ممكن آيات قرآنية تشير إلى الأمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة لله

قبلَ الإشارةِ إلى الآياتِ القُرآنيّةِ التي تستبطنُ قضيّةَ الإمامِ المهديّ (عليه السّلام) الذي سوفَ يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً، لابُدَّ منَ الإشارةِ ولو بشكلٍ مُختصَرٍ إلى ضرورةِ القضيّةِ المهدويّةِ بالنّسبةِ للإنسانِ.  

منَ المعلومِ أنَّ الإنسانَ مفطورٌ بطبعِه على حبِّ الكمالِ والجمالِ ويعشقُ القيمَ والمثالَ، كلُّ ذلكَ يجعلُه في حالةٍ منَ التّطلّعِ الدّائمِ إلى ذلكَ اليومِ الذي تتحقّقُ فيهِ العدالةُ وتبلغُ فيهِ الحياةُ كمالَها الرّوحيَّ والمادّيّ؛ والسّببُ في ذلكَ أنَّ وجودَ مثلِ هذا اليومِ يُمثّلُ قمّةَ ما يحلمُ بهِ الإنسانُ ويرجوهُ، ومِن هُنا يصبحُ الإيمانُ بالمُخلّصِ قضيّةً يفرضُها التّفكيرُ المنطقيّ الذي يُراعي الثّوابتَ اليّقينيّةَ، والذي يُؤكّدُ ذلكَ هوَ إهتمامُ الأنساقِ الفلسفيّةِ الكُبرى والمشاريعِ الإصلاحيّةِ بذلكَ اليومِ الذي يتحقّقُ فيهِ التّوازنُ وتعمُّ فيهِ العدالةُ، فحتّى الفلسفاتُ المادّيّةُ المُهتمّةُ بالشّأنِ السّياسيّ والإجتماعيّ مثلَ الماركسيّةِ تحدّثَت عَن ذلكَ اليومِ الذي يتوقّفُ فيهِ الصّراعُ الطّبقيّ وتشيعُ فيهِ المساوةُ بينَ جميعِ الطّبقاتِ؛ بَل يُمكنُنا الجزمُ بأنَّ البشريّةَ بكُلِّ مشاربِها تنشدُ اليومَ الذي تكونُ فيهِ الحياةُ أكثرَ سلاماً وأمناً وازدهاراً، وهوَ الأمرُ الذي يُفسّرُ سعيَ الإنسانِ الحثيثَ وكفاحَه المريرَ لتحقيقِ هذهِ الغايةِ، فإنْ كانَ ذلكَ مُستحيلاً بطبعِه لتجمّدَت الحياةُ وفقدَت قيمتَها، وعليهِ فإنَّ الإيمانَ بالمُخلّصِ هوَ تعبيرٌ عَن فطرةِ الإنسانِ التي تعشقُ الكمالَ، فكما تطلّعَ الإنسانُ إلى السّماءِ لكَي تمدَّهُ بالأنبياءِ والرّسلِ فإنّهُ ما زالَ يتطلّعُ إليها لتُقيمَ لهُ العدلَ، والإنسانُ الذي يرى نفسَه مُستغنياً عَن عونِ اللهِ ومددِه ليسَ جاهِلاً باللهِ وحدِه وإنّما جاهِلٌ بطبيعةِ الإنسانِ وحقيقتِه. 

وبما أنَّ الإسلامَ كرسالةٍ جاءَت مِن أجلِ تحقيقِ كمالِ الإنسانِ، لابُدَّ أن يكونَ اليومُ الموعودُ مِن أوّليّاتِ إهتمامِها، ومِن هُنا يُمكنُنا أن نتفهّمَ التّأكيدَ الشّيعيَّ على قضيّةِ الإمامِ المهديّ (عجّل اللهُ فرجه)، بوصفِه المُستقبلَ النّهائيَّ لتكامُليّةِ المسيرةِ الإسلاميّةِ، إذ كيفَ يمكنُ الحديثُ عَن رسالةٍ خاتمةٍ دونَ الحديثِ عن مآلاتِها النّهائيّةِ، وما تُحقّقُه للإنسانِ في الدّنيا قبلَ الآخرةِ. 

