هل هناكَ شواهدُ على الإعجازِ العلميّ في القرآن؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

لابد من التأكيد على أن القرآن ليس كتاباً في العلوم الطبيعية؛ بل الإنسان أساساً غير محتاج إلى كتاب من السماء يتعلم منه تلك العلوم، لكون الإنسان قادراً بما مكنه الله على كشف اسرار الطبيعة، وما تشهده البشرية من تطور علمي في كافة المجالات لخير دليل على ذلك، وعليه فإن الاعتقاد بأن القرآن لابد أن يكون مرجعاً في علوم الكون والطبيعة اعتقاد خاطئ ولا يوجد ما يبرره، وفي المقابل فإن الإنسان في أمس الحاجة إلى التكامل المعنوي وإلى ما يقوّم سلوكه ويمنحه القدرة على معرفة الأشياء في إطار الغاية والحِكمة، ولذا كان القرآن رسالة الله للإنسان لكي يهديه سبيل الرشاد ويبصره حقائق الأشياء ويبشره بالجنة ويحذره من النار، ومن الواضح أن الهداية ليست موقوفة فقط على تذكير الإنسان بحِكمة الحياة وغايات الخلقة وإنما تتوقف احياناً على ذكر بعض الحقائق الطبيعية التي تقوي صلة الإنسان بالله تعالى، أو تنبه الإنسان إلى نعم الله وكيف سخر له الطبيعة وهيئ له ظروف الحياة فيها، ومن هنا نفهم الآيات التي تحدثت عن النجوم والكواكب والبحار والجبال والرياح والامطار وغير ذلك من الحقائق بوصفها حقائق طبيعية تقع في طريق هداية الإنسان.

 فمن خلال عدم التسليم بكون القرآن مرجعاً للعوم الطبيعة، وفي نفس الوقت الإيمان بما جاء فيه من حقائق كونية على سبيل الهداية والتذكير، يمكننا فهم المقصود من الاعجاز العلمي على نحو الدقة، وبالتالي كون القرآن معجزاً علمياً لا يعني أنه بديل عن وسائل البحث العلمي، أو أن ما فيه من حقائق علمية تصلح للمقارنة والمعارضة مع ما أثبتته العلوم الحديثة، وذلك لكون القرآن يتحرك في أتجاه يختلف تماماً عن الاتجاه الذي يتحرك فيه البحث العلمي، فبينما يستثمر القرآن تلك الحقائق لهداية الإنسان من دون الحاجة للكشف عن كيفية عملها مادياً، نجد أن العلم يهتم بالروابط الكيميائية أو الفيزيائية أو البيولوجية التي تفسر وجود الظاهرة الطبيعية، ومن الواضح أن العوم في تفسيراتها قد تكون مختلفة ومتباينة ولا يمكن الوصل فيها إلى حقائق لا يصيبها التطور والتبدل، فما يثبته العلم اليوم قد يثبت نقيضه غداً، وهذا ما لا يمكن حدوثه مع القرآن، ليس لكونه مصدراً إلهياً معصوماً من الخطأ فحسب وإنما لكون القرآن تناول تلك الظواهر الطبيعة على مستوى الحِكمة والغاية دون التحدث عن آليات عملها مادياً، فمثلاً تحدث القرآن عن كون الجبال اوتاد للأرض دون تقديم تفسير مادي لذلك، بينما علماء الجيولوجيا يقدمون تفسيراً مادياً لتلك الظاهرة وهذا التفسير بالطبع قابل للتطور أو التعديل أو التبديل، فالأمر المتفق عليه كون الجبال تشكل حماية للأرض أما تفسير ذلك فمهمة العلم وليس القرآن، وإذا كانت وظيفة القرآن في ما يتعلق بالحقائق الطبيعية تختلف عن وظيفة العلم حينها نفهم الاعجاز العلمي على أنه إشارة مبكرة لبعض الحقائق التي لا يمكن للإنسانية التعرف عليها في تلك الفترة التاريخية، ولكن ليس على نحو الكشف العلمي وإنما على نحو الهداية وربط الإنسان بفلسفة الخلقة وغايات الوجود، فعندما تحدث القرآن مثلاً عن مراحل تطور الجنين في بطن أمه إنما أراد أن يذكر الإنسان بمدى ضعفه وحاجته إلى الله، فالغاية هي الهداية وتبصرة الإنسان بحقيقته وأصله، ومراحل تطور الجنين ليست افتراض خيالي وإنما هي حقيقة سوف يؤكدها البحث العلمي في ما بعد، مما يعني أن الهداية إذا توقفت على بعض المقدمات الطبيعية لابد أن تكون تلك المقدمات على نحو الحقيقة والواقع، ومن معاجز القرآن أنه يذكر تلك الحقائق بالشكل التي يصدقها اهل ذلك الزمان مع عدم قدرتهم من التأكد منها، وفي نفس الوقت يصدقها العلم والمختبر في الازمان اللاحقة، فمثلاً عندما يتحدث القرآن عن اللبن الذي يخرج صافياً ما بين فرث ودم، قال تعالى: (وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ) فإن إنسان التاريخ يقف على الغاية وهي تذكير الإنسان بنعم الله وفضله ويكتفي بالنتيجة المعلومة لديه بالضرورة وهي الكون اللبن يأتيه صافياً سائغاً للشاربين، وإذا أراد الإنسان المعاصر اختبار هذه المعلومة لا يمكنه إثبات ما يخالفها فيسمى ذلك اعجازاً علمياً، وهكذا في بقية الأمثلة التي تذكر على سبيل الاعجاز العلمي، وهكذا يجب الوقوف في الوسط بين من يندفع في الاعجاز العلمي إلى درجة يتحول معها القرآن إلى كتاب في العلوم، وبين من يرفض ذلك تخوفاً من اختلاف البحوث العلمية في ما بينها أو اختلافها مع القرآن، فما يشير إليه القرآن من أمور طبيعية تشكل مقدمات لهداية الإنسان وفي نفس الوقت ليست مجرد افتراضات لا يؤكدها الواقع.