ لِهَارُونَ (عَليهِ السَّلامُ) هِيَ الخِلافَةُ، فَتكُونُ الخِلافَةُ ثَابِتَةً لِعَليٍّ (عَليهِ السَّلامُ) بِعُمُومِ هَذا الحَديثِ.

الجِهَةُ الثَّانيَةُ: الاِستِثنَاءُ الوَارِدُ فِي الحَديثِ: "إلَّا أنَّهُ لا نَبيَّ بَعدِي". 

 قَالَ جَلالُ الدِّينِ المَحَلِّي فِي شَرحِهِ عَلَى جَمْعِ الجَوَامِعِ (مَبحَثُ العُمُومِ وَالخُصُوصِيَّةِ): "وَمِعيَارُ العُمُومِ الاِسْتِثنَاءُ، فَكُلُّ مَا صَحَّ الاِسْتِثنَاءُ مِنهُ مِمَّا لا حَصرَ فِيهِ فَهوَ عَامٌّ". انْتَهَى.

فَهَاتَانِ جِهَتَانٍ فِي الحَدِيثِ تَدُلَّانِ عَلَى عُمُومِ الحَديثِ وَشُمُولِهِ لِكُلِّ المَنَازِلِ الَّتِي كَانَتْ للنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) خَلا مَنزلَةَ النُّبوَّةِ، يَعرفُهمَا كُلُّ مُتَضَلِّعٍ فِي عُلُومِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَعِلْمِ الأصُولِ، وَالنَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) هُوَ أَفْصَحُ مَن نَطَقَ بِالضَّادِ.

أمَّا كَونُ هَذَا الاِسْتِخلَافِ اِسْتِخلافَاً وَقتِيَّاً يَنتَهِى بِعَودَةِ مُوسَى (عَليهِ السَّلامُ)، فَلا يَنطبِقُ هَذا الدَّليلُ عَلى خِلافَةِ عَليٍّ (عَليهِ السَّلامُ) بَعدَ رَسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلّمَ)؟!

نَقُولُ: بَعدَ ثُبوتِ المُقتَضَى، وَهُوَ دَلالَةُ العُمومِ فِي المَنزلَةِ الشَّامِلَةِ لِجَميعِ مَنَازِلِ هَارُونَ وَالَّتِي مِنهَا الخِلافَةُ، وَانتِفَاءُ المَانِعِ، وَهُوَ عَدَمُ مَوتِ عَلِيٍّ (عَليهِ السَّلَامُ) وَبَقَائهِ بَعدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ)، يَثْبُتُ المَطْلُوبُ كَأيِّ قَضيَّةٍ يَكونُ المُقتَضَى فِيهَا مَوجُودَاً وَالمَانِعُ مَفقُودَاً.

مَعَ مَلحُوظَةِ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ لَمْ يَقتَصِرْ النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) عَلى ذِكرِهِ فِي حَادثَةِ اِسْتِخْلافٍ مُؤقَّتٍ، كَمَا فِي غَزوَةِ تَبوك، بَلْ كَرَّرَهُ فِي عِدَّةِ مُناسَبَاتٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا هَذا الاِسْتِخلافُ المَذكُورُ، الأمْرُ الَّذي يُؤَكِدُّ عُمُومَهُ وَأنَّهُ لَيسَ مَخصُوصَاً بِحالةٍ مُؤقَّتةٍ، وَحَتَّى لَو أَصرَّ البَعضُ عَلى أنَّهُ وَردَ فِي حَادثةِ اِسْتخلافٍ مُؤقَّتٍ كَغَزوَةِ تَبوك نَقولُ لَهُ: الحَدِيثُ عَامٌّ بِألفَاظِهِ، وَقَدْ اِتَّفَقتْ كَلمَةُ العُلماءِ عَلى أنَّ المَورِدَ لا يُخَصِّصُ الوَارِدَ، فَيَبقَى التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ الحَدِيثِ عَلى حَالِهِ وَإلَّا تَوقَّفَ استِفَادَةُ الأحكَامِ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرعيَّةِ لِوُرُودِهَا فِي حَوَادِثَ خَاصَّةً، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ. 

وَدُمتُمْ سَالمينَ.