وفي الخُلاصةِ، إنَّ فطرةَ الإنسانِ المُتطلّعةَ نحوَ الكمالِ هيَ التي تجعلُ الإنسانَ في حالةٍ منَ الأملِ الدّائمِ بقدومِ اليومِ الذي يتحقّقُ فيهِ كمالُ الإنسانِ فرداً وحضارةً، وعليهِ يصبحُ الإيمانُ بضرورةِ المُخلّصِ منَ الأصولِ التي يستمدُّها الإنسانُ مِن إستعدادِه الفطريّ باِنتصارِ الحقّ وهزيمةِ الباطلِ، ولولا إيمانُ الإنسانِ بأنَّ الإنتصارَ النّهائيَّ حليفُ الحقِّ لما وجدَ في نفسِه الدّافعَ لمواجهةِ الباطلِ ومُبارزَتِه. 

خلافةُ آدم َبشارةٌ بدولةِ العدلِ العالميّةِ: 

عندَما خلقَ اللهُ تعالى آدم (عليه السلام)، وجعلَهُ خليفةً في الأرضِ، وأمرَ الملائكةَ بالسّجودِ لهُ، رسمَ بذلكَ معالمَ تلكَ الدٌولةِ التي تتحقّقُ فيها عدالةُ اللهِ عزَّ وجل.  

 فلو رجعنا لتلكَ الآياتِ، وحاوَلنا التّدبّرَ فيها، لاكتشَفنا الأمرَ واضِحاً، فقولُ الملائكةِ: (أَتَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ)، تساؤلّ لا يمكنُ تصنيفُه إلّا ضمنَ إعتراضِ الملائكةِ على خلافةِ آدمَ في الأرضِ، والسّببُ وراءَ ذلكَ أنّها كانَت ترى أنَّ خلافةَ الإنسانِ ستكونُ السّببَ في الفسادِ وسفكِ الدّماءِ، وبالتّالي، فالإقتراحُ البديلُ هوَ أن تقومَ الملائكةُ بدورِ هذهِ الخلافةِ، لأنَّ الملائكةَ لا يصدرُ منها الفسادُ وسفكُ الدّماءِ وإنّما التّسبيحُ والتّقديسُ، كما تشيرُ إلى ذلكَ الفقرةُ التّاليةُ منَ الآيةِ: (وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، وهذا الإعتراضُ منهُم، مبنيٌّ على أنَّ طبيعةَ الإنسانِ مُؤهّلةٌ لصدورِ المظالمِ والمفاسدِ منها، وقَد ردَّ اللهُ تعالى هذا الإعتراضَ بقولِه: (إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ). 

لَم يصِفِ اللهُ ملائكتَهُ بالجهلِ، ولم يقُل لهُم أنتُم تجهلونَ، وإنّما قالَ: أعلمُ ما لا تعلمونَ، بمعنى أنَّ اللهَ يعلمُ ما تعلمُه الملائكةُ، ويعلمُ ما لا تعلمُه، وبالتّالي إعتراضُ الملائكةِ لم يكُن عَن جهلٍ، وإنّما عَن علمٍ بواقعِ الإنسانِ، ولكنَّ اللهَ يعلمُ ما لا تعلمُ بهِ الملائكةُ، أي أنَّ اللهَ يعلمُ ما تعلمُه الملائكةُ وزيادةً، وبالتّالي ما يعلمُه اللهُ والملائكةُ أنَّ الإنسانَ يُفسدُ في الأرضِ ويسفكُ الدّماءَ.

