مَا هِيَ حَاجَةُ الأمَّةِ إلى إمَامٍ مَعصُومٍ بَعدَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الشَّريفَةِ؟!

عَبدُ الرَّحمَنِ/: السَّلَامُ عَليكُمْ، سُؤَالي لَكُمْ هُوَ: هَلْ بِاِمتِلاكِ المُسلِمِينَ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ يَحتَاجُونَ إلى 12 مَعْصُومٍ بَعدَ رُسُولِ اللهِ وَإذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ يَا شِيعَةُ، فَمَا هِيَ وَظِيْفَةُ الإمَامِ؟؟ وَإذَا كَانَ وُجُودُ الإمَامِ المَعْصُومِ ضَروريَّاً كَمَا زَعَمَتِ الشِّيْعَةُ فَكَيفَ يَتمُّ تَحديدُهُمْ بِاثنَي عَشَرَ إمَامَاً بَعدَ رَسُولِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ؟؟ وَهَلِ الدَّلَائِلُ القُرآنيَّةُ وَالعَقْلِيَّةُ تُؤَيِّدُ حَصْرَ الأئمَةِ بِاثنَي عَشَرَ إمَامَاً؟؟

: اللجنة العلمية

الأخُ عَبدُ الرَّحمَنِ المُحتَرَمُ، السَّلامُ عَليكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

حَتَّى تَكُونَ إجَابَتُنَا وَافيَةً عَلَى هَذَا السُّؤَالِ نَطرَحُ بِدَورِنَا هَذا التَّسَاؤُلَ: هَل بَيَّنَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ) لِلمُسْلِمِيْنَ كُلَّ أَحْكَامِ الشَّرِيْعَةِ، بِحَيْثُ لَا يَحتَاجُونَ مَعَهَا إلَى أيِّ مُسْتَنَدٍ آَخَرَ أو بَيَانٍ آخَرَ فِي مَعرِفَةِ الأحْكَامِ؟!!

لَن نَذهَبَ بَعيدَاً فِي الإجَابَةِ عَلَى هَذَا التَسَاؤُلِ وَلنَنْظُرْ إلَى حَالِ الجِيلِ الأوَّلِ مِنَ المُسلِمِينَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَنَعنِي بِهِمُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ.

يَقُولُ اِبنُ أبي لَيلَى: أَدْرَكتُ مَائةً وَعِشرِينَ مِنَ الأنصَارِ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنِ المَسْأَلَةِ، فَيَرُدُّهَا هَذا إلَى هَذا حَتَّى تَرجِعَ إلى الأوَّلِ، وَمَا مِنهُمْ مِنْ أحَدٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ أو يَسألُ عَن شَيءٍ إلَّا ودَّ أخَاهُ كَفَّاهُ.  [سُنَنُ الدَّارِمِي 1: 65].

بَينَمَا كَانَ أميرُ المُؤمنينَ عَليٌّ (عَليهِ السَّلامُ) يَقُولُ: سَلُونِي، فَواللهِ لَا تَسألُونِي عَن شَيءٍ يَكونُ إلى يَومِ القِيَامَةِ إلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ، وَسَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللهِ فَواللهِ مَا مِن آيةٍ إلَّا وَأَنَا أَعلَمُ بِليلٍ نَزَلتْ أمْ بِنَهَارٍ أمْ بِسَهلٍ نَزَلَتْ أمْ بِجَبَلٍ. [جَامِعُ بَيَانِ العِلمِ 1: 464 ، يَرويهِ بِإسْنَادٍ صَحيحٍ].

وَالفَرقُ وَاضِحٌ جِدَّاً بَينَ المَوقِفَيْنِ: بَينَ مَوقِفِ الصَّحَابَةِ مِنَ الإجَابَةِ عَلَى المَسَائِلِ الَّتِي يَتَعَرَّضُونَ إليْهَا وَمَوقِفَ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَليّ (عَليهِ السَّلامُ) فِي ذَلكَ.. فَمَا هُوَ سَببُ إحْجَامِ الصَّحَابَةِ عَنْ إِجَابَةِ السَّائِلِيْنَ عَلَى أَسْئِلَتِهِمْ؟!!

