في الروايات إن جميع الائمة يعلمون بموتهم مثلا الامام الكاظم(عليه السلام) يعلم انه يقتل مسموما بالتمر اذن لماذا اكل منه؟؟

: اللجنة العلمية

للجوابِ عَن هذا السّؤالِ نحتاجُ إلى مُقدّمتين : 

 

المُقدّمةُ الأولى : المعصومُ ، لا يفعلُ شيئاً إلّا بأمرِ اللهِ تعالى ورسولِه ، وإلّا لمَا كانَ مَعصوماً ، وهذا معلومٌ ضرورةً ، والنّصوصُ فيهِ مُتواترةٌ ؛ مِنها الأخبارُ القطعيّةُ في كونِه عليهِ السّلامُ مُخيّراً بينَ الموتِ والحياةِ ، والتّخييرُ يُعتبَرُ تكليفاً بالإجماعِ. 

المُقدّمةُ الثّانيةُ : الإقدامُ على الموتِ ، إذا كانَ في سبيلِ اللهِ ، ليسَ إلقاءً للنّفسِ في التّهلكةِ ، بَل هوَ دينٌ وشريعةٌ ، إجماعاً ونصّاً وضرورةً ؛ حسبُنا قولُه تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُم فِي سَبِيلِ اللهِ أَو مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ). آلُ عمران : 157. 

الزّبدةُ : إقدامُ المعصومِ على الموتِ في سبيلِ اللهِ ، دينٌ وشريعةٌ. 

مِمّا يدلُّ على المُقدّمةِ الأولى ، في الأخبارِ الثّابتةِ ، صحيحُ عبدِ الملكِ بنِ أعين ، عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلام قالَ: (أنزلَ اللهُ تعالى النّصرَ على الحُسينِ عليهِ السّلامُ ، حتّى كانَ ما بينَ السّماءِ والأرضِ ، ثُمَّ خُيِّـرَ النّصرَ ، أو لقاءَ اللهِ ؛ فاختارَ لقاءَ اللهِ تعالى).

وهوَ صريحٌ أنَّ إستشهادَ الحُسينِ عليهِ السّلام ، تكليفٌ إلهيٌّ وشرعٌ ربّانيٌّ، لكِن على نحوِ التّخييرِ ، لا التّعيينِ ، ولا ريبَ أنّهُ مُقدّمٌ على أدلّةِ حفظِ النّفسِ. 

ويدلُّ عليها صحيحُ الحسنِ بنِ الجهمِ ، عَن الرّضا عليهِ السّلام قالَ في إقدامِ أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام : «خُيِّـرَ في تلكَ اللّيلةِ ؛ لتمضِي مقاديرُ اللهِ عزَّ وجلَّ» . 

قالَ الفيضُ الكاشانيّ : أرادَ السّائلُ أنّهُ عليهِ السّلام كانَ عارِفاً بقتلِه في ذلكَ الوقتِ وقَد قالَ عندَ سماعِ صياحِ الإوزِّ : «صوائحُ تتبعُها نوائح» وقَد منعَتهُ أمُّ كلثوم عَنِ الخروجِ مِنَ الدّارِ في ذلكَ الوقتِ ، وهذهِ دلائلُ واضحةٌ على أنّهُ لَم يشُكَّ في قتلِه. 

حينئذٍ ومعَ ذلكَ فأبى إلّا الخروجَ ، وهذا مِمّا لَم يجُز تعرُّضُه في الشّرعِ ، أو لَم يُحلَّ ، أو لَم يحسُن على إختلافِ النُّسَخِ ؛ فقَد قالَ اللَّهُ تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فأجابَهُ عليهِ السّلام بأنّه عليهِ السّلامُ ، خُيِّرَ في تلكَ اللّيلةِ ، أي : جُعِلَ إليهِ الأمرُ بأن يختارَ لقاءَ اللَّهِ ، أو البقاءَ في الدُّنيا ، فاختارَ لقاءَ اللهِ ، فسقطَ عنهُ وجوبُ حفظِ النّفسِ. الكافي للكُلينيّ. 

إذا إتّضحَ هذا نقولُ أنّهُ قَد وردَ عَن أبي الحسنِ مُوسى بن جعفرٍ (عليهما السّلام) أنّهُ قالَ : (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غضبَ على الشّيعةِ ، فخيّرَني نفسِي ، أو هُم ، فوقيتُهم واللهِ بنفسِي).

قالَ الفيضُ الكاشانيّ: (فخيّرني نفسِي أو هُم) يعني خيّرَني اللَّهُ في أن أوطِّنَ نفسِي على الهلاكِ والموتِ ، أو أرضى بإهلاكِ الشّيعةِ ؛ فوقيتُهم واللَّهِ بنفسِي ، فاخترتُ هلاكي دونَهُم. الوافي للفيضِ الكاشانيّ  

قالَ المازندرانيّ (1081هـ) رضيَ اللهُ عنه : (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غضبَ على الشّيعةِ) لكثرةِ مُخالفتِهم وقلّةِ إطاعتِهم ، وعدمِ نُصرتِهم للإمامِ الحقِّ. قولُه : (فخيّرني نفسي أو هُم) أي فخيَّرني بينَ إرادةِ موتي أو موتِهم ؛ لتتحقّقَ المُفارقةُ بينِي وبينَهم ، فوقيتُهم واللهِ بنفسِي ؛ للشّوقِ إلى لقاءِ اللهِ تعالى ؛ وللشّفقةِ عليهِم ؛ ولِئلّا ينقطعَ نسلُ الشّيعةِ بالمرّةِ ؛ ولتوقُّعِ أن يخرُجَ مِن أصلابِهم رجالٌ صالحونَ. شرحُ أصولِ الكافي. 

وقالَ العلّامةُ المجلسيُّ: (غضبَ على الشّيعةِ) إمّا لتركِهم التّقيّةَ ، فانتشرَ أمرُ إمامتِه عليهِ السّلام ؛ فتردّدَ الأمرُ بينَ أن يُقتُلَ الرّشيدُ شيعتَه ويتبعَهُم ، أو يحبِسَهُ عليهِ السّلام ويقتُلَه ، فدعا عليهِ السّلامُ لشيعتِه واختارَ البلاءَ لنفسِه ، أو لعدمِ إنقيادِهم لإمامِهم وخلوصِهم في مُتابعتِه وإطاعةِ أوامرِه ، فخيّرهُ اللهُ تعالى بينَ أن يخرُجَ على الرّشيدِ فتُقتَلَ شيعتُه إذا خرجَ ، فينتهي الأمرُ إلى ما انتهى إليه . 

وقيلَ : خيّرني اللهُ بينَ أن أوطّنَ نفسي على الهلاكِ والموتِ ، أو أرضى بإهلاكِ الشّيعةِ (فوقيتُهم واللهِ بنفسِي) يعني فاخترتُ هلاكي دونَهم ، وقيلَ : أي فخيّرنِي بينَ إرادةِ موتِي أو موتِهم لتحقُّقِ المُفارقةِ بيني وبينَهم ، فاخترتُ لقاءَ اللهِ شفقةً عليهِم. مرآةُ العقولِ.