روي عن الإمام الصادق (ع) انه قال: ينادي منادٍ حين يمضي ثلث اللّيل ( يا باغي الخير أقبل يا طالب الشرّ أقصر...)ماهي الفائدة من ان ينادي من دون ان يسمعه الانسان؟

روي عن الإمام االصادق (عليه السلام) انه قال: ينادي منادٍ حين يمضي ثلث اللّيل : يا باغي الخير أقبل !.. يا طالب الشرّ أقصر !.. هل من تائبٍ يُتاب عليه ؟ .. هل من مستغفرٍ يُغفر له ؟ ..هل من سائلٍ فيُعطى ؟.. حتّى يطلع الفجر. السؤال هو ماهي الفائدة من ان ينادي من دون ان يسمعه الانسان

: السيد رعد المرسومي

السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته: 

أصلُ هذا الخبر: (يا باغي الخيرِ أقبِل .. يا طالبَ الشرِّ أقصِر ...)، رواهُ الجمُّ الغفيرُ مِن أهلِ العلم مِن كِلا الفريقينِ (السّنّةِ والشّيعةِ)، إذ رواهُ التّرمذيُّ في سُننِه (ج2/ص95)، وإبنُ حبّانَ في صحيحِه (ج8/ص222)، وإبنُ خزيمةَ في صحيحِه (ج3/ص188)، وغيرُهم مِن أهلِ السّنّة. ورواهُ القاضي النّعمانُ المغربيّ في كتابِه دعائمُ الإسلامِ (ج ١/ص ٢٣٩) عَن أبي جعفر محمّد بنِ عليٍّ الباقر (عليه السّلام)، وفضلُ اللهِ الرّاونديّ، في النّوادر، (ص ٢٥٧)، و بحار الأنوار للعلّامةِ المجلسيّ، (ج84/ص ١٦٩)، وفي جامعِ أحاديثِ الشّيعةِ للسّيّدِ البروجرديّ (ج ١٥/ص ٢٨٦)، وغيرُهم مِن عُلماءِ الإماميّةِ. ولم يُشكِّك أحدٌ منَ العُلماءِ في هذا الخبرِ ولم يرتابوا فيه، وذلكَ لأنّهُ يُعَـدُّ منَ النّداءاتِ الإلهيّةِ المعروفةِ التي لها نظائرُ في القرآنِ العظيمِ والسّنّةِ المُطهّرة.

ولنستأنس بالنّداءاتِ الإلهيّةِ الواردةِ في كتابِنا العزيز. 

فمثلاً: النّداءاتُ الإلهيَّةُ في القرآنِ أنواعٌ، فمِنها: النّداءُ للنّاسِ عامّةً، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم...} [البقرةُ:21]. 

ومثلُه النّداءُ لبني آدمَ، كقولِه تعالى: {أَلَم أَعهَد إِلَيكُم يَا بَنِي آدَمَ أَن لَا تَعبُدُوا الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُستَقِيمٌ} [يس:60-61]. 

ومثلُه النّداءُ لعبادِ اللهِ، كقولِه تعالى: {قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ} [الزّمر:53]. 

وأخصُّ منها النّداء لأهلِ الكتابِ؛ مثلَ قولِه تعالى: {يَا أَهلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُم: أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشرِكَ بِهِ شَيئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعضُنَا بَعضًا أَربَابًا مِن دُونِ اللَّهِ} [آلُ عمران:64].والمرادُ بأهلِ الكتابِ: أهلُ التّوراةِ والإنجيلِ، وهُم اليهودُ والنّصارى على إختلافِ مذاهبِهم وتأويلاتِهم. 

وقد يُنادي الكُفارَ أو المُشركينَ، كقولِه تعالى: {قُل يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لَا أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ} [الكافرون:1]. 

وقد يكونُ النّداءُ إلى كلِّ إنسانٍ، كما في قولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ} [الإنفطارُ:6]. وقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلَاقِيهِ} [الإنشقاقُ:6]. 

وقَد يكونُ النّداءُ إلى جماعةِ المُؤمنينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [البقرةُ:183]. وقَد تكرّرَ مثلُ هذا النّداءِ كثيراً . 

وقد يتكرَّرُ النّداءُ الإلهيُّ إلى الأشخاصِ؛ مثلَ النّداءِ إلى آدمَ ونوح وإبراهيمَ وموسى وعيسى وغيرِهم مِن أنبياءِ اللهِ ورسلِه. وكما ترى فإنّ هذهِ النّداءاتِ تارةً فيها وعيدٌ وتارةً فيها بشاراتٌ وتارةً فيها تحذيرٌ وتارةً تحملُ مواعظَ ونحوِ ذلكَ. وعلى هذا المنوالِ جاءَ هذا الخبر (يا باغي الخيرِ أقبِل .. يا طالبَ الشرّ أقصِر ...). إذ بيّنَ أهلُ العلمِ أنَّ المُنادي الذي يُنادي، هوَ ملكٌ منَ الملائكةِ، أو أنّهُ إلهامٌ يضعُه اللهُ في قلبِ كلّ مَن يريدُ فعلَ الخيرِ والإستزادةَ منَ الثّوابِ والأجرِ، بأنَّ هذا زمنُ التّنافسِ في فعلِ الخيراتِ والإستزادةِ منها، وإلهامٌ آخرُ يضعُه اللهُ في قلوبِ العُصاةِ بأن يكفّوا عن معاصيهم، ويُقبلوا على اللهِ تائبينَ، فهذا زمانُ التّوبةِ والعودةِ إلى اللهِ، لعلّه يكونُ منَ الفائزينَ بفرصةِ العتقِ منَ النّارِ، فينتقلُ مِن معاصيهِ إلى توبةٍ تُدخِلهُ الجنّةَ دونَ سابقةِ عذاب. 

 والخلاصةُ هذه النداءاتُ تكونُ بنحو زرع الدافع في نفسِ العبد لفعلِ الطاعات، لا بنحو الإلجاءِ والإجبار على فعلها، وإنّما يُحبّبها لهم ويقرّبها منهم لطفاً ورحمة بهم، وليس بمعنى الصوتِ المتعارفِ ليسألَ السائلُ عن فائدةِ النداء إذا لم يسمعهُ المنادى.

 عصمنا الله تعالى وإيّاكم من الزّللِ والخطأ وهدانا إلى سواءِ السّبيلِ، ودمتُم سالمين.