هل في نص الصلح بين الامام الحسن (ع) ومعاوية اشادة ببسيرة الخلفاء الراشدين "ابوبكر وعمر وعثمان " ؟ هذا يعني صلاحهم

السلام عليكم ورد في صلح الإمام الحسن عليه السلام أن الإمام أشترط على معاوية العمل بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الصالحين أو الراشدين ولقد ذكر البعض أن في هذا الشرط شهادة بصلاح هولاء الراشدين والذين هم أبو بكر وعمر وعثمان

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

صلحُ الإمامِ الحسنِ معَ معاويةَ يُعتبَرُ منَ الأحداثِ المحوريّةِ في تلكَ الفترةِ التّاريخيّةِ، فقَد شكّلَ مُنعطَفاً مُهمّاً وحسّاساً لهُ منَ الإنعكاساتِ الخطيرةِ في مُجمَلِ التّجربةِ الإسلاميّةِ، ويُعتبرُ الصّلحُ منَ الأحداثِ القاسيةِ التي ألمَّت بالأمّةِ الإسلاميّةِ، فقَد أزاحَتِ الإمامَ الحسنَ (عليه السّلام) عَن منصبِه الذي أجمعَت الأمّةُ عليهِ واعتبرَتهُ إمتداداً لمنصبِ أبيهِ سيّدِ الوصيّينَ الإمامِ عليّ (عليه السّلام). 

وقد أظهرَ الصّلحُ شدّةَ حرصِ الإمامِ الحسنِ (عليه السّلام) على الإسلامِ وأمّةِ جدِّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم)، وحرصَ معاويةَ على المُلكِ والسّلطانِ، وفشلَه في إخفاءِ نهمِه للسُّلطة والتّسلّطِ، فبعدَ أن صالحَ الإمامُ الحسنُ (عليه السّلام) نكثَ معاويةُ بكُلِّ شروطِ الصّلحِ، فجاءَ إلى الكوفةِ، وخطبَ فيها: (يا أهلَ الكوفةِ، إنّي ما قاتلتُكم لتُصلّوا وتصوموا، وإنّي أعلمُ أنّكُم تُصلّونَ وتُزكّونَ، ولكِن قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكُم، وهذهِ شروطُ (الحسنِ) الذي أعطيتُها فهيَ تحَت قدميَّ هاتين). 

وما جاءَ في الشّرطِ الأوّلِ بحسبِ ما نقلَتهُ بعضُ المصادرِ التّاريخيّةِ (بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم. هذا ما صالحَ عليه الحسنُ بنُ عليّ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ: صالحَهُ على أن يُسلّمَ إليهِ ولايةَ المُسلمينَ، على أن يعملَ فيهم بكتابِ اللهِ، وسُنّةِ رسولِ اللهِ وسيرةِ الخُلفاءِ الرّاشدينَ). 

يعتقدُ البعضُ أنَّ عبارةَ سيرةِ الخُلفاءِ الرّاشدينَ مِن زيادةِ المُؤرّخينَ؛ لأنّها لا تنسجمُ معَ سيرةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) وموقفِهم مِن خلافةِ أهلِ السّقيفةِ، فالإمامُ عليّ (عليه السّلام) رفضَ الخلافةَ كلَّها عندَما اشترطَ عليهِ عبدُ الرّحمنِ بنُ عوفٍ عليهِ البيعةَ على أن يعملَ بكتابِ اللهِ وسنّةِ الرّسولِ وسنّةِ الشّيخينِ، فكيفَ يتركُ الإمامُ الحسنُ (عليه السّلام) سُنّةَ والدِه الذي رفضَ الإقرارَ بسُنّةِ الخلفاءِ مِن قبلِه؟ وإذا كانَ الإسلامُ هوَ كتابَ اللهِ وسُنّةَ رسولِه فما دخلُ سُنّةِ الخلفاءِ حتّى تكونَ ضمنَ الشّروطِ؟ وهلِ الخُلفاءُ لهُم سُنّةٌ بخلافِ سُنّةِ رسولِ اللهِ أو زائدةٌ عليها حتّى يجبَ العملُ بها؟ ولِذا جاءَ في الإمامةِ والسّياسةِ أنَّ الإمامَ عليّ (عليه السّلام) قالَ لرجلٍ: (وما يُدخِلُ سُنّةَ أبي بكرٍ وعمر معَ كتابِ اللهِ وسُنّةَ نبيّه؟!). 

يقولُ الشّيخُ الكورانيّ في كتابِ جواهرِ التّاريخ: "فكيفَ يُعقَلُ أن يتبنّى الإمامُ الحسنُ (عليه السّلام) سيرةَ أبي بكرٍ وعُمر، ويجعلُها شرطاً على معاويةَ! أمّا سيرةُ عثمانَ فلا يمكنُ أن يشترطَها لأنّها كانَت في رأي جميعِ المُسلمينَ خروجاً عَن سيرةِ الشّيخينِ وانحرافاً عنِ الإسلامِ، ولهذا قتلوهُ! وقَد عملَ معاويةُ وبنو أميّةَ لإعادةِ الإعتبارِ إلى عثمانَ وإلحاقِ سيرتِه بسيرةِ الشّيخينِ، ثمَّ أطلقَ العبّاسيّونَ صفةَ الخلفاءِ الرّاشدينَ على أبي بكرٍ وعمر، ثمَّ وسّعوها فيما بعدُ لغيرِهما". 

وعليه ليسَ منَ المُستبعدِ أن تكونَ سُنّةُ الخلفاءِ زيادةً منَ المُؤرّخينَ، وإن لَم تكُن كذلكَ جازَ تأويلُ ذلكَ بالقولِ أنَّ المقصودَ بسيرةِ الخُلفاءِ هوَ عدمُ سبِّهم لعليٍّ وأهلِ بيتِه كما يفعلُ معاويةُ وبنوا أميّةَ فأرادَ بذلكَ إلزامَه بسيرةِ الخُلفاءِ في عدمِ التّعرّضِ للإمامِ عليٍّ بسوءٍ. أو أنَّ الموقفَ مِن سيرةِ الخُلفاءِ السّابقينَ كانَ فقَط عندَ الخواصِّ منَ المُسلمينَ ولَم يكُن رأياً عامّاً ومِن هُنا كانَ منَ الضّروريّ تضمينُه في الشّروطِ جرياً على عادةٍ العامّةِ منَ النّاسِ مِن بابِ ألزموهُم بما ألزموا بهِ أنفُسَهم.