هل مذهبِ التّشيّعِ بعدَ وفاةِ النّبيّ (ص وآله) بدعةٌ؟

هُدى رحمان/ العراق يزعمُ جُملةٌ مِن عُلماءِ المذاهبِ المُخالفةِ ويَنسبونَ الشّيعةَ إلى زُرارةَ ويَعتبرونَ نشوءَ مذهبِ التّشيّعِ بعدَ وفاةِ النّبيّ (ص وآله) أنّها بدعةٌ وهذا فعلٌ يُعتبرُ اِنقلاباً حقيقيّاً على سُنّةِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ونهجِه، فما جوابُكم النّافعُ لردِّ هكذا مزاعم؟

: اللجنة العلمية

الأختُ هُدى رحمن، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه

تتعدّدُ الدّعاوى في نسبةِ مذهبِ أهلِ البيتِ عليهمُ السّلام إلى شخصيّاتٍ تاريخيّةٍ مُعيّنةٍ، كابنِ سبأٍ وزُرارةَ بنِ أعينٍ رضوانُ اللهِ عليهِ، أو أنّهُ نتيجةُ الصّراعِ السّياسيّ أو الكلاميّ في القرنِ الثّاني الهجريّ، وكلُّ همّهِم إبرازُ التّشيّعِ كظاهرةٍ طارئةٍ على المُجتمعِ الإسلاميّ، وقَد غفلُوا أو تغافَلُوا عن أنَّ تاريخَ التّشيّعِ لأهلِ البيتِ هوَ بعينِه تاريخُ الإسلامِ، أوليسَ التّشيّعُ هوَ اِتّباعُ أهلِ البيتِ عليهمُ السّلام، ورسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ سيّدُهم، فليسَ للتّشيّعِ تاريخٌ ولا مبدأٌ، سِوى تاريخِ الإسلامِ و مبدئِه. وإنَّ النّبيّ الأكرمَ هوَ الغارسُ لبِذرةِ التّشيّعِ في صميمِ الإسلامِ مِن أوّلِ يومٍ اُمرَ بالصّدعِ واِظهارِ الحقيقةِ، إلى أن لبّى دعوةَ ربّهِ.

فالتشيّعُ ليسَ إلّا اِتّباعَ النّبيّ ومَن نصبَهُ بعدَهُ إماماً للنّاسِ، والشّيعةُ هُم المُسلمونَ المُهاجرونَ والأنصارُ ومَن تبعَهُم بإحسانٍ في الأجيالِ اللّاحقةِ، الّذينَ بقُوا على ما كانُوا عليهِ في عصرِ الرّسولِ في أمرِ القيادةِ ولَم يُغيِّروهُ ولَم يتعدّوا عنهُ إلى غيرِه، ففزِعُوا في الاُصولِ والفروعِ إلى عليٍّ وعِترتِه الطّاهرةِ، وانحازُوا عنِ الطّائفةِ الاُخرى الذين لَم يتعبّدوا بنصوصِ الخِلافةِ والولايةِ وزعامةِ العِترةِ حيثُ تركوا النّصوصَ، وأخذُوا بالمصالحِ. أنظُر الشّيخَ جعفرَ السّبحاني، تاريخُ التّشيّعِ.

ثمَّ إنَّ الأحاديثَ النّبويّةَ الواردةَ في حقِّ الشّيعةِ كفيلةٌ في إزالةِ هذهِ الغشاوةِ، لمَن ألقى السّمعَ وهوَ شهيدٌ، وإليكَ بعضَها:

1- أخرجَ إبنُ عساكر عَن جابرٍ بنِ عبدِ اللّهِ قالَ: كُنّا عندَ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ) فأقبلَ عليَّ فقالَ النّبيّ: «والّذي نفسي بيدِه إنَّ هذا وشيعتُه لهُم الفائزونَ يومَ القيامةِ، ونزلَت (إنَّ الّذين آمنوا وعمِلوا الصّالحاتِ اُولئكَ هُم خيرُ البريّةِ) فكانَ أصحابُ النّبيّ إذا أقبلَ عليٌّ قالوا: جاءَ خيرُ البريّةِ. الدّرُّ المنثورُ للسّيوطيّ 6 / 589 .