الأمْرُ لَا يَخلُو مِنْ إحْدَى اِثنَتَينِ: إمَّا هُوَ عَدَمُ وُجُودِ حَديثٍ عِندَهُمْ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِي المَسْأَلَةِ المَسْؤُولِ عَنْهَا، أو يُوَجدُ حَديثٌ لَكنَّهُمْ -خَشِيَةَ التَّورُّطِ فِي بَيَانٍ غَيرِ صَحِيحٍ - يُحْجِمُونَ عنِ الإجَابَةِ.. وَمِنْ هُنَا اِحْتَاجَتِ الأمَّةُ إلَى مُبَيِّنٍ لِلأحْكَامِ بَعدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يُنقِذُ الصَّحَابَةَ وَالأمَّةَ مِنْ حِيرَتِهِمْ هَذِهِ، فَمَنْ هُوَ هَذَا الشَّخْصُ أوِ الأشْخَاصُ الَّذِينَ يُبَيِّنُونَ للأُمَّةِ الأحْكَامَ بَعدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ)؟!!

لَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا المَطْلَبَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ النَّبِيُّ الأعْظَمُ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ قَالَ: {إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ }. [مُخْتَصَرُ صَحِيحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ للسَيُوطِيِّ وَالألبَانِيِّ، رَقَمُ الحَدِيثِ 1726- 2458]

وَحِينَ قَالَ: {إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَليفَتَينِ: كِتَابَ اللهِ، حَبلٌ مَمدُودٌ مَا بَينَ الأرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيتِي، وَأنَّهُمَا لَن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ}. [صَحِيحُ الجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلألبَانِيِّ 1: 482، مُسنَدُ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، بِرَقَمِ : 21654، تَصحِيحُ شُعيبَ الأرنَؤُوطِ].

فَهَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ، المَعْرُوفُ بِحَدِيثِ الثَّقَلَينِ، وَالَّذِي صَحَّحَهُ عَلَى اِخْتِلَافِ طُرُقِهِ وَألفَاظِهِ الكَثِيرُ مِنْ جَهَابِذَةِ الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أمْثَالِ اِبنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيِّ وَالهَيثَمِيّ واِبنِ كَثيرٍ وَالطَّحَاويّ وَالحَاكِمِ وَالبُوصِيريِّ وَشُعيبٍ الأرنَؤُوط. [انظُرْ عَلى التَّرْتِيْبِ: المَطَالِبُ العَالِيَةُ 4 :65 بِرَقمِ 3972، الصَّوَاعِقُ المُحْرِقَةُ 2 :439 ، تَفسِيرُ اِبنُ كَثيرٍ 12 : 271، شَرحُ مُشْكِلِ الآثَارِ 5 :18، المُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ 3 : 148، اِتْحَافُ الخِيَرَةِ المَهَرَةِ 9 : 279، مُسْنَدُ أحْمَدَ - تَصْحِيحُ الأرنَؤُوطِ - حَدِيثُ رَقَمُ 11104].

يُسْتَفَادُ مِنْهُ أنَّ هُنَاكَ مَرْجِعِيَّةٌ عَيَّنَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لِلأُمَّةِ مِنْ بَعدِهِ يَكُونُ التَّمَسُّكُ بِهَا مُنْقِذَاً لِلأُمَّةِ مِنَ الضَّلَالِ، وَلِمَعرِفَةِ أشْخَاصِ وَعَدَدِ هَذِهِ المَرجِعِيَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَعدِهِ نَنْصَحُكُمْ بِمُرَاجَعَةِ مَقَالَةِ: مَبْحَثٌ حَولَ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، عَلَى مَوقِعِنَا، فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الكَامِلُ لِهَذَا المَوضُوعِ. 

 

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.