المقاتل الداعشي الذي يقاتل ونيته لله هل يحشره الله على نيته يوم القيامة ؟

في حديث "إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة"هل هذا سينطبق على أعمال كل المذاهب ؟ يعني الذي يقاتل مع داعش ونيته لله هل سيجزى على نيته ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرّواياتُ التي جاءَت في هذا البابِ كثيرةٌ وقد جمعَها مُحمّد الرّيشهري في كتابِه ميزانُ الحِكمة ج4 ص 3410. وحتّى يتّضحَ المقصودُ مِن قولِ الإمام أنَّ الأعمالَ بالنّيّاتِ نُوردُ بعضَ هذهِ الرّواياتِ ومِن ثُمَّ نُعلّقُ عليها.  

 فعن الإمام عليّ (عليه السّلام) قالَ: النّيّةُ أساسُ العمل. وعنهُ (عليه السّلام): الأعمالُ ثمارُ النّيّات.   

وعن الإمام الصّادق (عليه السّلام): النّيّةُ أفضلُ منَ العمل، ألا وإنَّ النّيّةَ هيَ العملُ، ثمَّ تلا قولَه تعالى:(قُل كلٌّ يعملُ على شاكلَتِه) يعني على نيّتِه. وعنهُ (عليه السّلام): إنّما خُلّدَ أهلُ النّارِ في النّار لأنَّ نيّاتِهم كانَت في الدّنيا أن لو خُلّدوا فيها أن يعصُوا اللهَ أبداً، وإنّما خُلّدَ أهلُ الجنّةِ في الجنّةِ لأنَّ نيّاتِهم كانَت في الدّنيا أن لو بقوا فيها أن يُطيعوا اللهَ أبداً، فبالنّيّاتِ خُلّدَ هؤلاءِ وهؤلاء، ثمَّ تلا قولَه تعالى: (قُل كلٌّ يعملُ على شاكلَتِه) قالَ: على نيّتِه.  

 وعَن أبي الحسن الرّضا (عليه السّلام) قالَ: إذا كانَ يومُ القيامةِ أوقفَ المؤمنُ بينَ يديهِ فيكونُ هوَ الذي يتولّى حسابَه، فيعرضُ عليه عملَه فينظرُ في صحيفتِه، فأوّلُ ما يرى سيّئاتِه فيتغيّرُ لذلكَ لونُه، وترتعشُ فرائصُه، وتفزعُ نفسُه، ثمَّ يرى حسناتِه فتقرُّ عينُه، وتُسرُّ نفسُه، وتفرحُ روحُه، ثمَّ ينظرُ إلى ما أعطاهُ اللهُ منَ الثّوابِ فيشتدُّ فرحُه. ثمَّ يقولُ اللهُ للملائكةِ: هلمّوا الصّحفَ التي فيها الأعمالُ التي لم يعملوها! قالَ: فيقرؤونَها ثمَّ يقولونَ: وعزّتكَ إنّكَ لتعلمُ أنّا لم نعمَل منها شيئاً؟ فيقولُ: صدقتُم، نويتموها فكتبناها لكُم، ثمَّ يُثابونَ عليها.  

وعَن عليٍّ بنِ إبراهيم قالَ سألتُ العالمَ (عليه السّلام) عَن قولِ اللهِ: (خُذوا ما آتيناكُم بقوّةٍ) قوّةُ الأبدان أم قوّةُ القلوب؟ فقالَ: جميعاً، وقالَ: لا قولَ إلّا بعملٍ، ولا عملَ إلّا بنيّةٍ، ولا نيّةَ إلّا بإصابةِ السّنّة، ونروي حسنَ الخلق سجيّةٌ ونيّة، وصاحبُ النّيّةِ أفضلُ، ونروي ما ضعُفَت نيّةٌ عَن نيّة. وأروي عنهُ: نيّةُ المؤمنِ خيرٌ مِن عملِه فسألتُه عَن معنى ذلكَ، فقالَ: العملُ يدخلُه الرّياءُ والنّيّةُ لا يدخلها الرّياء.  