2- أخرجَ إبنُ مردويه عَن عليٍّ قالَ: قالَ لي رسولُ اللّهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم ) : «ألمَ تسمَع قولَ اللّهِ: (إنَّ الّذينَ آمنوا وعمِلوا الصّالحاتِ اُولئكَ هُم خيرُ البريّةِ) أنتَ وشيعتُك وموعدي وموعدُكم الحوضُ إذا جاءَتِ الاُممُ للحسابِ تُدعونَ غُرّاً مُحجّلين». الدّرُّ المَنثورُ للسّيوطيّ 6 / 589 .

3- روى إبنُ حجرٍ في صواعقِه عَن اُمِّ سلمةَ: كانَت ليلَتي، وكانَ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّمَ ) عِندي فأتتهُ فاطمةُ فتبِعها عليٌّ (رحمَهُما اللهُ) فقالَ النّبيّ: يا عليّ أنتَ وأصحابُكَ في الجنّةِ، أنتَ وشيعتُكَ في الجنّةِ. الصّواعقُ: 161 طبعُ مكتبةِ القاهرة .

4- روى إبنُ الأثيرِ في نهايتِه: قالَ النّبيّ مُخاطِباً عليّاً: يا عليّ إنّكَ ستقدِمُ على اللّهِ أنتَ وشيعتُك راضينَ مَرضيّينَ، ويقدمُ عليهِ عدوُّكَ غِضاباً مُقمحينَ، ثُمَّ جمعَ يدهُ إلى عُنقِه يُريهِم كيفَ الإقماحُ. قالَ إبنُ الأثيرِ: الإقماحُ: رفعُ الرّأسِ وغضُّ البصرِ. النّهايةُ مادّةُ قمح 4 / 106، ورواهُ إبنُ حجرٍ في الصّواعقِ 154 .

5- روى أحمدُ في المناقبِ: أنّهُ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّمَ ) قالَ لعليٍّ: «أما ترضى أنّكَ معي في الجنّةِ والحسنُ والحُسينُ وذُرّيتُنا خلفَ ظهورِنا، وأزواجُنا خلفَ ذُرّيتِنا، وشيعتُنا عَن أيمانِنا وشمائلِنا». الصواعق 161 .

6- روى الطّبرانيّ: أنّهُ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم ) قالَ لعليٍّ: «أوّلُ أربعةٍ يدخلونَ الجنّةَ أنا وأنتَ والحسنَ والحُسينَ وذُرّيتُنا خلفَ ظهورِنا، وأزواجُنا خلفَ ذُرّياتِنا، وشيعتُنا عَن أيمانِنا وشمائلِنا». الصّواعقُ 161 .

7- روى إبنُ حجرٍ: أنّهُ مرَّ على عليٍّ جمعٌ فأسرعُوا إليهِ قِياماً، فقالَ: هؤلاءِ ما لي لا أرى فيكُم سِمةَ شيعتِنا وحِليةَ أحبَّتِنا» فأمسكُوا حياءً، فقالَ لهُ مَن معهُ: نسألُكَ بالذي أكرمَكُم أهلَ البيتِ وخصّكُم وحباكُم، لمَا أنبأتَنا بصفةِ شيعتِكم فقالَ: «شيعتُنا هُم العارفونَ باللّهِ، العاملونَ بأمرِ اللّهِ». الصّواعق 154 .

وهذهِ النّصوصُ المُتضافرةُ تُعربُ عَن كونِ عليٍّ ( عليهِ السّلام ) مُتميّزاً بينَ أصحابِ النّبيّ بأنَّ لهُ شيعةً وأتباعاً، ولهُم مواصفاتٌ وسماتٌ كانُوا مَشهورينَ بها، في حياةِ النّبيّ وبعدَها.

فبعدَ هذهِ النّصوصِ لا يصحُّ لباحثٍ أن يلتجىءَ إلى فروضٍ ظنّيّةٍ أو وهميّةٍ في تحديدِ تكوّنِ الشّيعةِ وظهورِها.

ودمتُم سالِمينَ.