ما الوصف الدقيق للموت ؟ وهل من وسيلة لرؤية أحوال موتانا علنا نتعض!؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الموتُ عبارةٌ عن خروج الروح من البدن ، وإنتقالها مِن هذا العالم إلى عالم البرزخ ، وقد جاء وصفه في لسان أئمتنا عليهم السلام ، كلّ يصفه بوصف ، ومن زاوية وجانب ، وقد جمع الكثيرَ منها الشيخ الصدوق رضوان الله عليه :  

1- قيل لأمير المؤمنين علي - عليه السلام - صِف لنا الموت ؟ .فقال عليه السلام : على الخبير سقطتم ، هو أحدُ ثلاثة أمور يرد عليه : إمّا بشارة بنعيم الأبد ، وإما بشارة بعذاب الأبد ، وإما بتحزين وتهويل وأمر مبهم لا يدري مِن أيّ الفِرق هو . 

أما وليّنا والمطيع لأمرنا فهو المُبشّر بنعيم الأبد . 

وأمّا عدوّنا والمخالف لأمرنا ، فهو المُبشر بعذاب الأبد . 

وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله ، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ثم لن يسويه الله بأعدائنا ، ويخرجه منَ النار بشفاعتنا . 

فاعملوا وأطعيوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإنّ من المسرفين من لا يلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة . 

2- وسئلَ الحسن بن علي عليهما السلام ، ما الموت الذي جهلوه ؟ 

فقال عليه السلام : أعظم سرور يردُ على المؤمنين إذ نُقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد ، وأعظمُ ثبورٍ يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد . 

3- ولمّا إشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام : نظر إليه مَن كان معه فإذا هو بخلافهم ، لأنهم إذا إشتد بهم الأمر تغيرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، ووجلت قلوبهم ، ووجبت جنوبهم . وكان الحسين عليه السلام وبعض مَن معه مِن خواصّه تشرق ألوانهم ، وتهدأ جوارحهم ، وتسكنُ نفوسهم . 

فقال بعضهم لبعض : أنظروا إليه لا يبالي بالموت . 

فقال لهم الحسين عليه السلام : صبراً بني الكرام ، فما الموتُ إلا قنطرةٌ تعبر بكم عن البؤس والضرّ إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقلَ من سجن إلى قصر ، وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم : إنّ أبي حدثني عن رسول الله : إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . 

والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبتُ ولا كُذّبت .  

4- وقيل لعليٍّ بن الحسين : ما الموت ؟ 

فقال عليه السلام : للمؤمن كنزع ثيابٍ وسخة قملة ، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة ، والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح ، وأوطأ المراكب ، وآنس المنازل .  

وللكافر كخلع ثيابٍ فاخرة ، والنقل عن منازل أنيسة ، والإستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش المنازل ، وأعظم العذاب . 

5- وقيلَ لمحمّدٍ بن علي عليه السلام : ما الموت ؟ 

فقال : هو النوم الذي يأتيكم في كلِّ ليلة ، إلّا أنّه طويل مدّته لا يُنتبَه منه إلا يوم القيامة . فمنهم من رأى في منامه مِن أصناف الفرح ما لا يُقادَر قدره ، ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره ، فكيف حال من فرح في الموت ووجل فيه ! هذا هو الموت فاستعدّوا له  . 

6- وقيل للصّادق عليه السلام : صِف لنا الموت ؟ 

فقال : هو للمؤمنين كأطيب ريح يشمّه فينعس لطيبه فينقطع التعب والألم كلهُ عنه . وللكافر كلسع الأفاعي وكلدغ العقارب وأشد  . 

قيل : فإنَّ قوماً يقولون هو أشدّ مِن نشر بالمناشير ، وقرضٍ بالمقاريض ، ورضخ بالحجارة ، وتدوير قُطبِ الأرحية في الأحداق ؟ 

فقال : كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين ، ألا ترونَ منهم مَن يعاين تلك الشدائد فذلك الذي هو أشدّ من هذا ( إلّا من عذاب الآخرة فإنّه أشد ) مِن عذاب الدنيا  . 

قيل : فما لنا نرى كافراً يسهلُ عليه النزع فينطفئ ، وهو يتحدثُ ويضحك ويتكلم ، وفي المؤمنين مَن يكون أيضاً كذلك ، وفي المؤمنين والكافرين مَن يقاسي عند سكراتِ الموت هذه الشدائد ؟ 

قال عليه السلام : ما كان مِن راحةٍ هناك للمؤمنين فهو عاجلُ ثوابه ، وما كان مِن شدّة فهو تمحيصه من ذنوبه ، ليردَ إلى الآخرة نقيّاً نظيفاً مُستحقاً لثواب الله ليس له مانع دونه . وما كان من سهولة هناك على الكافرين فليوفّى أجر حسناته في الدنيا ، ليردَ الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب ، وما كان مِن شدةٍ على الكافر هناك فهو إبتداء عقابِ الله عند نفاد حسناته ، ذلكم بأنَّ الله عدلٌ لا يجور . 

7- ودخل موسى بن جعفر عليه السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعياً ، فقالوا له : يا بن رسول الله ، وددنا لو عرفنا كيف حال صاحبنا ، وكيف يموت ؟ فقال : إنّ الموت هو المصفاة : يُصفّي المؤمنين من ذنوبهم ، فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر عليهم . ويصفّي الكافرين مِن حسناتهم ، فتكون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخرُ ثواب حسنة تكون لهم . أما صاحبكم فقد نُخّلَ من الذنوب نخلاً وصفّي منَ الآثام تصفيةً ، وخلُصَ حتّى نقى كما يُنقى ثوبٌ من الوسخ ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد . 