ولفهمِ هذهِ الرّواياتِ ولدفعِ شبهةِ السّائلِ لابُدَّ مِن بيانِ طبيعةِ الفعلِ الإنسانيّ والعناصرِ التي يعتمدُ عليها الفعلُ ليتحقّقَ في الواقعِ، ومنَ الواضحِ أنَّ الفعلَ الذي نقصدُه هوَ الفعلُ الذي يؤدّيهِ الإنسانُ بإختياره وحُرّيّتِه، والفعلُ الإختياريُّ بطبعِه يحتاجُ إلى دافعٍ ومُحفّز مِن داخلِ الإنسانِ، ومِن هُنا لا يمكنُ أن نتصوّرَ إنبعاثَ الإنسانِ نحوَ الفعلِ ما لَم يكُن خلفَهُ غريزةٌ أو قناعةٌ فكريّةٌ، وإذا حصَرنا الكلامَ حولَ الأفعالِ التي تُحرّكُها القناعاتُ والأفكارُ بعيداً عنِ الفعل الغريزيّ، يمكنُنا أن نقولَ أنَّ القناعةَ بالشّيءِ ليسَت كافيةً ما لَم يُرافِقها غايةٌ وهدفٌ، فالذي يقتنعُ بأهمّيّةِ العلمِ مثلاً لا يمكنُه التّوجّهُ لطلبِ العلمِ ما لَم يكُن له هدفٌ منَ العلمِ الذي يطلبُه، والنّيّةُ ليسَت شيئاً آخر غيرَ الغايةِ والهدفِ، وبذلكَ نقفُ على مكوّناتِ الفعلِ الإختياريّ وهيَ طبيعةُ الفعلِ نفسِه سواءٌ كانَ حقّاً أو باطِلاً، والأمرُ الثّاني الهدفُ والغايةُ مِن هذا الفعلِ، حيثُ تُمثّلُ القناعةُ بالفعلِ المرحلةَ الأولى وتُمثّلُ النّيّةُ المرحلةَ الثّانية، وإذا رجَعنا إلى الرّواياتِ نجدُها تُؤكّدُ أهمّيّةَ النّيّةِ وفي نفسِ الوقتِ لا تُلقي أهمّيّةً للمرحلةِ الأولى وهيَ طبيعةُ الفعلِ نفسِه، بمعنى أنَّ النيّةَ الخالصةَ في عملِ الحقّ وليسَت النّيّةَ الخالصةَ في عملِ الباطلِ، وعليهِ لابُدَّ أن يمتلكَ الفعلُ مُبرّراتٍ ذاتيّةً ومِن ثُمَّ تأتي مرحلةُ توظيفِ هذا الفعلِ في إطارِ الغايةِ والهدفِ، وبهذا لا تكونُ النّيّةُ لوحدِها هيَ العلّةَ المُوجبةَ للثّوابِ والعقابِ وإنّما النّيّةُ معَ العملِ الصّالحِ، فالذي يفعلُ ما هوَ باطلٌ لا يُثابُ عليه مهما كانَت نيّتُه خالصةً في فعلِه، والذي يعملُ الحقَّ مِن غيرِ نيّةٍ خالصةٍ للهِ لا يُثابُ أيضاً، وبذلكَ نفهمُ أنَّ كُلَّ هذهِ الرّواياتِ تُؤكّدُ على عدمِ الرّياءِ في الأفعالِ الحسنةِ، ولا تُؤكّدُ على إخلاصِ النّيّةِ في الأفعالِ الباطلةِ، وهيَ بذلكَ تُؤكّدُ على قضيّةٍ معلومةٍ بالضّرورةِ عندَ جميعِ العُقلاءِ، وما تُشكّلهُ الرّواياتُ مِن إضافة هوَ كونُ النّيّةِ في الإطارِ الإسلاميّ تكونُ بالإخلاصِ للهِ تعالى.  

وعليهِ فالأمرُ الذي لا يمكنُ قبولُه هوَ جعلُ النّيّةِ وحدَها هيَ معيارَ الفعلِ حتّى لو كانَ الفعلُ في نفسِه حراماً أو مُخالِفاً للحقِّ والواقعِ، فما تقومُ به داعش أو أصحابُ المذاهبِ المُنحرفةِ والضّالّةِ لا يترتّبُ عليه ثوابٌ مهما كانوا مُخلصينَ فيه وذلكَ لكونِ أفعالِهم فاقدةً للشّرطِ الأوّلِ وهوَ كونُ الفعلِ في ذاتِه حقّاً ومطلوباً، وهذا ما أكّدَ عليهِ قولُ الإمامِ بقولِه: (ولا عملَ إلّا بنيّةٍ، ولا نيّةَ إلّا بإصابةِ السّنّة).

والذي يسعى في عملِه وكانَ مُخلِصاً فيهِ ثمَّ حالَت الظّروفُ بينَه وبينَ تحقّقِ الفعلِ في الواقعِ يكتبُ اللهُ لهُ بفضلِه أجرَ ذلكَ العملِ، وذلكَ لأنَّ الذي منعَ منَ الفعلِ ظروفٌ خارجةٌ عن إرادةِ الإنسانِ وما هوَ خارجٌ عَن إرادتِه لا يكونُ سبباً في حرمانِه منَ الثّوابِ والفضلِ، فوظيفةُ المؤمنِ هي السّعيُ نحوَ الخير وبقلبٍ خالصٍ ولِذا أمرَنا اللهُ بالجهادِ ولم يربِط أجرَ الجهادِ بتحقيقِ النّصرِ، وإنّما مُجرّدُ الجهادِ والسّعي بنيّةٍ خالصةٍ كافٍ لتحقيقِ الثّوابِ منَ اللهِ تعالى، وهذا ما أكّدَتهُ الرّواياتُ التي نصَّت على أنَّ نيّةَ المرءِ خيرٌ مِن عملِه، أو أنَّ النّيّةَ أساسُ العمل، أو الأعمال ثمارُ النّيّاتِ، أو الرّواياتُ التي جعلَت الخلودَ في الجنّةِ أو النّارِ بالنّيّاتِ، كلُّ ذلكَ يُؤكّدُ على أنَّ النّيّةَ الخالصة هيَ أساسُ العملِ إذا كانَ العملُ في نفسِه مطلوباً.