الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة"ما المقصود بهذا الحديث ؟ و هذا الحديث مروي في كتاب الكافي .

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : نعم هذا الحديثُ مرويٌّ في كتابِ الكافي لثقةِ الإسلامِ الكُلينيّ في (ج5/ص20) بإسنادِه عَن مُحمّدٍ بنِ يحيى، عَن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ عيسى ، عَن عليٍّ بنِ الحكمِ ، عَن أبي عُمرةَ السّلميّ ، عَن أبي عبدِ اللهِ ( عليهِ السّلام ) قالَ : سألَهُ رجلٌ فقالَ : إنّي كنتُ أكثرُ الغزوَ وأبعدُ في طلبِ الأجرِ وأطيلُ الغيبةَ فحجرَ ذلكَ عليَّ فقالوا : لا غزوَ إلّا معَ إمامٍ عادل ، فما ترى أصلحكَ الله ؟ فقالَ أبو عبدِ الله ( عليه السّلام ): إنّ شئتَ أن أجملَ لكَ أجملتُ, وإن شئتَ أن أُلخّصَ لكَ لخّصتُ, فقالَ : بَل أجمِل ، قالَ : إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ يحشرُ النّاسَ على نيّاتِهم يومَ القيامةِ. قالَ: فكأنّهُ اشتهى أن يُلخّصَ لهُ ، قالَ : فلخِّص لي أصلحكَ الله ، فقالَ : هات ، فقالَ الرّجلُ غزوتُ فواقعتُ المُشركينَ فينبغي قتالُهم قبلَ أن أدعوهم ؟ فقالَ : إن كانوا غزواً وقُوتِلُوا وقاتلوا فإنّكَ تجترئُ بذلكَ, وإن كانوا قوماً لم يغزوا ولم يقاتلوا فلا يسعُكَ قتالُهم حتّى تدعوهم. قالَ الرّجلُ : فدعوتُهم فأجابني مُجيبٌ وأقرَّ بالإسلامِ في قلبِه وكانَ في الإسلامِ, فجيرَ عليه في الحُكمِ, وانتهكَت حرمَتُه وأُخذَ مالُه واعتُديَ عليهِ؛ فكيفَ بالمخرجِ وأنا دعوتُه ؟ فقالَ: إنّكُما مأجورانِ على ما كانَ مِن ذلكَ, وهوَ معكَ يحوطكَ مِن وراءِ حُرمتِكَ ويمنعُ قيلتكَ ويدفعُ عَن كتابكَ ويحقنُ دمكَ خيرٌ مَن أن يكونَ عليكَ يهدمُ قبلتَك وينتهكُ حُرمتَك و يسفكُ دمَك ويحرقُ كتابَك. 

وفي الحاشيةِ - في شرحِ هذا الحديثِ - نقلَ المجلسيّ عِن والدِه - رحمَهُما اللهُ تعالى - أنّهُ قال : قولُه : ( على نيّاتِهم ), أي لـمّا كُنتَ تعتقدُ فيهِ الثّوابَ تثابُ على ما فعلتَ بفضلِه تعالى, لا باستحقاقِكَ, وبعدَ السّؤالِ والعلمِ لا يتأتّى منكَ نيّةُ القُربةِ, وتكونُ مُعاقَباً على الجهادِ معهُم . إنتهى . وقالَ المجلسيّ - رحمَهُ الله - : ويُحتمَلُ أن يكونَ المعنى أنّهُ إنْ كانَ جهادُه لحفظِ بيضةِ الإسلامِ فهوَ مُثابٌ, وإن كانَ غرضُه نُصرةُ المُخالفينَ فهوَ مُعاقَبٌ. 

أقولُ: في هذا الحديثِ بيانٌ لأمرٍ مُهمٍّ وهوَ أنَّ نيّةَ المرءِ لها أثرٌ عظيمٌ في صحّةِ العملِ , ولِذا وردَت عدّةُ رواياتٍ تُؤكّدُ على الإهتمامِ بالنّيّةِ , ففي الحديثِ الشّريفِ : لكُلِّ إمرئٍ ما نوى , وكذلكَ: إنّما الأعمالُ بالنّيّاتِ, وكذلكَ: نيّةُ المرءِ خيرٌ مِن عملِه. 

ولا عجبَ فإنَّ القلبَ هوَ الأساسُ ، فبحركتِه تبتدئُ حياةُ الإنسانِ ، وتنتهي بسكونِه, وهوَ محلُّ الإيمانِ والجحودِ ، والخوفِ والرّجاءِ ، والحُبِّ والبُغضِ ، والشّجاعةِ والجُبنِ ، والإخلاصِ والنّفاقِ ، والقناعةِ والطّمعِ ، وما إلى ذلكَ منَ الفضائلِ والرّذائلِ. نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ تكونَ نيّاتُنا مُطابقةً لأعمالِنا الصّالحةِ, وأنْ يوفِّقنا إلى ذلكَ بمنِّه وكرمِه وعونِه إنّهُ نعمَ المولى ونعمَ النّصير. ودُمتم سالِمين.