فإن كانَت الملائكةُ مُحقّةً في هذا الوصفِ، وكانَ إعتراضُها قائِماً على هذا الأساسِ وهوَ الفسادُ وسفكُ الدّمِ، فلا بدَّ أن يكونَ ردُّ اللهِ مُتناسِباً معَ هذا الإعتراضِ، فلا يصحُّ أن تكونَ الملائكةُ قَد أبدَت تخوّفَها مِن شيءٍ، ثمَّ يردُّ اللهُ على هذا التّخوّفِ بشيءٍ ليسَ لهُ علاقةٌ بموضعِ الإعتراضِ، ومِن هُنا قولُه تعالى: (إِنِّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ)، هذا العلمُ الذي يعلمُه اللهُ ولا تعلمُه الملائكةُ، هوَ السّببُ وراءَ اعتراضِ الملائكةِ، فلو كانَت تعلمُ ما يعلمُه اللهُ لما اعترضَت، وبالتّالي لابُدَّ أن يحتويَ هذا العلمُ على الحكمةِ في جعلِ آدمَ خليفةً في الأرضِ، وإن كانَ يقعُ مِن بني آدمٕ الظّلمُ والفسادُ وسفكُ الدّمِ، ومِن هُنا لابُدَّ أن يكونَ هذا الكلامُ فيهِ بشارةٌ لدولةٍ عادلةٍ ليسَ فيها فسادٌ وسفكٌ للدّماءِ.

أي أنَّ الملائكةَ رأت جُزءاَ منَ الحقيقةِ وهوَ الفسادُ وسفكُ الدّماءِ، ولَم ترَ الجُزءَ الآخرَ الذي فيهِ تُملأُ الأرضِ قِسطاً وعدلاً، بعدَ أن ملئَت ظُلماً وجَوراً، ولو رأتِ الملائكةُ هذهِ الحقيقةَ لما إعترضَت، لأنَّ إعتراضَها حينئذٍ سيكونُ على تلكَ الدّولةِ التي تحكمُ الأرضَ بقيمِ اللهِ وأمرِه وإرادتِه، وهذا ما لا يجوزُ الاعتراضُ عليه، فقولُ اللهِ تعالى: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً)، يكشفُ عَن وجودِ حِكمةٍ مِن خلافةِ آدمَ في الأرضِ، ولا يمكنُ أن تكونَ الحِكمةُ مِن ذلكَ أن يعيشَ الإنسانُ ظُلماً وفساداً وسفكاً للدّماءِ، وإنّما أن تكونَ خلافةُ آدمَ تمهيداً لدولةِ العدلِ، التي لا يكونُ فيها ظلمٌ ولا فسادٌ، وإن كانَ حدوثُ مثلِ هذا اليومِ حُلماً لكُلِّ إنسانٍ، فهوَ أيضاً غايةٌ لكُلِّ دينٍ، قالَ تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بِي شَيئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُم الفاسِقُونَ)، وقالَ: (وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ).  

وإذا رجَعنا إلى تاريخِ البشريّةِ منذُ أن خلقَ اللهُ آدمَ إلى اليومِ، نجدُه مليئاً بالفسادِ والدّماءِ، ولَم تمُرَّ على البشرِ فترةٌ إستراحوا فيها مِن هذا الظّلمِ والفسادِ، بَل حتّى أنبياءُ اللهِ قَد تعرّضوا لهذهِ المظالمِ، والقتلِ والتّشريدِ، وما زالَتِ الدّماءُ هيَ الحقيقةُ التي تُغطّي سماءَ البشريّةِ، ألا يحقُّ لنا بعدَ ذلكَ، أن نقولَ أنَّ إعتراضَ الملائكةِ كانَ مُحقّاً؟! 

إنّها حتماً ستُعتبَرُ مُحقّةً لو لَم يكُن هُناكَ يومٌ موعودٌ، يكونُ بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ مِن عُمرِ هذهِ الدّنيا، فلا يكونُ فيهِ ظُلمٌ ولا دماءٌ ولا فسادٌ، وتكونُ خلافةُ آدمَ بذلكَ، هيَ بدايةُ الطّريقِ للوصولِ لذلكَ اليومِ، قالَ تعالى: (وَلَقَد كَتَبنا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ). 

وقَد ختمَ اللهُ الأنبياءَ بنبيّهِ مُحمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ولَم يبقَ هُناكَ أملٌ بأن يأتي رسولٌ بعدَه، يمكنُ أن يكونَ بينَ يديهِ الخلاصُ، وبالتّالي لا تستقيمُ خاتميّةُ هذهِ الرّسالةِ، إلّا بكونِها الرّسالةَ التي يتحقّقُ اليومُ الموعودُ بها، ومِن هُنا لا يمكنُ أن نفهمَ الإسلامَ إلّا ضمنَ البشارةِ بهذا اليومِ، وبذلكَ يمكنُنا أن نفهمَ كلَّ الأحاديثِ التي جاءَت تأكيداً على هذهِ القضيّةِ.  

قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (لو لَم يبقَ منَ الدّنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّلَ اللهُ ذلكَ اليومَ حتّى يخرجَ رجلٌ مِن أهلِ بيتي يملأُ الأرضَ عدلاً كما مُلئَت ظُلماً وجوراً).

عَن عليٍّ عليهِ السّلام في قولِه تعالى: (ونريدُ أن نمُنَّ على الذينَ إستُضعفوا في الأرضِ ونجعلهُم أئمّةً ونجعلَهم الوارثينَ) قالَ: هُم آلُ محمّدٍ يبعثُ اللهُ مهديَّهُم بعدَ جهدِهم فيُعزُّهم ويُذلُّ عدوَّهم).

عَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): لا تقومُ السّاعةُ حتّى يملكَ رجلٌ مِن ولدي، يوافقُ إسمُه إسمي، يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً، كما مُلئَت ظُلماً وجوراً).

والرّواياتُ في هذا البابِ بلغَت حدَّ التّواترِ وهيَ تُفسّرُ بلا شكٍّ الآياتِ التي تحدّثَ اللهُ فيها عَن وراثةِ الأرضِ للصّالحينَ، كما تؤكّدُ على أنَّ المهديَّ (عجّلَ اللهُ فرجَه) مِن ولدِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ممّا يخلقُ تلكَ الصّلةَ الوثيقةَ بينَ دولةِ المهديّ وبينَ رسالةِ النّبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وبالتّالي نفهمُ تمامَ هذهِ الرّسالةِ وكمالَها بتلكَ الدّولةِ التي تملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً بعدَ أن مُلئَت ظُلماً وجَوراً. 

قالَ اللهُ تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهادُ)، إنَّ اللهَ تعالى قَد وعدَ في هذهِ الآيةِ رُسلَه والمؤمنينَ الخُلّصَ بكمالِ النّصرةِ، فكما ينصرُهم في الآخرةِ لابُدَّ أن ينصُرَهم في الدّنيا، وإنَّ هذا النّصرَ مِن جنسٍ واحدٍ، لا يفرقُ بينَ النّصرينِ إلّا طبيعةُ الدّنيا والآخرةِ، فالآخرةُ لا مُتناهيةٌ في الزّمنِ، والدّنيا قائمةٌ ما دامَتِ السّماواتُ والأرضُ، فبما أنَّ النّصرَ في الآخرةِ لا مُتناهٍ في طولِ الزّمنِ ويدومُ ما دامَتِ الآخرةُ، فعليهِ إنَّ النّصرَ في الدّنيا سيكونُ لا مُتناهياً بحسبِ عُمرها... ستدومُ النّصرةُ و الحاكميّةُ ما دامَتِ السّماواتُ والأرضُ، فالنّصرةُ التي وعدَ اللهُ بها الصّالحينَ في الدّنيا، مُمتدّةٌ إمتداداً زمنيّاً إلى ما شاءَ اللهُ منَ السّنين.

فلابُدَّ أن يحكُمَ الحقُّ أضعافاً مُضاعفةً على زمنِ حكومةِ الباطلِ، حتّى إذا سألَ سائلٌ: مَن حكمَ الأرضَ ومَن ورثَها؟ قيلَ لهُ: الصّالحونَ غيرَ آبهينَ بمُدّةِ حُكمِ أهلِ الباطلِ، نظراً إلى أنَّ حُكمَهُم نُقطةٌ في بحرِ حُكمِ الصّالحينَ، فـ(للباطلِ جولةٌ وللحقِّ دولةٌ). وهناكَ رواياتٌ كثيرةٌ عَن أهلِ البيتِ تُؤكّدُ على رجعةِ الصّالحينَ وحكومتِهم للأرضِ بعدَ الظّهورِ المُقدّسِ للإمامِ المهديّ.