8- ومرض رجلٌ من أصحاب الرضا عليه السلام فعادهُ ، فقال : كيف تجدك ؟ 

فقال : لقيتُ الموت بعدك ، يريد به ما لقي من شدة مرضه . 

فقال : كيف لقيتَه ؟ فقال : أليماً شديدا .

فقال : ما لقيته ، ولكن لقيتَ ما يُنذرك به ، ويُعرّفك بعض حاله .

إنّما الناس رجلان : مُستريح بالموت ، ومُستراح منه فجدّد الإيمان بالله وبالولاية تكُن مستريحاً . ففعل الرجل ذلك والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة . 

9- وقيل لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام : ما بالُ هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟  

فقال : لأنهم جهلوه فكرهوه ، ولو عرفوه وكانوا مِن أولياء الله حقاً لأحبّوه ، ولعلموا أنَّ الآخرة خيرٌ لهم من الدنيا . 

ثم قال : يا عبد الله ، ما بالُ الصبي والمجنون يمتنع منَ الدواء المُنقّي لبدنه والنافي للألم عنه ؟  

 فقال : لجهلهم بنفع الدواء . 

فقال :  والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً ، إنَّ مَن قد إستعد للموت حقَّ الإستعداد فهو أنفع لهم مِن هذا الدواء لهذا المُتعالِج ، أما إنهم لو علموا ما  يؤدّي إليه الموت منَ النعم ، لاستدعوه وأحبوه أشدّ ممّا يستدعي العاقل الحازم الدواء ، لدفع الآفات واجتلاب السلامات . 

10- ودخل عليٌّ بن محمد عليهما السلام على مريضٍ مِن أصحابه وهو يبكي ويجزع منَ الموت ، فقال له : يا عبد الله ، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه ، أرأيتك إذا إتّسخت ثيابك وتقذّرت ، وتأذيت بما عليك منَ الوسخ والقذرة ، وأصابك قروحٌ وجرب ، وعلمتَ أنَّ الغُسل في حمّامٍ يُزيل عنك ذلك كلّه ، أما تريد أن تدخله فتغسلَ فيزول ذلك عنك ، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك ؟  

قال : بلى يا ابن رسول الله . 

قال : فذلك الموتُ هو ذلك الحمّام ، وهو آخر ما بقيَ عليك مِن تمحيص ذنوبك وتنقيتك مِن سيّئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته ، فقد نجوت مِن كل غمّ وهم وأذى ووصلت إلى سرور وفرح . فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله . 

11- وسُئل الحسن بن علي عليهما السلام عن الموت ، ما هو ؟ فقال : هو التصديق بما لا يكون . إنَّ أبي حدثني عن أبيه عن جده عن الصادق - عليه السلام - أنَّه قال : إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميتاً ، وإنّ الكافر هو الميّت ، إنّ الله عز وجل يقول : ( يُخرج الحيّ منَ الميّت ويخرج الميتَ منَ الحي ) يعني المؤمنَ منَ الكافر ، والكافر منَ المؤمن .  

12- وجاء رجلٌ إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، فقال يا رسول الله ، ما بالي لا أحبُّ الموت ؟ قال : ألك مال ؟  قال : نعم .  

قال : قدّمته ؟  قال : لا .  

قال : فمِن ثمّ لا تحب الموت . 

13- وقال رجل لأبي ذر رحمةُ الله عليه : ما لنا نكرهُ الموت ؟ فقال : لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة ، فتكرهون أن تُنقلوا مِن عمرانٍ إلى خراب . 

وقيل له : كيف ترى قدومنا على الله ؟ قال : أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المُسيء فكالآبق يقدم على مولاه . 

قيل : فكيف ترى حالنا عند الله ؟ فقال : إعرضوا أعمالكم على كتاب الله ، يقول الله تعالى : ( إنَّ الأبرار لفي نعيم وإنَّ الفجّار لفي جحيم ) . 

قال الرجل : فأين رحمة الله ؟  

قال : ( إنَّ رحمتَ الله قريبٌ من المُحسنين ) .  

الإعتقادات في دين الإماميّة، للشيخ الصّدوق ص٥٣ - ٥٩ 

 

وأمّا لمَن أراد رؤيةَ ميّتِه في المنام . 

قال الشيخ الطوسي في المصباح :  

ومَن أراد رؤيا ميت في منامه فليقل : 

اللهمَّ أنت الحيّ الذي لا يوصف والإيمانُ يُعرف منه ، منك بدت الأشياء وإليك تعود ، فما أقبل منها كنتَ ملجأه ومنجاه ، وما أدبرَ منها لم يكن له ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك ، وأسألك بلا إله إلّا أنت ، وأسألك ببسم الله الرحمن الرحيم وبحقّ حبيبك محمّدٍ صلّى الله عليه وآله سيّد النبيّين وبحقّ عليٍّ خير الوصيّين وبحقّ فاطمة سيّدة نساء العالمين وبحقّ الحسن والحسين الذين جعلتَهُما سيّدي شبابِ أهل الجنّة عليهم أجمعين السلام أن تُصلّي على محمّد وآله وأن تُريني ميّتي في الحالِ التي هو فيها . مصباحُ المُتهجّد للشيخ الطوسي ص ١٣٠ 

 

- وقال المامقانيّ :  

ووردَت الصلاة على محمّد وآله مائة مرة بعد العشاء الآخرة لرؤية الميت في المنام . مرآة الكمال ج 1 ص 266 . 

واللهُ العالم .